مشهد الحدود اللبنانية - السورية كان ناصعاً، ونقياً امس، بعد دحر الارهابيين عن كامل الحدود بفضل دماء شهداء الجيش اللبناني والجيش السوري والمقاومة.
مشهد الحدود كان مختلفاً جذرياً عن المشهد الداخلي والحرتقات، وتقاذف المسؤوليات عما آل اليه مصير العسكريين المخطوفين، ومحاولة البعض تضييع النصر وأخذه الى متاهات الزواريب الداخلية.
مشهد الجرود امس، جسد انتصار لبنان وسوريا والمقاومة، وترجم بانتشار الجيش اللبناني على معبر مرطبيا، وحليمة قارة الاستراتيجية التي يبلغ ارتفاعها 2654 متراً لأول مرة منذ سنوات، فيما ثبت الجيش السوري مواقعه في الجانب السوري من شعبة مرطبيا وحليمة قارة، اما المقاومة فسلمت مواقعها للجيش اللبناني باحتفال تم فيه عزف النشيدين الوطني اللبناني والعربي السوري ونشيد المقاومة.
وفي المعلومات، ان الانتشار المشترك على الحدود وفي نقاط متقاربة، استدعى لقاءات بين ضباط من الجيشين اللبناني والسوري والمقاومة، وجولة على خطوط الانتشار وتحديدها ومواقع «داعش» واستطلاع طبيعة المنطقة عن كثب. كما تم تبادل التهاني بالانتصار مع محطات «خبز وملح» وتقييم شامل للعملية العسكرية والانجازات السريعة، وضرورة المراقبة الدائمة واليقظة، ومنع التهريب وإصلاح بعض الطرقات، وهذا  ما يستدعي لقاءات دورية على الارض.
وبعيدا عن اصرار البعض على نفي اي تنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري وحزب الله، فإن الوقائع الميدانية على الارض كانت متغايرة حتى ان المراسلين نقلوا مشاهدات عن مستوى التنسيق الميداني، مما سمح بالانتصار السريع. وقد حمى الجيش السوري ومجاهدو المقاومة ظهر الجيش اللبناني اثناء تقدمه، وبالمقابل حمى الجيش اللبناني ظهر الجيش السوري والمقاومة في العديد من المواجهات المباشرة، حتى ان الجيش السوري ومجاهدي المقاومة ضربوا بشكل مباشر عدة دراجات لمسلحي «داعش» قبل تفجيرها من قبل انتحاريين بجنود الجيش اللبناني، واحد الانتحاريين من جوار عين الحلوة، حتى ان المراسلين كشفوا ان التقدم في بعض النقاط كان مشتركا، والقصف الصاروخي كان دقيقاً جداً، وعناصر المقاومة أدوا دوراً محورياً في التقارب والتنسيق و«لمّ الشمل» في كل المجالات، وتحديداً لجهة نقل الشهداء والجرحى. وستكشف الأيام المقبلة المزيد من الوقائع الميدانية وما جرى على الارض.
وتؤكد مصادر متابعة «ان لبنان طرد الارهابيين بمختلف مشاربهم وانتماءاتهم وهذا هو الاساس. اما حملات البعض فتهدف الى طمس ما تحقق لأنه مؤلم للقوى العربية والغربية التي وقفت الى جانب المسلحين، وانتصار الجرود تلاقى مع انتصارات الجيش السوري والمقاومة في كل سوريا، وانتصارات الجيش العراقي في تلعفر، وهذا المشهد الميداني الجديد بدأت تتعامل معه كل الدول من الاردن الى مصر حتى السعودية بشكل «خجول» الى كل الدول الاوروبية وصولا الى واشنطن. ورؤساء مخابرات هذه الدول يقفون «بالصف» على ابواب المسؤولين السوريين «طالبين القرب». وقد ساعد التعاون الامني السوري بإحباط عمليات كبيرة في اوروبا، وحتى ان رئيس المخابرات المركزية الأميركية «تواضع» واتصل بأحد المسؤولين الامنيين السوريين طالباً معلومات عن صحافي أميركي اختفى في سوريا، كما ان وزير خارجية مصر سامح شكري كشف عن اتصالات رسمية مع الحكومة السورية، واجتماعات الضباط الاردنيين والسوريين أكبر شاهد لهذه المتغيرات.
وتدعو هذه المصادر الاطراف اللبنانية الى قراءة للمستجدات والمتغيرات الكبيرة، واستعداد سوريا لمساعدة لبنان في الكهرباء وتصدير المزروعات اللبنانية (التفاح) عبر معبري «التنف» و«النصيب». وتؤكد هذه المصادر ان «العلاقة السورية - اللبنانية الجديدة ستكون مختلفة جذريا عن العلافات السابقة، وسوريا لن تعود كما كانت قبل 2011 والرئيس عون والسيد حسن نصرالله متفقان مع الرئيس الأسد على علاقة جديدة بين دولتين ومن «الند الى الند».
وتكشف المصادر ان الرئيس الاسد ابلغ قيادات لبنانية حليفة ان «الملف اللبناني بيد السيد حسن نصرالله وما يقرره موافقون عليه» حتى ان زيارة وزيري امل وحزب الله كانت رسمية الى وزراء سوريين ومن دولة الى دولة، وهذه اشارة لافتة الى مسار العلاقات بين الدولتين مستقبلاً.
