ترددات الصفقة المشبوهة بين حزب الله وداعش تهدد بانقسام البلد
المستقبل :
لا «صفقة» تهريب الإرهابيين معززين مكرمين إلى «سوريا الأسد»، ولا «صفعة» فتح الحدود السورية لكسر الحصار اللبناني المطبق عليهم وتأمين طريق عودتهم سالمين آمنين إلى الحاضنة السورية برعاية «حزب الله» وحفظه، ولا محاولات الحزب اليائسة لتبرير «الصفقة والصفعة» أمام أهالي العسكريين اللبنانيين المفجوعين بمشهد القوافل السورية وهي تقلّ قتلة أبنائهم بأسلحتهم عبر معابر «الممانعة والمقاومة»، ولا مساعي تحوير الانتصار على الإرهاب من وطني إلى فئوي، ولا التطاول والافتئات على حقيقة تقهقر «الدواعش» تحت ضربات قوى الشرعية اللبنانية، ولا «حرب الرايات» التي يشنها «حزب الله» والنظام السوري على المرتفعات للتشويش على عملية رفع العلم اللبناني فوق الأراضي المحرّرة.. كل ذلك أعجز من أن يحجب «فجر الجرود» الساطع في ميدان المعركة، بدءاً من تطهير جرد رأس بعلبك والقاع وصولاً حتى تحرير رأس القمم الحدودية التي بلغتها الوحدات العسكرية بالأمس لتغرس العَلَم والأمل والطمأنينة بأنّ الجيش وحده يُحرّر الأرض ويحمي السيادة والحدود.
وفي هذا السياق، أعلنت قيادة الجيش أن وحداتها استكملت أمس عملية الانتشار في منطقة وادي مرطبيا ومحيطه، حيث تم التأكد من خلوّها من عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي، وجرى رفع العلم اللبناني فوق قمم «حليمة قارة» و«عقابة مرطبيا» و«حليمة القبو»، التي تشكّل المرتفعات الأعلى في المنطقة، فيما تقوم الفرق المختصة في فوج الهندسة بمسح الأراضي لكشف العبوات والألغام والأجسام المشبوهة التي خلفها الإرهابيون والعمل على معالجتها.
أما في ملف رفات الجثامين التي تخضع لفحوض الحمض النووي، وبينما جزم المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم أمس بأنها تعود إلى العسكريين المختطفين، فبرز خلال الساعات الأخيرة العثور على رفات جديدة في منطقة الرهوة في الجرود اللبنانية يُعتقد أنها تعود إلى جثمان الشهيد عباس مدلج. في حين أكدت مصادر عسكرية لـ«المستقبل» أنّ الجيش اللبناني ينتظر نتائج الـ«دي أن إيه» للتيقن من هويات جثامين شهدائه، وليعلن تالياً «انتهاء المهمة بنجاح» بعد تحرير الأرض اللبنانية من الوجود الإرهابي وكشف مصير العسكريين الذين كانوا مختطفين، مشددةً في هذا السياق على أنه «كما كانت قيادة
المؤسسة العسكرية تملك وحدها تحديد «ساعة الصفر» لبدء عملية «فجر الجرود» كذلك فإنها تملك اليوم وحدها تحديد ساعة نهاية العملية».
وعن موعد صدور نتائج الحمض النووي، أشارت المصادر إلى إمكانية صدور نتائج أولية خلال أيام، غير أنّ النتائج العلمية النهائية من المستبعد صدورها رسمياً قبل أسبوعين في أقل تقدير نظراً لحالة الرفات التي مضى عليها وقت طويل في الجرود ما يُصعّب عملية الفحوص بشكل يضطر معه الأخصائيون إلى إجرائها أكثر من مرة للتثبت من نتائج المطابقات النووية بين العينات.
الحريري
في الغضون، رسم رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري خطاً أحمر حول حملات التطاول والافتراء على رئيس الحكومة السابق تمام سلام في معرض المزايدات السياسية الجارية في ملف العسكريين الشهداء، فرد بحزم على المتحاملين على سلام مستذكراً أنهم لم يبادروا إلى الانسحاب من حكومته احتجاجاً على المزاعم التي يطلقونها اليوم.
وقال الحريري في تغريدتين عبر «تويتر» أمس: «لا أتذكّر أنّ المتحاملين على تمام بك سلام اليوم، انسحبوا من حكومته يومها احتجاجاً على ما يزعمونه الآن»، مشدداً في المقابل على أنّ «تمام سلام أعلى من أن تصيبه سهام المتحاملين»، وأردف قائلاً: «كنّا إلى جانبه وسنبقى.. ولحد هون وبس».
«المستقبل»
تزامناً، عبّرت كتلة «المستقبل» النيابية أمس عن تعازيها الحارة إلى عائلات الشهداء العسكريين وعن تقديرها العميق «للإنجاز الوطني الكبير الذي حققه الجيش البطل والمتمثل بتحرير الجرود»، مجددةً التمسك بالشرعيات الثلاث «اللبنانية والعربية والدولية»، بوصفها «ثوابت تتكامل في ما بينها في حماية مصلحة لبنان ومصلحة جميع أبنائه».
وإذ أسفت «للمواقف التي صدرت عن البعض وكان الهدف منها حرف الأنظار عن المعاني الحقيقية للنصر الذي حققه الجيش وللتغطية على السماح بفرار القتلة المجرمين»، استنكرت الكتلة «الموقف المخادع الذي اعتمده «حزب الله» تجاه الفصل الأخير من المواجهة التي خاضها ببطولة ومهنية عالية الجيش ضد التنظيم الإرهابي «داعش» (الذي) عقد معه الحزب والنظام السوري صفقة تبادل جثث مقاتليهم وأسراهم وأسير تابع للحرس الثوري الإيراني في مقابل ضمان حرية عناصر «داعش» (...) علماً أن «حزب الله» كان يعترض بشدة في السابق على أي نوع من أنواع التفاوض لإطلاق العسكريين اللبنانيين في العام 2014»، وختمت بالقول: «إنّ «حزب الله» بهذا الموقف المخادع كشف للشعب اللبناني أنّ ما يهمه هو نفسه ومصالح إيران والنظام السوري لا مصالح الشعب اللبناني»، مع لفت الانتباه إلى أنّ «فصول اليومين الماضيين كشفت حقيقة «حزب الله» الذي يخشى من تعزيز قوة الجيش أو قوة الدولة اللبنانية التي يريدها أن تبقى ضعيفة ومستضعفة تحت جناح الحزب وإملاءات الولي الفقيه».
