بمعزل عن الضجيج السياسي بشأن ما حصل في الجرود، والذي لا يعيره حزب الله اهتماماً ويضعه في خانة التصويب على دوره، يعتبر الحزب أنه أنجز مهمة أساسية واستراتيجية، تتخطى أبعادها مسألة جرود السلسلة الشرقية. يراقب الحزب الحملة الإعلامية والسياسية التي تصوّب عليه، لكنه يخفف من تأثيرها محلياً، وحتى خارجياً، لأن الأهم بالنسبة إليه هو التطورات الدولية والإقليمية وليس ما يُحكى في الداخل. لا يفضل الحزب الدخول في السجال، بشأن التفاصيل السياسية المثارة، ويعتبر أن البعض يريد تعميم هذه الأجواء، لإشاحة النظر عن تغير واضح في موازين القوى. بالتالي، فإن الحملة التي تشنّها القوى السياسية المناهضة للحزب، تهدف إلى إعادة استنهاض جمهورها، بعد ما وجدت نفسها تراكم الخسارات.
يتطلّع الحزب إلى التناقض الذي أصيبت به تلك القوى، معتبراً أنه في المعركة الأولى، أي معركة جرود عرسال ضد جبهة النصرة، كان هناك اجماع وطني وإعلامي وسياسي حظي به الحزب، فلا القوات اللبنانية صعّدت من مواقفها، ولا حتى تيار المستقبل، وكذلك الجو الشعبي والإعلامي. ويذكّر بأن الجميع رحّب بالسماح لمقاتلي النصرة بالانسحاب من دون الاعتراض على هذا الموضوع، والدخول في حملات تخوين ضد الحزب. وينتقل إلى معركة جرود رأس بعلبك، فيعتبر أن هذا الفريق حين وجد نفسه يراكم الخسارات، وغير قادر على تحقيق أي هدف يسعى إليه لا سيما الرهان على الجيش لانهاء المعركة وحيداً، والانتشار على كامل الحدود، أراد شّن حملة إعلامية وسياسية واسعة هدفها تخويني. ويسأل الحزب لماذا الاعتراض على انسحاب داعش بدون الاعتراض على انسحاب النصرة؟
ويقول الحزب إن المشروع كان واضحاً، وهو فرض الانسحاب على حزب الله من السلسلة الشرقية، لمصلحة انتشار الجيش واستدعاء القوات الدولية إلى تلك المناطق، ولدى اكتشاف هذا الفريق والمحور الذي يدعمه أن ذلك مستحيل، بدأت الحملة، التي لا تخرج عن نطاق المواقف الصوتية التي لن تقدّم ولن تؤخر. ويعتبر الحزب أن معركته الأساسية كانت أبعد بكثير من الموقع الجغرافي للمنطقة، لأن في خلفية تفكيره كان يأخذ في الحسبان إمكانية إندلاع أي معركة مع إسرائيل. وهذه في حال حصلت، وكان وجود المسلحين قائماً في الجرود، تعني أنه سيكون لديهم القدرة على إشغاله أو على قطع العديد من الطرق عليه، سواء في البقاع، أم في المناطق الجردية، أو إشغاله في معارك وعمليات أمنية. وبالتالي تشتيت قواه. أما وقد أنجز هذه المهمة، فهذا يؤدي إلى تعزيز وضعيته العسكرية، وتوفير منطقة آمنة، بعمق عشرات الكيلومترات بين لبنان وسوريا.
بعد تحقيق هذا الهدف، أصبح الحزب مرتاحاً، كما يقول، في أي مواجهة محتملة مع العدو الإسرائيلي. رغم أنه أصبح يستبعدها بعد تحقيقه كل هذه الانجازات، وتوسيع نطاق سيطرته، لأنه إذا ما تلقى ضربة في سوريا، فهو سيكون قادراً على الرد في لبنان، والعكس صحيح. ويعتبر الحزب أنه كما كان هناك مسعى أميركي لقطع الطريق بين سوريا والعراق على إيران، كان هذا المشروع نفسه لتحقيقه في جرود السلسلة الشرقية. وهذا المشروع فشل كما فشل مشروع إقفال الحدود العراقية. وذلك ما يثير كثيراً من الاعتراضات الإسرائيلية. ولا يخفي الحزب أن إقامة قاعدة التنف على الحدود السورية العراقية، كان هدفه توفير الحماية للأردن، ولكن بعد تواصل وتنسيق بين الأردنيين والنظام السوري، وفتح معبر نصيب الحدودي، وحصول الأردن على ضمانات بعدم المساس بأمنه، تم تفكيك قاعدة التنف ونقلها من سوريا إلى العراق، فيما الطريق لا تزال مفتوحة.
يستخدم الحزب هذا المثال، ليقول إن ميزان القوى يتغير كثيراً في المنطقة. ويشير إلى أن إسرائيل كانت في السابق ترفض انتشار الجيش السوري على حدودها، أما اليوم فهي أصبحت تطالب بنشر الجيش السوري في جنوب سوريا برعاية روسية، ولكن بشرط إبعاد إيران من هناك، لأنها تمثل خطراً عليها، إلا أنه لم يعد بالإمكان الفصل بين الجيش السوري والحزب، لأن الأخير موجود في كل المناطق التي ينتشر فيها الأول.
ستفرز المعركة جملة نتائج سياسية في لبنان والمنطقة، ولكن ذلك سيحتاج إلى مزيد من الوقت. فعلى الصعيد الداخلي لن يكون هناك أي تغيير في المعادلة السياسية، لأن لبنان محكوم بالتوافق والتوازن السني الشيعي. بالتالي، لا يمكن تغيير أي موازين. أما خارجياً، فإن حزب الله باق في سوريا، وهو شريك أساسي وفعلي في تثبيت الحل السياسي فيها، خصوصاً أنه صاحب دور عسكري أساسي وفعال في الصراع. وهذا بالتأكيد لا ينفصل عن المناطق الأساسية والواسعة التي يسيطر عليها الحزب في سوريا، وخصوصاً في السلسلة الشرقية، وبعمق نحو خمسين كيلومتراً. ويعتبر أن هذه المناطق، ستكون عامل تغيير كبير في أي صراع مقبل، إذ إن معظمها تحوّل إلى قواعد عسكرية للحزب، ومخازن للصواريخ والأسلحة المتطورة، التي يبلغ مداها نحو 250 كيلومتراً. أي إنها قادرة على استهداف إسرائيل، من القصير، ورنكوس وغيرها. ولم يعد الحزب بحاجة إلى وضع هذه الصواريخ في القرى اللبنانية الجنوبية. ويعتبر الحزب أن هذه الأسلحة أصبحت موجودة في أماكن آمنة، في الجبال والمغاور، ويصعب استهدافها، أو إصابتها في حال تم استهدافها.
لا يخفي حزب الله وجود حذر لديه من إمكانية الرد على هذه الانتصارات بعمليات أمنية، بمعنى أنه إذا ما دحر الخطر العسكري، إلا أن الخطر الأمني قد يبقى قائماً، من خلال تنفيذ بعض العمليات المتنقلة. لذلك، يحرص على ضرورة تعزيز الموقف الداخلي، بمعزل عن الإنقسام، بغية عدم التفريط بالتسوية والاستقرار.