أولاً: زمن السلطان...
يبدو أنّنا في الوداع الأخير للجمهورية اللبنانية، لتلحق بشقيقاتها العربية، فقد دخلنا ، والحمد للّه الذي لا يُحمد على مكروهٍ سواه، في عصر السُّلطان. وهذا العصر ربما يُطابق ويُلائم جماهير تعيش في القرن الواحد والعشرين، إنّما بعقلية القرون الوسطى، فالسلطان هو الذي يتسلّم زمام الأمور، ونظام الحقوق، وقوام الحدود، والقطب الذي عليه مدارُ الدين والدنيا، وهو حمى الله في بلاده وظلُّهُ الممدود على عباده، به يمتنع حريمُهم، وينتصر مظلومهم، وينقمع ظالمُهم، ويأمن خائفهم. السلطان يقوم مقام المؤسسات الغربية الوافدة.
ثانياً: وجوب طاعة السلطان...
من نعم الله التي لا تُحصى على اللبنانيين هذه الأيام، أنّ الله قيّض لكل طائفة منهم سلطاناً، وعلى الأكثر سلطانين (وهذا لا يمنع بروز سلطان أعظم، أو زعيم قوي، أو مرشد أعلى) وجبت طاعتُه، ذلك أنّ من حق الإمام على الرعية الطاعة الكاملة، كما قال زياد بن أبي سفيان لمّا قدم والياً على العراق لأخيه معاوية: أيها الناس، قد كانت بيني وبينكم إحن، فجعلت ذلك دبر أذُني وتحت قدمي، فمن كان مُحسناً فليزدد في إحسانه، ومن كان مُسيئاً فلينزع عن إساءته، إني لو علمت أنّ أحدكم قد قتله السّلُّ من بُغضي لم أكشف له قناعاً ولم أهتك له ستراً حتى يُبدي صفحته لي.
بالعودة إلى المخزون الثقافي ومنابع الأديان السماوية، جميعها تحُضُّ على طاعة أولي الأمر بقول الله تعالى؛( يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، وفي حديث رسول الله: من فارق الجماعة أو خلع يداً من طاعة مات ميتةً جاهلية. وعليه فإنّ لزوم الطاعة فرضٌ واجب وأمرٌ لازم.
ثالثا: وجوب سماع النّصيحة للسلطان...
أمّا وقد تربّع السلطان الأعظم على عرش السّلطنة الناشئة، لم يبق أمام الرعية سوى التّضرُّع للّه كي يسمع السلطان صوت الأبرياء والضعفاء الغافلين، وأن يفتح آذانه لسماع نداء النّصيحة ، هذا إذا وجدت لها مسلكاً وسط زحام المنتفعين وتجار المناصب والمنافع والمغانم، ذلك أنّ السلطان الذي أرخى بثقله على كواهلنا ، لا يقوم إلاّ بالعدل، وكما قالت الحكماء: المُلكُ أُسٌّ والعدل حارس، وقديما كان كما هو اليوم أنّ السلاطين يضيقون ذرعاً بالتذمر والاعتراض ، فقد سمع زياد رجلاً يسُبّ الزمان فقال: لو كان يدري ما الزمان لعاقبته، إنّما الزمان هو السلطان، لا بل إنّ السلطان قد يتذمّر ويشكو سوء فهم الرعية (خطاب السيد نصرالله بالامس)، وكان قبله الخليفة عبدالملك بن مروان قد قال شاكياً طالباً العون : أنصفونا يا معشر الرعية، تريدون منّا سيرة أبي بكر وعمر! ولا تسيرون فينا وفي أنفسكم بسيرة أبي بكر وعمر، نسأل الله أن يُعين كلّا على كل.
مهما كانت الحال اليوم، ارتضينا سلطانكم أو كابرنا في ذلك أو مانعنا، يبقى أنّ من الوصايا الخالدة والحكمة السائرة أنّه ينبغي أن تتوفّر في السلطان خصالٌ خمس: لا ينبغي أن يكون كذّاباً، فإنّه إذا كان كذّاباً فوعد خيراً لم يُرج، أو أوعد بشرٍّ لم يُخف، ولا ينبغي أن يكون بخيلاً، فإنّه إذا كان بخيلاً لم يُناصحه أحدٌ، ولا تصلح الولاية إلاّ بالمناصحة، ولا ينبغي أن يكون حديداً، فإنّه إذا كان حديداً مع القدرة هلكت الرعية، ولا ينبغي أن يكون حسوداً، فإنّه إذا كان حسوداً لم يُشرّف أحداً، ولا يصلُح الناس إلاّ على أشرافهم، ولا ينبغي أن يكون جباناً ،فإنّه إذا كان جباناً ضاعت ثغوره، واجترأ عليه عدوه.
في عزّ السلطان ، صاحب الأمر والنّهي، والحلّ والعقد، وأُفول نجم الجمهورية، نسأل الله ما سأله عبدالملك بن مروان أن يُعين كُلّا على كل.