الديار :
مشهد الحدود اللبنانية - السورية كان ناصعاً، ونقياً امس، بعد دحر الارهابيين عن كامل الحدود بفضل دماء شهداء الجيش اللبناني والجيش السوري والمقاومة.
مشهد الحدود كان مختلفاً جذرياً عن المشهد الداخلي والحرتقات، وتقاذف المسؤوليات عما آل اليه مصير العسكريين المخطوفين، ومحاولة البعض تضييع النصر وأخذه الى متاهات الزواريب الداخلية.
مشهد الجرود امس، جسد انتصار لبنان وسوريا والمقاومة، وترجم بانتشار الجيش اللبناني على معبر مرطبيا، وحليمة قارة الاستراتيجية التي يبلغ ارتفاعها 2654 متراً لأول مرة منذ سنوات، فيما ثبت الجيش السوري مواقعه في الجانب السوري من شعبة مرطبيا وحليمة قارة، اما المقاومة فسلمت مواقعها للجيش اللبناني باحتفال تم فيه عزف النشيدين الوطني اللبناني والعربي السوري ونشيد المقاومة.
وفي المعلومات، ان الانتشار المشترك على الحدود وفي نقاط متقاربة، استدعى لقاءات بين ضباط من الجيشين اللبناني والسوري والمقاومة، وجولة على خطوط الانتشار وتحديدها ومواقع «داعش» واستطلاع طبيعة المنطقة عن كثب. كما تم تبادل التهاني بالانتصار مع محطات «خبز وملح» وتقييم شامل للعملية العسكرية والانجازات السريعة، وضرورة المراقبة الدائمة واليقظة، ومنع التهريب وإصلاح بعض الطرقات، وهذا ما يستدعي لقاءات دورية على الارض.
وبعيدا عن اصرار البعض على نفي اي تنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري وحزب الله، فإن الوقائع الميدانية على الارض كانت متغايرة حتى ان المراسلين نقلوا مشاهدات عن مستوى التنسيق الميداني، مما سمح بالانتصار السريع. وقد حمى الجيش السوري ومجاهدو المقاومة ظهر الجيش اللبناني اثناء تقدمه، وبالمقابل حمى الجيش اللبناني ظهر الجيش السوري والمقاومة في العديد من المواجهات المباشرة، حتى ان الجيش السوري ومجاهدي المقاومة ضربوا بشكل مباشر عدة دراجات لمسلحي «داعش» قبل تفجيرها من قبل انتحاريين بجنود الجيش اللبناني، واحد الانتحاريين من جوار عين الحلوة، حتى ان المراسلين كشفوا ان التقدم في بعض النقاط كان مشتركا، والقصف الصاروخي كان دقيقاً جداً، وعناصر المقاومة أدوا دوراً محورياً في التقارب والتنسيق و«لمّ الشمل» في كل المجالات، وتحديداً لجهة نقل الشهداء والجرحى. وستكشف الأيام المقبلة المزيد من الوقائع الميدانية وما جرى على الارض.
وتؤكد مصادر متابعة «ان لبنان طرد الارهابيين بمختلف مشاربهم وانتماءاتهم وهذا هو الاساس. اما حملات البعض فتهدف الى طمس ما تحقق لأنه مؤلم للقوى العربية والغربية التي وقفت الى جانب المسلحين، وانتصار الجرود تلاقى مع انتصارات الجيش السوري والمقاومة في كل سوريا، وانتصارات الجيش العراقي في تلعفر، وهذا المشهد الميداني الجديد بدأت تتعامل معه كل الدول من الاردن الى مصر حتى السعودية بشكل «خجول» الى كل الدول الاوروبية وصولا الى واشنطن. ورؤساء مخابرات هذه الدول يقفون «بالصف» على ابواب المسؤولين السوريين «طالبين القرب». وقد ساعد التعاون الامني السوري بإحباط عمليات كبيرة في اوروبا، وحتى ان رئيس المخابرات المركزية الأميركية «تواضع» واتصل بأحد المسؤولين الامنيين السوريين طالباً معلومات عن صحافي أميركي اختفى في سوريا، كما ان وزير خارجية مصر سامح شكري كشف عن اتصالات رسمية مع الحكومة السورية، واجتماعات الضباط الاردنيين والسوريين أكبر شاهد لهذه المتغيرات.
وتدعو هذه المصادر الاطراف اللبنانية الى قراءة للمستجدات والمتغيرات الكبيرة، واستعداد سوريا لمساعدة لبنان في الكهرباء وتصدير المزروعات اللبنانية (التفاح) عبر معبري «التنف» و«النصيب». وتؤكد هذه المصادر ان «العلاقة السورية - اللبنانية الجديدة ستكون مختلفة جذريا عن العلافات السابقة، وسوريا لن تعود كما كانت قبل 2011 والرئيس عون والسيد حسن نصرالله متفقان مع الرئيس الأسد على علاقة جديدة بين دولتين ومن «الند الى الند».
وتكشف المصادر ان الرئيس الاسد ابلغ قيادات لبنانية حليفة ان «الملف اللبناني بيد السيد حسن نصرالله وما يقرره موافقون عليه» حتى ان زيارة وزيري امل وحزب الله كانت رسمية الى وزراء سوريين ومن دولة الى دولة، وهذه اشارة لافتة الى مسار العلاقات بين الدولتين مستقبلاً.
الفساد يبقى الخطر الاكبر
بعد طرد الارهابيين وتحرير الارض، يبقى الخطر الاكبر على قيام الدولة «الفساد» الذي يهدد كل الانجازات ويوازي الخطر الارهابي. فالجيش والمقاومة حررا لبنان وطردا اسرائيل والارهابيين، لكن السؤال الاساس: مَن يحرر لبنان من الفساد؟
وفي المعلومات ان وزير خارجية سريلانكا عندما زار لبنان مؤخراً، وشرح للمسؤولين الاوضاع في بلاده والتقدم السريع، ابدى استغرابه لانقطاع الكهرباء والمستوى الخدماتي. وابلغ المسؤولين ان الكهرباء في سريلانكا مؤمنة 24 على 24، وشرح لهم ايضا تطور شبكة الطرقات والاتصالات والنهضة العمرانية، رغم ان مساحة سريلانكا توازي اضعاف مساحة لبنان، وتفاجأ المسؤولون اللبنانيون بما سمعوه.