 

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 الفساد يبقى الخطر الاكبر


بعد طرد الارهابيين وتحرير الارض، يبقى الخطر الاكبر على قيام الدولة «الفساد» الذي يهدد كل الانجازات ويوازي الخطر الارهابي. فالجيش والمقاومة حررا لبنان وطردا اسرائيل والارهابيين، لكن السؤال الاساس: مَن يحرر لبنان من الفساد؟
وفي المعلومات ان وزير خارجية سريلانكا عندما زار لبنان مؤخراً، وشرح للمسؤولين الاوضاع في بلاده والتقدم السريع، ابدى استغرابه لانقطاع الكهرباء والمستوى الخدماتي. وابلغ المسؤولين ان الكهرباء في سريلانكا مؤمنة 24 على 24، وشرح لهم ايضا تطور شبكة الطرقات والاتصالات والنهضة العمرانية، رغم ان مساحة سريلانكا توازي اضعاف مساحة لبنان، وتفاجأ المسؤولون اللبنانيون بما سمعوه.
وفي المعلومات ان لبنان بات في المراتب ما قبل الاخيرة لجهة الفساد حسب التقارير الدولية، هذا بالاضافة الى اوضاعه المزرية. والرئيس ميشال عون وضع مجلس الوزراء في جلسته ما قبل الاخيرة بحقائق مذهلة عن الدين الذي وصل الى 110 الاف مليار دولار، ورغم ذلك لا طرقات ولا اتصالات ولا كهرباء ولا مياه ولا مشاريع ولا سدود، فأين ذهبت هذه الاموال؟ وهل يعقل ان بلداً في العالم يدفع اكثر من 5 مليارات دولار فائدة الدين ولا يحرك ساكناً لمعالجة المشكلة؟ هل يعقل ان بلداً يدفع 3 مليار دولار سنوياً على الكهرباء ولا كهربا؟ هل يعقل ان المواطن يدفع فاتورتين في كل ما يحتاج اليه ولا يتحرك؟ هل يعقل ان ندفع اموالاً للمهجرين منذ 35 سنة ولا احد يعرف منتى سينتهي هذا الملف؟ هل يعقل ان تبقى «مجالس» مفتوحة ومثقوبة على الهدر ولا أحد يحاسب؟ هل يعقل ان ندفع ملايين الدولارات على موظفين لسكك الحديد وغير موجودة منذ العام 1961؟ هل يعقل ان ندفع تعويضات لمتقاعدين وعائلاتهم منذ ما قبل الاستقلال؟ هل يعقل ان ندفع مئات المليارات على مهرجانات تدر على اصحابها ملايين الدولارات؟ هل يعقل ان ندفع 300 مليون ليرة سنوياً مساعدات للنواب من اجل مشاريع لا احد يعرف كيف تنفذ؟ هل يعقل ان ملف الاشغال تتعاطى فيه اكثر من 20 جهة، وكلها تلزيمات بالتراضي وصفقات وعقود؟ هل يعقل ان ازمة النفايات ستعود بعد أشهر، بعد ان جنى كبار القوم مليارات الدولارت وووصفها احدهم «ببرميل نفط»؟ هل يعقل ان الدولة تعطي استيراد النفط لشركات تجني ملايين الدولارات فيما هي قادرة على هذه المهمة؟ هذا بالاضافة الى ان المواطن «يموت» قبل الحصول على معاملة وبكلفة عالية؟
هناك مئات الاسئلة عن فساد هذه الدولة مع وعود كثيرة عن اصلاحات ادارية وتطبيق اللامركزية وكلها وعود، وتبقى الطامة الكبرى «عجقة السير» وهي من عمر الاستقلال، ولن تجد طريقها للحل. وماذا ايضاً عن الوفود الخارجية والاموال الطائلة إذ بلغت تكاليف اخر رحلة الى نيويورك 650 الف دولار «والخير لقدام» الى الامن الغذائي والفضائح في ملفات النازحين السوريين، وهذا الملف اثير مع رئيس الحكومة في زياراته الاخيرة.
والمشكلة الكبرى تبقى في هجرة الشباب بعد ان سدت فرص العمل امامهم، وطالما «بقي» الزعيم او السياسي والنائب والوزير مدخلا للوظيفة، فأي اصلاح؟ وما هو دور مجلس الخدمة المدنية؟ وهيئات الرقابة؟ وحماية مصلحة المستهلك؟ والتفتيش المركزي والقضائي؟ اين واين واين؟ والمشكلة تبقى ايضاً في وجود عشرات الهيئات الضامنة لصحة المواطنين، والبعض يموت على ابواب المستشفيات مع فواتير خيالية؟ ووزير الصحة يدرك هذه المعضلة ويحاول معالجتها فعلياً؟ هذا بالاضافة الى المدارس المجانية ومتطلبات الوزارات، ودفاتر السوق الجديدة، وفحص الميكانيك، والسؤال الذي يبقى دون جواب، هناك قرار في مجلس الوزراء يمنع التوظيف والتعاقد فيما «العقود» بالوزارات يومية وعلى ابواب الانتخابات والرواتب مرتفعة، مضافا اليه التعاقد بالساعة وغيرها من البدع. السؤال ايضاً كيف يتحوّل المسؤولون بين ليلة وضحاها مع أبنائهم وعائلاتهم الى مالكين للثروات والقصور؟ وهذا ما يستدعي طرح شعار من أين لك هذا، وضرورة تطبيقه، علماً ان هذا القانون أُقر في لبنان وطبقه البعض فقط.
دولة بهذا المستوى من الفساد و«العهر السياسي» لا يحق لمسؤوليها وسياسييها ان يدخلوا انجاز الجرود بمتاهاتهم، لانه ستبقى بقعة ضوء في ليل سياسي مظلم حققه الجيش اللبناني ومجاهدو المقاومة فيما مآثر السياسيين معروفة ونتائج ما ورثوه لهذا البلد واضحة ومكشوفة، ولكن الامر المحير اين الناس من المحاسبة؟ ومَن يحرر لبنان من الفساد؟