شيءٌ من السواد يُدلي بظلاله على بلدة القلمون في شمال لبنان، أهالي البلدة، رجالاً ونساءً، يتوافدون إلى منزل عائلة المعاون الشهيد إبراهيم مغيط. الكلُّ مقبلٌ على مواساة الوالد المفجوع، وشقيقه نظام الذي يكرر القول: "كسرني الخبر".
هنا في القلمون، عاش الأهالي 3 سنواتٍ مريرة، على أمل أن يعود إبراهيم حيّاً. إنّه "شيخ شباب" البلدة، وجنديها البطل. لا قدرة لوالد إبراهيم على الحديث. يجلس صامتاً، ويحاول استيعاب فكرة أنّ ابنه من بين الأسرى الشهداء، وسيعود رفاتاً إلى بلدته بعد طول انتظار.
ليس إبراهيم شهيد الوطن فحسب. إنّه "شهيد الاهمال واللامبالاة والتآمر وتخاذل السياسيين والدولة"، يقول نظام لـ"المدن". فـ"منذ اللحظة الأولى لأسر الجنود، شعرنا بالتآمر على قضيتنا. من الرئيس تمام سلام إلى الرئيس سعد الحريري ووزير الداخلية نهاد المشنوق وباقي الوزراء والنواب. لم نلمس منهم جديّة وحزماً في حسم الملف. بل دخلنا في دوامة من المساومة والمغامرة بدماء جنودنا، الذين دفعوا الثمن وكانوا الحلقة الأضعف، رغم أنّهم أبناء المؤسسة العسكرية الشرعية وليسوا ميليشيات".
يصف نظام السنوات الثلاث بـ"القاسية والقاهرة". "الله لا يجرب حدا مثلنا". وعائلة نظام، كما باقي أهالي الشهداء، تسأل عن هيبة الدولة وكرامتها. فـ"كيف نستلم جثث أبنائنا متحللة، والمجرمون يعودون إلى سوريا في باصاتٍ مُكيّفة وهم يضحكون من دون أن نستعيد حقّنا في محاسبتهم؟ نشعر أن داعش هي من انتصرت علينا".
إبراهيم البالغ 33 عاماً، ترفض زوجته الحديث إلى أحد بعدما لجأت إلى أدوية الأعصاب. فبعدما أُسِر في 2 آب 2014، كانت حاملاً بطفلتها، وهي تعيش مع ابنيها البالغيّن 7 و8 سنوات، بانتظار والدهم الذي قالت لهم إنّه "مسافر" للعمل في الخارج، خوفاً من تأثرهم.
بعد عودة العسكريين الأسرى لدى جبهة النصرة "تعلّقنا ببصيص أمل". لكن، بعد هذه "المسرحية التي لم نفهم ألغازها، نستغرب أنّ من قبل التفاوض مع النصرة لتحرير العسكريين، رفض التفاوض مع داعش للهدف نفسه".
تنتظر عائلة إبراهيم، مع أهالي الشهداء الآخرين، نتائج فحوص DNA. لكن بعد صدور النتائج، يشير نظام إلى الإعداد لمؤتمرٍ صحافي سيكشف فيه الأهالي كثيراً من التفاصيل والمعلومات المخفيّة، "بدءاً من لحظة الأسر وكيف جرى اختطاف الجنود ومن أمن الطريق السالك للعملية، وصولاً إلى المتورطين والمتآمرين بالأسماء". فـ"القضية لن تنتهي هنا، ولن نسكت لسياسيين هم في الحقيقة صبيان سفارات".