وفي المعلومات ان لبنان بات في المراتب ما قبل الاخيرة لجهة الفساد حسب التقارير الدولية، هذا بالاضافة الى اوضاعه المزرية. والرئيس ميشال عون وضع مجلس الوزراء في جلسته ما قبل الاخيرة بحقائق مذهلة عن الدين الذي وصل الى 110 الاف مليار دولار، ورغم ذلك لا طرقات ولا اتصالات ولا كهرباء ولا مياه ولا مشاريع ولا سدود، فأين ذهبت هذه الاموال؟ وهل يعقل ان بلداً في العالم يدفع اكثر من 5 مليارات دولار فائدة الدين ولا يحرك ساكناً لمعالجة المشكلة؟ هل يعقل ان بلداً يدفع 3 مليار دولار سنوياً على الكهرباء ولا كهربا؟ هل يعقل ان المواطن يدفع فاتورتين في كل ما يحتاج اليه ولا يتحرك؟ هل يعقل ان ندفع اموالاً للمهجرين منذ 35 سنة ولا احد يعرف منتى سينتهي هذا الملف؟ هل يعقل ان تبقى «مجالس» مفتوحة ومثقوبة على الهدر ولا أحد يحاسب؟ هل يعقل ان ندفع ملايين الدولارات على موظفين لسكك الحديد وغير موجودة منذ العام 1961؟ هل يعقل ان ندفع تعويضات لمتقاعدين وعائلاتهم منذ ما قبل الاستقلال؟ هل يعقل ان ندفع مئات المليارات على مهرجانات تدر على اصحابها ملايين الدولارات؟ هل يعقل ان ندفع 300 مليون ليرة سنوياً مساعدات للنواب من اجل مشاريع لا احد يعرف كيف تنفذ؟ هل يعقل ان ملف الاشغال تتعاطى فيه اكثر من 20 جهة، وكلها تلزيمات بالتراضي وصفقات وعقود؟ هل يعقل ان ازمة النفايات ستعود بعد أشهر، بعد ان جنى كبار القوم مليارات الدولارت وووصفها احدهم «ببرميل نفط»؟ هل يعقل ان الدولة تعطي استيراد النفط لشركات تجني ملايين الدولارات فيما هي قادرة على هذه المهمة؟ هذا بالاضافة الى ان المواطن «يموت» قبل الحصول على معاملة وبكلفة عالية؟
هناك مئات الاسئلة عن فساد هذه الدولة مع وعود كثيرة عن اصلاحات ادارية وتطبيق اللامركزية وكلها وعود، وتبقى الطامة الكبرى «عجقة السير» وهي من عمر الاستقلال، ولن تجد طريقها للحل. وماذا ايضاً عن الوفود الخارجية والاموال الطائلة إذ بلغت تكاليف اخر رحلة الى نيويورك 650 الف دولار «والخير لقدام» الى الامن الغذائي والفضائح في ملفات النازحين السوريين، وهذا الملف اثير مع رئيس الحكومة في زياراته الاخيرة.
والمشكلة الكبرى تبقى في هجرة الشباب بعد ان سدت فرص العمل امامهم، وطالما «بقي» الزعيم او السياسي والنائب والوزير مدخلا للوظيفة، فأي اصلاح؟ وما هو دور مجلس الخدمة المدنية؟ وهيئات الرقابة؟ وحماية مصلحة المستهلك؟ والتفتيش المركزي والقضائي؟ اين واين واين؟ والمشكلة تبقى ايضاً في وجود عشرات الهيئات الضامنة لصحة المواطنين، والبعض يموت على ابواب المستشفيات مع فواتير خيالية؟ ووزير الصحة يدرك هذه المعضلة ويحاول معالجتها فعلياً؟ هذا بالاضافة الى المدارس المجانية ومتطلبات الوزارات، ودفاتر السوق الجديدة، وفحص الميكانيك، والسؤال الذي يبقى دون جواب، هناك قرار في مجلس الوزراء يمنع التوظيف والتعاقد فيما «العقود» بالوزارات يومية وعلى ابواب الانتخابات والرواتب مرتفعة، مضافا اليه التعاقد بالساعة وغيرها من البدع. السؤال ايضاً كيف يتحوّل المسؤولون بين ليلة وضحاها مع أبنائهم وعائلاتهم الى مالكين للثروات والقصور؟ وهذا ما يستدعي طرح شعار من أين لك هذا، وضرورة تطبيقه، علماً ان هذا القانون أُقر في لبنان وطبقه البعض فقط.
دولة بهذا المستوى من الفساد و«العهر السياسي» لا يحق لمسؤوليها وسياسييها ان يدخلوا انجاز الجرود بمتاهاتهم، لانه ستبقى بقعة ضوء في ليل سياسي مظلم حققه الجيش اللبناني ومجاهدو المقاومة فيما مآثر السياسيين معروفة ونتائج ما ورثوه لهذا البلد واضحة ومكشوفة، ولكن الامر المحير اين الناس من المحاسبة؟ ومَن يحرر لبنان من الفساد؟
الجمهورية :
بَدا من المضاعفات التي أحدثتها عودة العسكريين المخطوفين شهداء ونغّصت الانتصار بتحرير الجرود من الارهابيين، انّ البلاد مقبلة على مرحلة خطيرة، بفعل تبادل الاتهام على مختلف المستويات بالتسبّب بخطف هؤلاء العسكريين وتصفيتهم، ما فتح ملف عرسال وقصتها مع الجيش اللبناني منذ بدايتها وحتى تحرير جرودها. وتخوّفت مصادر مطلعة من تعرّض الاستقرار العام لاهتزاز خطير تحت وطأة الخلافات السياسية التي عادت تستحكم نتيجة الخطاب السياسي الحاد المتبادل بين الافرقاء السياسيين، ما دفع البعض الى طرح علامات استفهام حول مصير الحكومة التي تجتمع فيها كل الاضداد تحت مسمّى «حكومة استعادة الثقة»، والتي جاءت نتيجة طبيعية للتسوية التي حملت العماد ميشال عون الى سدة رئاسة الجمهورية. ومع انّ البعض اشتمّ من السجال الدائر روائح مصالح إنتخابية، فإنّ المراقبين يرون انه لا يجوز اللعب بمصير البلد بهذا المستوى من التشنّج والضرب على الاوتار الطائفية والمذهبية لتحقيق مكاسب نيابية لم يحن أوانها بعد.
