كأن المأساة التي أصابت لبنان وأهالي العسكريين، الذين كان اختطفهم تنظيم «داعش» بعد الإعلان عن ان الجنود باتوا بحكم الشهداء، لا تكفي عشية عيد الأضحى المبارك، والاجواء العابقة بـ«طعم» طرد الإرهاب من الجرود اللبنانية الشرقية، حتى وضعت تقييمات واجندات من فريق 8 آذار، من شأنها ان تسمّم النتائج، التي لا يختلف إثنان انها من شأن الابتعاد عن استثماراتها السياسية ان يوحّد الرؤى الوطنية لمتابعة تحديات، من الأمن والاقتصاد وإنجاز الموازنة، والاستفادة من التعاطف العربي والدولي مع لبنان، الذي تمكن من طرد الإرهاب، من دون تفاوض أو تقاعس أو تنسيق مع أية جهة.
وإذا كان صدى المواقف، لم يقتصر على التقييم اللبناني، بل شمل بعض الدول المعنية بالحرب على الإرهاب، فإن تداعيات حرب الجرود، ستشغل الدوائر المعنية عربياً ودولياً.
وفيما اعرب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عن رفضه للاتفاق الذي تمّ التوصّل إليه بين «حزب الله» و«داعش» بشأن نقل مسلحي هذا التنظيم الارهابي من لبنان إلى الحدود السورية – العراقية، كانت كتلة المستقبل النيابية تتحدث عن موقف مخادع لحزب الله، قوامه ان «ما يهم هو نفسه ومصالح إيران ومصالح النظام السوري لا مصالح الشعب اللبناني».
وأشارت الكتلة ان الحزب «يخشى من تعزيز قوة الجيش اللبناني، ومن قوة الدولة اللبنانية التي يريدها ان تبقى ضعيفة».
وفي هذه المعطيات، وفيما الرئيس سعد الحريري يحضّر ملفاته للمحادثات مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ونظيره الفرنسي ووزراء بارزين في الحكومة فضلاً عن لقاء رئيس الجمعية الوطنية، تتناول دعم الجيش ودعم لبنان اقتصادياً، ومسألة النازحين، لاحظت مصادر مطلعة ان من الخطورة بمكان إدخال ملف العسكريين، الذين أصبحوا في عداد الشهداء، بانتظار فحوصات الحمض النووي DNA.
ورأت هذه المصادر ان إعادة نكء جراح ما حصل في آب 2014، وتوزيع التهم تارة باتجاه قائد الجيش آنذاك العماد جان قهوجي، أو باتجاه الرئيس تمام سلام، الذي كان يحاول ملء الفراغ الرئاسي الذي تسبب به فريق 8 آذار، لا يخدم قلب صفحة الإرهاب، والتوجه إلى ملفات معالجة قضية النازحين، وملفات داخلية كإقرار الموازنة، واستكمال التعيينات والتشكيلات القضائية وغيرها من ملفات ضاغطة على الساحة، في ضوء معلومات تتحدث عن صعوبة انطلاقة سليمة للعام الدراسي في أيلول على خلفية سلسلة الرتب والرواتب، وما يتردد عن زيادات على الأقساط أو عدم مساواة معلمي المدارس الخاصة بزملائهم في القطاع التعليمي الرسمي، فضلاً عن استعداد أساتذة الجامعة اللبنانية لعدم بدء العام الجامعي لجهة الاحتفاظ بصندوق التعاضد وإعطاء غلاء معيشة لأساتذة الجامعة اسوة بسائر موظفي القطاع العام.
دوام الجمعة
وفي سياق متصل، وبعد إلغاء الاجتماع الذي كان مقرراً في دار الفتوى اليوم، لأسباب أمنية، أثمرت الاتصالات بين الرئيس الحريري ورئيس كتلة «المستقبل» النيابية فؤاد السنيورة مع فاعليات روحية واجتماعية عن تبنّي الكتلة لتعديل دوام عطلة يوم الجمعة، والاعتراض على التعطيل يومَيْ السبت والأحد، عبر اقتراح قانون معجّل مكرّر قدّمه عضو الكتلة النائب عمار حوري، لإعادة النظر بقانون سلسلة الرتب والرواتب الذي وقّعه الرئيس ميشال عون.
وتقدم النائب حوري باقتراح بناءً على طلب الرئيس الحريري يرمي الى عدم إقرار العطلة الكاملة يوم الجمعة وفق قانون السلسلة، ولكن مع فارق تمديد دوام العمل خلال الأسبوع 15 دقيقة، وتقصير فترة الدوام يوم الجمعة إلى الساعة الحادية عشرة.