كل المؤشرات تدل انّ لبنان بدأ يستعيد زمن الانقسامات الوطنية التي عرفتها البلاد بين 8 و 14 آذار، والتي تراجعت حدّتها مع دخول «حزب الله» في الحرب السورية وتركيز اهتمامه على اولوياته الخارجية، فيما من الواضح انّ الخلافات عادت تتخذ التموضع القديم نفسه، والذي كان البعض اعتقد انه قد ولّى مع انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية.
واذا كان الخلاف حول التنسيق مع النظام السوري او عدمه قد بلغ ذروته، فإنّ التباين الذي برز بفعل التسوية - الصفقة مع إرهابيي «داعش» ما زال يتفاعل وبحدة لافتة تؤشّر إلى طبيعة المرحلة التي دخل فيها لبنان، والتي تنذر بتداعيات وتفاعلات ومضاعفات خطيرة في حال لم يتم تدارك الوضع سريعاً وإعادة الاتفاق على الأولويات وتحييد القضايا الخلافية وترسيم حدود اللعبة السياسية.
وهذا الواقع المستجد دفع بعض الاوساط السياسية الى طرح أسئلة كثيرة أبرزها: هل ستتمكن الحكومة من الصمود طويلاً اذا تطور الانقسام وتفاعل؟ وما هو موقف رئيس الجمهورية؟ وهل سينجح في إنقاذ عهده من انقسام يعيد شَلّ المؤسسات وتعطيلها؟
والى كل هذه الاسئلة يبقى السؤال الأساس الذي ورد على كل شفة ولسان: هل يعقل ان يعود من قتل العسكريين وروّع اللبنانيين الى جبهته في باصات مكيفة وحماية مؤمنة وان يعود المخطوفون الى أهلهم وشعبهم في توابيت وبشعور من الخيبة والاحباط بعدما كان الجيش أعاد بمعركته العزّة والكرامة الى اللبنانيين؟
وعلى وقع سؤال اللبنانيين عمّن يتحمّل مسؤولية مقتل العسكريين الذين أسرهم تنظيم «داعش» في 2 آب 2014، والاتهامات المتبادلة بين القوى السياسية بالتقصير في ملف العسكريين، والمطالبات بفتح تحقيق، وحملات البعض ضد حكومة الرئيس تمام سلام واتهامها بالتقصير في واجباتها منذ اختطاف العسكريين في 2 آب 2014، ردّ رئيس الحكومة سعد الحريري على المتحاملين على سلام في تغريدة له عبر «تويتر»، قائلاً: «لا أتذكر أنّ المتحاملين على تمام بك سلام اليوم، انسحبوا من حكومته يومها احتجاجاً على ما يزعمونه الآن». وأضاف: «تمام سلام أعلى من أن تصيبه سهام المتحاملين. كنّا إلى جانبه وسنبقى... «ولحد هون وبس».
الجيش وعلم لبنان
ومع انكفاء النشاط الرسمي مع دخول البلاد في مدار عطلة عيد الاضحى المبارك الذي يصادف بعد غد، ظلت الكلمة للميدان، فاستكملت وحدات الجيش انتشارها في منطقة وادي مرطبيا ومحيطه بعد تأكد خلوّها من عناصر «داعش»، ورفعت العلم اللبناني فوق قمم حليمة قارة وعقابة مرطبيا وحليمة القبو، التي تشكّل المرتفعات الأعلى في المنطقة، فيما تعمل الفرق المختصة في فوج الهندسة بمسح الأراضي لكشف العبوات والألغام والأجسام المشبوهة التي خلّفها الإرهابيون والعمل على معالجتها.
وأكّدت مصادر عسكرية لـ«الجمهورية» أنّ «الجيش لم يدخل في أي تسوية مع «داعش» وهو كان يحضّر لانطلاق المرحلة الرابعة من عملية «فجر الجرود»، لكنّ الإرهابيين هربوا من الأراضي اللبنانية الى سوريا واستسلموا لـ«حزب الله» والنظام السوري، وهما اللذان أبرما التسوية مع «داعش» وليس الجيش اللبناني الذي كان مصمّماً على القضاء عليهم وتحقيق العدالة للعسكريين الذين استشهدوا.
وبالتالي، عندما لمسوا حزم الجيش اللبناني اتخذوا القرار على ما يبدو بإبرام صفقة مع «حزب الله» والنظام السوري بعدما وعدوهم بعدم المسّ بهم وتسوية أوضاعهم ونقلهم الى دير الزور».
وأشارت المصادر الى أنّ «الجيش وصل الى آخر النقاط على الحدود اللبنانية ـ السورية، وباتت كل جرود القاع ورأس بعلبك وعرسال خالية من الإرهابيين»، وأوضحت أنّ «الجيش يعمل الآن على تثبيت نقاط ومراكز دائمة من أجل حماية الحدود ومنع تسلل الإرهابيين أو المخرّبين».
واكدت أنّ «الانتشار العسكري في الجرود سيكون كثيفاً، والمراكز ستكون مترابطة عسكرياً، إذ إنه سيبقي على حالة الاستنفار الدائم على رغم التأكّد من خلو المنطقة من المسلحين، فيما عمليات المسح من الألغام قد تستغرق بعض الوقت لأنّ الجرود شاسعة والجيش لا يملك خرائط الألغام التي زرعها الإرهابيون».
وركّزت المصادر على انّ «النقاط الحدودية ستكون دائمة، ولا مجال لعودة الوضع الى ما كان عليه سابقاً».