تضامن مع سلام
وفي تقدير مصادر سياسية، ان معظم القوى السياسية وقعت في فخ الانزلاق إلى سجالات عقيمة حول مرحلة شاركت فيها كلها في حكومة الرئيس تمام سلام (باستثناء القوات اللبنانية)، لتبرير مواقفها وتبرئة نفسها من وقائع ما حصل في آب من العام 2014، معتبرة ان استخدام ملف العسكريين المخطوفين الذين باتوا شهداء، بحسب ما جزم المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، لأغراض سياسية تتعدّى حدود الوطن جريمة تكاد تفوق بشاعتها جرائم تنظيم «داعش» وارتكاباته في حق العسكريين الشهداء.
على ان اللافت في السجالات التي اندلعت بين هذه القوى، والتصويب على حكومة الرئيس سلام التي ادارت شؤون البلاد في زمن الفراغ الرئاسي، والتي تتحمل مسؤوليته جهات عديدة معروفة، خروج الرئيس سعد الحريري عن صمته، واضعاً النقاط على الحروف، مدافعاً عن الرئيس سلام، مؤكداً عبر «تويتر»: «تمام سلام أعلى من ان تصيبه سهام المتحاملين، كنا إلى جانبه وسنبقى.. ولحد هون وبس»، ثم عاد وغرد قائلاً: «لا أتذكر ان المتحاملين على تمام بك سلام اليوم انسحبوا من حكومته يومها احتجاجاً على ما يزعمونه الآن».
ومن جهته، اعتبر الرئيس نجيب ميقاتي ان الحملة على الرئيس سلام غير مبررة، لأنه استطاع بحكمته تمرير مرحلة كانت من اصعب المراحل في ظل الانقسامات والرهانات التي لم تنته بعد».
وغرد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط عبر «تويتر» قائلاً: «كفى لعبا بعواطف الأهالي ومزايدة. في الحرب كل جندي معرض للاستشهاد أو الأسر. اما تحميل الرئيس تمام سلام المسؤولية فهذا معيب».
والخطير في ظل هذه التداعيات لانتصار الجرود، هي المعلومات التي تناقلتها أوساط في فريق 8 ا آذار، عن ان الرئيس ميشال عون يحضر لمحاكمة قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي، بتهمة التواطؤ في معركة عرسال والتقصير في حماية العسكريين واسترجاعهم.
وقالت هذه الأوساط ان الرئيس عون سوف يكلف فريقا قضائيا وامنيا وسياسيا تحضير لائحة بالمتورطين والمسهلين لإيقاف المعركة وعدم استرجاع العسكريين، ووردت في هذه اللائحة أسماء رؤساء حكومات سابقين، ونواب ووزراء، وشخصيات أخرى سياسية ومدنية.
كتلة المستقبل
اسفت كتلة «المستقبل» لبعض المواقف التي صدرت عن البعض، من دون ان تسمي أصحابها، معتبرة ان الهدف منها كان حرف الأنظار عن المعاني الحقيقية للنصر الذي حققه الجيش، والتغضية على السماح بفرار القتلة المجرمين، مشددة إلى ان اللحظة التي يعيشها لبنان هي لحظة وطنية مهمة يندمج فيها الفرح بتحرير الأرض مع الحزن على خسارة الشهداء الابرار، لكن المؤسف ان هذا البعض يحوّل سمو هذه اللحظة إلى ما يدعو إلى الفرقة والانقسام بدل الوحدة والتقارب، تماماً كما جرى تضييع تلك اللحظة الوطنية التي كانت في نهاية عدوان تموز 2006، حيث نصب هذا البعض أنفسهم ديانين يطلقون احكام التخوين، لا لشيء الا لأن الآخرين لا يوافقونهم الرأي على ما يقومون به.
غير أن الكتلة التي اجتمعت أمس برئاسة الرئيس السنيورة ووقفت اجلالاً لشهداء الجيش اللبناني، وصفت الموقف الذي اعتمده «حزب الله» تجاه الفصل الأخير من المواجهة التي خاضها ببطولة ومهنية عالية الجيش ضد التنظيم الارهابي «داعش» في جرود القاع ورأس بعلبك «بالمخادع». وقالت أن الحزب حاول، عبر حديث أمينه العام جر الدولة إلى تنسبق علني مع النظام السوري، فيما يقوم الحزب والنظام السوري بالتفاوض مع «داعش» على جثامين شهداء الجيش، على هامش مفاوضاتهم لاسترجاع اسراهم وجثامين قتلاهم، ومن هؤلاء جثمان الأسير التابع للحرس الثوري الإيراني.
واعتبرت أن الحزب في ذلك عقد مع «داعش» صفقة تبادل جثث مقاتليه في مقابل ضمان حرية عناصر «داعش» ومغادرتهم التي ضمنها مع النظام السوري والذي يبدو انه يتشارك مع «حزب الله» و«داعش» في الكثير من الأمور، علماً ان الحزب كان يعترض بشدة في السابق على اي نوع من أنواع التفاوض لاطلاق العسكريين اللبنانيين في العام 2014.
«تكتل التغيير والاصلاح»
اما تكتل «التغيير والاصلاح» فقد وقع رئيسه الوزير جبران باسيل في تناقض مُريب، بين دعوته إلى المحافظة على وهج الانتصار الذي تحقق في الجرود والاحتفال به كنصر لكل لبنان وكل اللبنانيين، وبين نبش ملفات ما حصل في آب من العام 2014، عند خطف العسكريين الشهداء، مذكراً بوقائع جلسات مجلس الوزراء عندما طالب بعدم التمديد لقائد الجيش وتعيين قائد جديد للجيش يتحمل المسؤولية، ومساءلة وزير الدفاع في حينه لماذا لا يقوم بواجباته، والدفاع عن «حزب الله» من تهمة البعض له بتهريب الارهابيين حتى لا يقعوا في قبضة السلطات اللبنانية وكشف أسرار تركيبتهم، داعياً للاستفادة مما حصل للانطلاق الى حسم قضيتين وطنيتين، من وجهة نظره، وهما: رفض بقاء بؤر إرهابية في مخيمات اللاجئين او في تجمعات النازحين، ومعالجة الوضع في عين الحلوة، والثانية، عودة النازحين السوريين الى بلادهم، بعد الاستعداد لمقاربة مرحلة جديدة في سوريا والمنطقة خاتماً بإعلان المشاركة في الحداد الرسمي عند إعلانه، وكذلك دعوة «التيار الوطني الحر» للمشاركة في احتفال النصر في البقاع، ودعوة «حزب الله» للمشاركة في الاحتفال الذي ستقيمه الدولة.
وأوضحت مصادر تكتل التغيير والإصلاح لـ«اللواء» أن الاتجاه العام الذي ساد الاجتماع الذي عقده التكتل أمس هو عدم التفريط في التحقيق المتعلق بالعسكريين المخطوفين وعدم القضاء على التفاهم السياسي القائم واطلاق الاتهام من دون مستند.
وأفادت المصادر أن التكتل ذكر بما كان يقوله رئيس الجمهورية العماد ميشال عون دائماً لجهة معالجة الأمر بالقانون وليس بواسطة التشهير.
ولفتت إلى أن توضيحات وتفسيرات يفترض بها أن تتبلور عند اجراء التحقيق على ان معطيات ستتكشف في التحقيق مبدياً تأييدها لموضوع تحديد المسؤوليات.
وقالت ان وزير العدل سليم جريصاتي لم يضع التكتل في أجواء الملف القضائي الذي تردّد انه يعمل على اعداده في هذا الملف، ورأت أن خطوة كهذه يفترض أن تبحث مع رئيس الجمهورية.
إلى ذلك، أعادت مصادر رئاسة الجمهورية التأكيد لـ«اللواء» أن الرئيس عون لن يعلن أي موقف قبل صدور نتائج الحمض النووي للعسكريين المخطوفين.
الجيش على الحدود
في هذا الوقت، بدأ الجيش اللبناني عملية انتشار عند معبر مرطبيا وحليمة قارة، ورفع العلم اللبناني فوق تلة القريص على الحدود اللبنانية – السورية، بالتزامن مع تسلمه المواقع المحررة من حزب الله، في حين يتواجد الجيش السوري و«حزب الله» عند النقطة صفر على الحدود، بعد انسحاب ارهابيي «داعش» من جرود رأس بعلبك والقاع والفاكهة وانضموا الى القوافل المغادرة إلى العمق السوري، تنفيذاً لاتفاق وقف النار بين الحزب و«داعش».
وأفادت آخر المعلومات عن عملية التبادل التي جرت في منطقة قريبة من دير الزور أن «داعش» أطلق الأسير أحمد منير معتوق الذي انتقل إلى دمشق، بالإضافة إلى تسليم جثتين لشهيدين من الحزب قضيا في البادية السورية، إضافة إلى رفات عنصر من الحرس الثوري الايراني اعدمه الارهابيون في وقت سابق.
جثمان مدلج
إلى ذلك، وفي انتظار صدور نتائج فحوصات الحمض النووي لتحديد هوية الجثث الثماني الموجودة في المستشفى العسكري، والتي أكّد اللواء إبراهيم أن الرفات تعود للعسكريين، وأن النتيجة العلمية ستقطع الشك باليقين ستصدر قبل نهاية الأسبوع، واصل الجيش وعناصر من الأمن العام لليوم الثاني على التوالي عمليات البحث في الجرود منذ الفجر عن جثمان الشهيد عباس مدلج الذي اعدمه تنظيم داعش، استناداً لمعلومات موقوفين في سجن رومية، حيث تم بعد الظهر الاعلان عن العثور على رفات في محلة الرهوة في جرود عرسال، وهي المنطقة التي قال تنظيم «داعش» انه دفن مدلج فيها، ونقلت الرفات إلى المستشفى العسكري لاجراء فحوصات DNA للتأكد ما إذا كانت عائدة لمدلج أو لشخص آخر.