وبالنسبة الى إقفال ملف العسكريين المخطوفين وجثمان الجندي عباس مدلج، فقد أكدت قيادة الجيش أنه «نتيجة متابعة البحث عن مصير عسكريين مفقودين، تمّ في وقت سابق العثور في جرود عرسال على رفات أحد الأشخاص. وعثرت أمس وحدة من الجيش في منطقة الرهوة ـ جرود عرسال، على رفات آخر عائد لأحد الأشخاص، وتخضع عيّنات من الرفات لفحوص الـ«DNA» اللازمة بإشراف القضاء المختص».
وكان المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم جزم أمس بأنّ الرفات «تعود للعسكريين، وإنّ النتيجة العلمية التي ستقطع الشك باليقين ستصدر قبل نهاية الاسبوع».
العبادي
في هذا الوقت، أعرب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عن رفضه الاتفاق الذي تمّ التوصّل إليه بين «حزب الله» و«داعش» في شأن نقل مسلحي هذا التنظيم الإرهابي من لبنان إلى الحدود السورية ـ العراقية. واكد عدم قبول بغداد بنقل «أعداد كبيرة» من عناصر «داعش» من الحدود اللبنانية ـ السورية إلى المناطق الحدودية مع العراق.
«التيار»
وقال رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل إنّ «مشروع الارهاب في لبنان سقط و«عقبال» مشروع النزوح ثم مشروع التوطين». ولفت الى أنّ «موقفنا في مجلس الوزراء عام ٢٠١٤ معروف عندما رفضنا التمديد غير القانوني لقائد الجيش جان قهوجي، فهل فهمتم ايها اللبنانيون لماذا كنّا نطالب بقائد جيش جديد يكون قادراً على تحمّل مسؤولياته؟».
وطالب «من سمح بالارهاب سابقاً بـ«السكوت اليوم والتكفير عن خطاياهم بالمساعدة في حل موضوع النزوح». ودعا الى المشاركة في احتفال «حزب الله» في البقاع غداً «لأننا شركاء في النصر». كذلك دعا «الجميع ومن ضمنهم «حزب الله» الى «المشاركة في الاحتفال الذي ستقيمه الدولة».
«القوات»
وسأل رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع «عن سرّ الصفقة التي تمت بين «حزب الله» و«داعش»؟ مشيراً الى أنه «كان في إمكان الحزب «ان يقوم بالصفقة واستعادة أسراه بعد ان يطرد الجيش اللبناني «داعش» كلياً من الأراضي اللبنانية».
واعتبر أنّ الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله «حاول مصادرة المشهد بإطلالات إعلامية مكثفة»، سائلاً: «ألم يكن ما تحقّق انتصاراً للشعب اللبناني حتى تتمّ مصادرته على يد حزب واحد»؟
«الكتائب»
ومن جهته طالبَ رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميل بـ«تشكيل لجنة تحقيق برلمانية لكشف هوية من وقف وراء عدم حسم معركة عرسال عام 2014، ومن يقف وراء الصفقة التي حصلت في معركة رأس بعلبك» مجدداً ثقته بالجيش اللبناني «الذي قدّم التضحيات فيما غيره تولّى التفاوض».
وسأل «السلطة السياسية الغائبة عمّن كلّف «حزب الله» التفاوض خلال المعارك واذا ما حصل ذلك، فبأيّ جلسة لمجلس الوزراء»، وقال: «اذا كانت السلطة مستقيلة من عملية الدفاع عن لبنان والوقوف الى جانب الجيش فلتَستقل كلياً وتُستَبدل بأشخاص حريصين على سيادة لبنان واستقلاله».
«المستقبل»
واستنكرت كتلة «المستقبل» بشدة «الموقف المخادع الذي اعتمده «حزب الله» تجاه الفصل الأخير من المواجهة التي خاضها الجيش اللبناني ببطولة ومهنية عالية ضد التنظيم الإرهابي «داعش» في جرود القاع وراس بعلبك».
واعتبرت انّ الحزب حاول «عبر حديث أمينه العام، جرّ الدولة اللبنانية الى تنسيق علني مع النظام السوري فيما يقوم الحزب والنظام السوري بالتفاوض مع «داعش» على جثامين شهداء الجيش اللبناني على هامش مفاوضاتهم لاسترجاع أسراهم وجثامين قتلاهم». ورأت «انّ فصول اليومين الماضيين كشفت حقيقة «حزب الله» الذي يخشى من تعزيز قوة الجيش اللبناني ومن قوة الدولة اللبنانية التي يريدها أن تبقى ضعيفة ومستضعفة تحت جناحه وإملاءات الولي الفقيه».
الحريري
وفي هذه الاجواء، تشخص الانظار الى باريس التي يزورها الحريري غداً. وعشيّة هذه الزيارة، أعلن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أنه دعا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى «زيارة دولة» لباريس. كذلك اعلن انه سيزور لبنان في الربيع المقبل في اطار جولة له في منطقة الشرق الاوسط. وقال في خطاب خلال الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا في العالم: «أريد أن اؤكد تمسّكنا بالبلدان التي تشهد الانقسامات والتوترات في المنطقة.
وسألتقي قريباً رئيس وزراء لبنان ورئيس الجمهورية الذي سيقوم بزيارة دولة الى فرنسا». وأضاف: «انّ لبنان، الذي يعيش وضعاً حرجاً يواجه بشجاعة وشعور كبير بالمسؤولية، تريد فرنسا دعمه وذلك باسم علاقاتنا التاريخية».
«اليونيفيل» والـ1701
على صعيد آخر، وعشيّة تصويت مجلس الأمن الدولي على مشروع قرار فرنسي بتجديد انتداب قوات الأمم المتحدة المؤقتة العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل)، غرّد وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل عبر «تويتر» قائلاً: «المحافظة على ولاية اليونيفيل ضرورة للسلام والاستقرار، غير ذلك بعثرة لجهود الامم المتحدة».
واستدعى باسيل ممثلي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وممثل الأمين العام للأمم المتحدة لتأكيد موقف لبنان الثابت لجهة التزام لبنان التام قرار مجلس الأمن الرقم 1701 بكل مندرجاته، وتثمينه الدور المحوري الذي تؤديه قوات «اليونيفيل» بالتعاون مع الجيش اللبناني في إرساء الإستقرار في جنوب لبنان، ما يؤكد وجوب تمديد ولايتها تقنياً على النحو الذي ساد منذ صدور القرار 1701 بلا أي تعديل في مهماتها، مع التشديد على أنّ الأولوية في أي مشروع تعديل يجب أن تُعطى دوماً لتأمين استمرارية نجاح قوات «اليونيفيل» في أداء مهماتها، وذلك من خلال درس متأنٍ لمجمل عوامل نجاحها في الحفاظ على الاستقرار في منطقة عملياتها، خصوصاً أنّ الهاجس الأساسي الذي يجب أخذه في الإعتبار لدى مقاربة أي مشروع تعديل يبقى كامناً في الإعتداءات والخروقات الإسرائيلية اليومية للقرار الأممي وللسيادة اللبنانية.
اللواء :
كأن المأساة التي أصابت لبنان وأهالي العسكريين، الذين كان اختطفهم تنظيم «داعش» بعد الإعلان عن ان الجنود باتوا بحكم الشهداء، لا تكفي عشية عيد الأضحى المبارك، والاجواء العابقة بـ«طعم» طرد الإرهاب من الجرود اللبنانية الشرقية، حتى وضعت تقييمات واجندات من فريق 8 آذار، من شأنها ان تسمّم النتائج، التي لا يختلف إثنان انها من شأن الابتعاد عن استثماراتها السياسية ان يوحّد الرؤى الوطنية لمتابعة تحديات، من الأمن والاقتصاد وإنجاز الموازنة، والاستفادة من التعاطف العربي والدولي مع لبنان، الذي تمكن من طرد الإرهاب، من دون تفاوض أو تقاعس أو تنسيق مع أية جهة.
وإذا كان صدى المواقف، لم يقتصر على التقييم اللبناني، بل شمل بعض الدول المعنية بالحرب على الإرهاب، فإن تداعيات حرب الجرود، ستشغل الدوائر المعنية عربياً ودولياً.
وفيما اعرب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عن رفضه للاتفاق الذي تمّ التوصّل إليه بين «حزب الله» و«داعش» بشأن نقل مسلحي هذا التنظيم الارهابي من لبنان إلى الحدود السورية – العراقية، كانت كتلة المستقبل النيابية تتحدث عن موقف مخادع لحزب الله، قوامه ان «ما يهم هو نفسه ومصالح إيران ومصالح النظام السوري لا مصالح الشعب اللبناني».
وأشارت الكتلة ان الحزب «يخشى من تعزيز قوة الجيش اللبناني، ومن قوة الدولة اللبنانية التي يريدها ان تبقى ضعيفة».
وفي هذه المعطيات، وفيما الرئيس سعد الحريري يحضّر ملفاته للمحادثات مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ونظيره الفرنسي ووزراء بارزين في الحكومة فضلاً عن لقاء رئيس الجمعية الوطنية، تتناول دعم الجيش ودعم لبنان اقتصادياً، ومسألة النازحين، لاحظت مصادر مطلعة ان من الخطورة بمكان إدخال ملف العسكريين، الذين أصبحوا في عداد الشهداء، بانتظار فحوصات الحمض النووي DNA.
ورأت هذه المصادر ان إعادة نكء جراح ما حصل في آب 2014، وتوزيع التهم تارة باتجاه قائد الجيش آنذاك العماد جان قهوجي، أو باتجاه الرئيس تمام سلام، الذي كان يحاول ملء الفراغ الرئاسي الذي تسبب به فريق 8 آذار، لا يخدم قلب صفحة الإرهاب، والتوجه إلى ملفات معالجة قضية النازحين، وملفات داخلية كإقرار الموازنة، واستكمال التعيينات والتشكيلات القضائية وغيرها من ملفات ضاغطة على الساحة، في ضوء معلومات تتحدث عن صعوبة انطلاقة سليمة للعام الدراسي في أيلول على خلفية سلسلة الرتب والرواتب، وما يتردد عن زيادات على الأقساط أو عدم مساواة معلمي المدارس الخاصة بزملائهم في القطاع التعليمي الرسمي، فضلاً عن استعداد أساتذة الجامعة اللبنانية لعدم بدء العام الجامعي لجهة الاحتفاظ بصندوق التعاضد وإعطاء غلاء معيشة لأساتذة الجامعة اسوة بسائر موظفي القطاع العام.
دوام الجمعة
وفي سياق متصل، وبعد إلغاء الاجتماع الذي كان مقرراً في دار الفتوى اليوم، لأسباب أمنية، أثمرت الاتصالات بين الرئيس الحريري ورئيس كتلة «المستقبل» النيابية فؤاد السنيورة مع فاعليات روحية واجتماعية عن تبنّي الكتلة لتعديل دوام عطلة يوم الجمعة، والاعتراض على التعطيل يومَيْ السبت والأحد، عبر اقتراح قانون معجّل مكرّر قدّمه عضو الكتلة النائب عمار حوري، لإعادة النظر بقانون سلسلة الرتب والرواتب الذي وقّعه الرئيس ميشال عون.
وتقدم النائب حوري باقتراح بناءً على طلب الرئيس الحريري يرمي الى عدم إقرار العطلة الكاملة يوم الجمعة وفق قانون السلسلة، ولكن مع فارق تمديد دوام العمل خلال الأسبوع 15 دقيقة، وتقصير فترة الدوام يوم الجمعة إلى الساعة الحادية عشرة.
تضامن مع سلام
وفي تقدير مصادر سياسية، ان معظم القوى السياسية وقعت في فخ الانزلاق إلى سجالات عقيمة حول مرحلة شاركت فيها كلها في حكومة الرئيس تمام سلام (باستثناء القوات اللبنانية)، لتبرير مواقفها وتبرئة نفسها من وقائع ما حصل في آب من العام 2014، معتبرة ان استخدام ملف العسكريين المخطوفين الذين باتوا شهداء، بحسب ما جزم المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، لأغراض سياسية تتعدّى حدود الوطن جريمة تكاد تفوق بشاعتها جرائم تنظيم «داعش» وارتكاباته في حق العسكريين الشهداء.
على ان اللافت في السجالات التي اندلعت بين هذه القوى، والتصويب على حكومة الرئيس سلام التي ادارت شؤون البلاد في زمن الفراغ الرئاسي، والتي تتحمل مسؤوليته جهات عديدة معروفة، خروج الرئيس سعد الحريري عن صمته، واضعاً النقاط على الحروف، مدافعاً عن الرئيس سلام، مؤكداً عبر «تويتر»: «تمام سلام أعلى من ان تصيبه سهام المتحاملين، كنا إلى جانبه وسنبقى.. ولحد هون وبس»، ثم عاد وغرد قائلاً: «لا أتذكر ان المتحاملين على تمام بك سلام اليوم انسحبوا من حكومته يومها احتجاجاً على ما يزعمونه الآن».
ومن جهته، اعتبر الرئيس نجيب ميقاتي ان الحملة على الرئيس سلام غير مبررة، لأنه استطاع بحكمته تمرير مرحلة كانت من اصعب المراحل في ظل الانقسامات والرهانات التي لم تنته بعد».
وغرد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط عبر «تويتر» قائلاً: «كفى لعبا بعواطف الأهالي ومزايدة. في الحرب كل جندي معرض للاستشهاد أو الأسر. اما تحميل الرئيس تمام سلام المسؤولية فهذا معيب».
والخطير في ظل هذه التداعيات لانتصار الجرود، هي المعلومات التي تناقلتها أوساط في فريق 8 ا آذار، عن ان الرئيس ميشال عون يحضر لمحاكمة قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي، بتهمة التواطؤ في معركة عرسال والتقصير في حماية العسكريين واسترجاعهم.
وقالت هذه الأوساط ان الرئيس عون سوف يكلف فريقا قضائيا وامنيا وسياسيا تحضير لائحة بالمتورطين والمسهلين لإيقاف المعركة وعدم استرجاع العسكريين، ووردت في هذه اللائحة أسماء رؤساء حكومات سابقين، ونواب ووزراء، وشخصيات أخرى سياسية ومدنية.
كتلة المستقبل
اسفت كتلة «المستقبل» لبعض المواقف التي صدرت عن البعض، من دون ان تسمي أصحابها، معتبرة ان الهدف منها كان حرف الأنظار عن المعاني الحقيقية للنصر الذي حققه الجيش، والتغضية على السماح بفرار القتلة المجرمين، مشددة إلى ان اللحظة التي يعيشها لبنان هي لحظة وطنية مهمة يندمج فيها الفرح بتحرير الأرض مع الحزن على خسارة الشهداء الابرار، لكن المؤسف ان هذا البعض يحوّل سمو هذه اللحظة إلى ما يدعو إلى الفرقة والانقسام بدل الوحدة والتقارب، تماماً كما جرى تضييع تلك اللحظة الوطنية التي كانت في نهاية عدوان تموز 2006، حيث نصب هذا البعض أنفسهم ديانين يطلقون احكام التخوين، لا لشيء الا لأن الآخرين لا يوافقونهم الرأي على ما يقومون به.
غير أن الكتلة التي اجتمعت أمس برئاسة الرئيس السنيورة ووقفت اجلالاً لشهداء الجيش اللبناني، وصفت الموقف الذي اعتمده «حزب الله» تجاه الفصل الأخير من المواجهة التي خاضها ببطولة ومهنية عالية الجيش ضد التنظيم الارهابي «داعش» في جرود القاع ورأس بعلبك «بالمخادع». وقالت أن الحزب حاول، عبر حديث أمينه العام جر الدولة إلى تنسبق علني مع النظام السوري، فيما يقوم الحزب والنظام السوري بالتفاوض مع «داعش» على جثامين شهداء الجيش، على هامش مفاوضاتهم لاسترجاع اسراهم وجثامين قتلاهم، ومن هؤلاء جثمان الأسير التابع للحرس الثوري الإيراني.
واعتبرت أن الحزب في ذلك عقد مع «داعش» صفقة تبادل جثث مقاتليه في مقابل ضمان حرية عناصر «داعش» ومغادرتهم التي ضمنها مع النظام السوري والذي يبدو انه يتشارك مع «حزب الله» و«داعش» في الكثير من الأمور، علماً ان الحزب كان يعترض بشدة في السابق على اي نوع من أنواع التفاوض لاطلاق العسكريين اللبنانيين في العام 2014.
«تكتل التغيير والاصلاح»
اما تكتل «التغيير والاصلاح» فقد وقع رئيسه الوزير جبران باسيل في تناقض مُريب، بين دعوته إلى المحافظة على وهج الانتصار الذي تحقق في الجرود والاحتفال به كنصر لكل لبنان وكل اللبنانيين، وبين نبش ملفات ما حصل في آب من العام 2014، عند خطف العسكريين الشهداء، مذكراً بوقائع جلسات مجلس الوزراء عندما طالب بعدم التمديد لقائد الجيش وتعيين قائد جديد للجيش يتحمل المسؤولية، ومساءلة وزير الدفاع في حينه لماذا لا يقوم بواجباته، والدفاع عن «حزب الله» من تهمة البعض له بتهريب الارهابيين حتى لا يقعوا في قبضة السلطات اللبنانية وكشف أسرار تركيبتهم، داعياً للاستفادة مما حصل للانطلاق الى حسم قضيتين وطنيتين، من وجهة نظره، وهما: رفض بقاء بؤر إرهابية في مخيمات اللاجئين او في تجمعات النازحين، ومعالجة الوضع في عين الحلوة، والثانية، عودة النازحين السوريين الى بلادهم، بعد الاستعداد لمقاربة مرحلة جديدة في سوريا والمنطقة خاتماً بإعلان المشاركة في الحداد الرسمي عند إعلانه، وكذلك دعوة «التيار الوطني الحر» للمشاركة في احتفال النصر في البقاع، ودعوة «حزب الله» للمشاركة في الاحتفال الذي ستقيمه الدولة.
وأوضحت مصادر تكتل التغيير والإصلاح لـ«اللواء» أن الاتجاه العام الذي ساد الاجتماع الذي عقده التكتل أمس هو عدم التفريط في التحقيق المتعلق بالعسكريين المخطوفين وعدم القضاء على التفاهم السياسي القائم واطلاق الاتهام من دون مستند.
وأفادت المصادر أن التكتل ذكر بما كان يقوله رئيس الجمهورية العماد ميشال عون دائماً لجهة معالجة الأمر بالقانون وليس بواسطة التشهير.
ولفتت إلى أن توضيحات وتفسيرات يفترض بها أن تتبلور عند اجراء التحقيق على ان معطيات ستتكشف في التحقيق مبدياً تأييدها لموضوع تحديد المسؤوليات.
وقالت ان وزير العدل سليم جريصاتي لم يضع التكتل في أجواء الملف القضائي الذي تردّد انه يعمل على اعداده في هذا الملف، ورأت أن خطوة كهذه يفترض أن تبحث مع رئيس الجمهورية.
إلى ذلك، أعادت مصادر رئاسة الجمهورية التأكيد لـ«اللواء» أن الرئيس عون لن يعلن أي موقف قبل صدور نتائج الحمض النووي للعسكريين المخطوفين.
الجيش على الحدود
في هذا الوقت، بدأ الجيش اللبناني عملية انتشار عند معبر مرطبيا وحليمة قارة، ورفع العلم اللبناني فوق تلة القريص على الحدود اللبنانية – السورية، بالتزامن مع تسلمه المواقع المحررة من حزب الله، في حين يتواجد الجيش السوري و«حزب الله» عند النقطة صفر على الحدود، بعد انسحاب ارهابيي «داعش» من جرود رأس بعلبك والقاع والفاكهة وانضموا الى القوافل المغادرة إلى العمق السوري، تنفيذاً لاتفاق وقف النار بين الحزب و«داعش».
وأفادت آخر المعلومات عن عملية التبادل التي جرت في منطقة قريبة من دير الزور أن «داعش» أطلق الأسير أحمد منير معتوق الذي انتقل إلى دمشق، بالإضافة إلى تسليم جثتين لشهيدين من الحزب قضيا في البادية السورية، إضافة إلى رفات عنصر من الحرس الثوري الايراني اعدمه الارهابيون في وقت سابق.
جثمان مدلج
إلى ذلك، وفي انتظار صدور نتائج فحوصات الحمض النووي لتحديد هوية الجثث الثماني الموجودة في المستشفى العسكري، والتي أكّد اللواء إبراهيم أن الرفات تعود للعسكريين، وأن النتيجة العلمية ستقطع الشك باليقين ستصدر قبل نهاية الأسبوع، واصل الجيش وعناصر من الأمن العام لليوم الثاني على التوالي عمليات البحث في الجرود منذ الفجر عن جثمان الشهيد عباس مدلج الذي اعدمه تنظيم داعش، استناداً لمعلومات موقوفين في سجن رومية، حيث تم بعد الظهر الاعلان عن العثور على رفات في محلة الرهوة في جرود عرسال، وهي المنطقة التي قال تنظيم «داعش» انه دفن مدلج فيها، ونقلت الرفات إلى المستشفى العسكري لاجراء فحوصات DNA للتأكد ما إذا كانت عائدة لمدلج أو لشخص آخر.
الاخبار :
حجبت معركة الجرود والكشف عن مصير العسكريين اللبنانيين الضوء عن ملفّ الانتخابات الفرعية والكباش الذي كان دائراً حولها. ما لم يكن خافياً، أن تطيير الانتخابات كان مطلباً رئيساً للرئيس سعد الحريري، الذي لا يريد أن تنكشف ساحته الشمالية منذ الآن، خصوصاً في مدينة طرابلس.
وبينما كان الرئيس ميشال عون مصرّاً على إجراء الانتخابات الفرعية مراعاةً للاستحقاق الدستوري ولتثبيت العميد المتقاعد شامل روكز على مقعده الكسرواني باكراً، بدا أن الحريري نجح في إقناعه بغض الطرف عن هذا الاستحقاق. ولعون أسبابه أيضاً؛ فمن جهة لا يريد رئيس الجمهورية أن يكسر الجرّة مع الحريري في ظلّ التراجع الكبير الذي يصيب الأخير، داخل تيّاره وعلى المستوى السياسي بشكلٍ عام. ومن جهة ثانية، لم يحن بعد موعد كشف الثغر في التحالف العوني ـــ القواتي، فضلاً عن أن هناك مراكز قوى داخل التيار لا تريد لروكز أن يكون نائباً «مضموناً» قبل الانتخابات النيابية المقبلة... المتعثّرة أيضاً!
بالنسبة إلى الرئيس نبيه برّي، الانتخابات الفرعية «استحقاق دستوري يجب إجراؤه، ولا حجّة للقفز فوقه». وهو قد وصلت إلى أسماعه الصعوبات التي تواجه عمل اللجان الوزارية والتقنية المعنيّة بالانتخابات النيابية المقبلة، ولديه موقفه القاسي من الأمر أيضاً، كما يقول لـ«الأخبار».
وإذا كان مصير الانتخابات الفرعية بات محتوماً، على رغم تصريحات وزير الداخلية نهاد المشنوق (غير المقرونة بالنيّة طبعاً) حول جاهزية الوزارة لإجرائها في أقرب وقت، إلّا أن منسوب القلق على مصير الانتخابات النيابية نفسها ارتفع في الأيام الماضية، خصوصاً بعد الأجواء السلبية التي تحيط بنتائج اللقاءات القليلة للجان الوزارية والتقنية. فحتى الآن، وعلى ضخامة الورشة المفترضة لإجراء الانتخابات النيابية المقبلة، لم تجتمع اللجنة سوى مرّتين، كذلك عقدت اللجنة التقنية اجتماعين أيضاً، كان آخرهما قبل يومين. وفي الاجتماعات الأربعة، ظهر حجم التباين بين القوى السياسيّة بفعل صعوبات تقنيّة كبيرة تهدّد بصعوبة الاتفاق قبل المهل الدستورية، وتهدّد، بالتالي، بنسف الانتخابات من أساسها.
فبعدما جرى القفز فوق فكرة ربط 7000 مقرّ انتخابي بمقرّ مركزي لصعوبات تقنية كبيرة، تنقسم الآراء أيضاً داخل اللجان حول الغاية المرجوّة من البطاقة الممغنطة، فيما يشير وزير الداخلية إلى أن هامش الوقت يضيق، وفي حال لم يحسم الأمر سريعاً، فقد لا تتمكن الوزارة من إعداد البطاقات في الوقت