انتصر الجيش اللبناني في معركة جرود عرسال. نقطة ع السطر. الباقي تفاصيل تكمن فيها الشياطين. حسم الجيش المعركة، بكلفة قليلة من الجنود (رغم أنّ كل جندي يستشهد أغلى من كل شيء). لم يكن بالضرورة مطلقاً، متابعة المعركة بالنار، طالما أنّه يمكن إنهاؤها بسرعة ومن دون الغرق في مستنقع المواجهات. متابعة المعركة وتمدّدها، يعني الدخول في برد الخريف، من لا يعرف ماذا يعني ذلك، ليحضر إلى عرسال ويمضي ليلة فيها في العراء، وليس مطلوباً منه الصعود إلى القمم. مثل هذه الحرب تلزمها استعدادات وتجهيزات ضخمة وسريعة. إضافة إلى حفر الغرف المحصّنة والمدفأة. لا داعي للدخول في التفاصيل، طالما أنّ الحسم وقع. لينظر المطالبون بمتابعة المعركة، إلى الأثمان الفادحة التي يدفعها العراقيون والسوريون، ومن ثمَّ يقرّرون ما العمل.
الإنجاز الكبير المضاف إلى النصر، أنّ القيادتين السياسية والعسكرية لم تدخلا في مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع النظام السوري «المتاجر» برعب «داعش».
السؤال الكبير، كيف ولماذا يأخذ هذا النظام «الدواعش» إلى دير الزور، بعد أن انتهت مهمّتهم كما قال الأسير «الداعشي» عند «حزب الله»؟
هل التوجّه إلى هذا المربّع الدامي هو لإنهاء ما تبقى من المعارضة المسلّحة غير «الداعشية»؟، بعد ذلك يتولى «النظام الأسدي» التفاهم مع «داعش» ولو بعد قتال لإنهاء «داعش»، ليرفع رصيده في الغرب، وبالتالي يصعّد ثمن تعاونه؟!
«داعش»، انتهت. ليس بالضرورة فوراً. المهم أنّها دخلت في حالة «موت مُعلن». الحسم قادم في العراق. ومن ثمَّ في سوريا. السؤال ماذا بعد ذلك؟
موت «داعش»، لا يعني أبداً موت «الداعشية». العالم كلّه سيستنزف من «ذئاب» الداعشية المنفلتة، والتي ستطوّر بلا شك أساليبها وأسلحتها، لتنشر أكثر فأكثر، إرهابها الأسوَد حتى يعثر العالم خصوصاً الغربي منه على خطة عمل تستند إلى برنامج واسع سياسي واقتصادي وثقافي. القادم من العنف الأسوَد أعظم. حل معتقل غوانتنامو فشل فهل سيتعلّم العالم من هذا الفشل؟. لا يمكن بناء عالم جديد في «البؤر الملتهبة» ومنها سوريا والعراق وليبيا وحتى أفغانستان، من دون معالجة الأساس.
من ذلك، ما معنى القضاء على «داعش» في الموصل وترك أهلها (ربما يزيدون على 300 ألف نسمة) في العراء وبلا أمل بالعودة إلى منازلهم؟
ما معنى القضاء على «داعش» في سوريا، وترك عشرة ملايين مهجّر ونازح، 99 في المئة منهم من السنّة، بلا أمل بالعودة الآمنة من غدر نظام يعتبر أنّ أهم إنجازاته بعد سقوط أكثر من نصف مليون قتيل نجاحه في «إقامة مجتمع متجانس»؟!.
في عمق هذا كلّه، أنّ العالم غير مستقرّ، وفي الواقع هو «عالم متقلّب» لا يمكن أن ينتج ثوابت سياسية واقتصادية طالما أنّه غير قادر هو نفسه على الثبات. لذلك وكما يبدو من كل مسارات الأزمات الدولية، الاستعداد هو للانخراط في أنصاف الحلول، التي بدورها تنتج استقراراً متقلّباً وعلاقات دولية غير مستقرة، خاضعة للمفاجآت. حتى الولايات المتحدة الأميركية، التي كانت تقرّر فتُسمع، تسعى في هذا «العالم المتقلب» إلى نصف حل مع كوريا الشمالية، بعيداً عن كل «عنتريّاتها» النووية.
أيضاً، لا تعرف واشنطن كيف تتعامل مع إيران «المتنمّرة» في مواجهتها، فلا هي قادرة على الحرب ولا هي تتحمّل التفاهم معها طالما لم تجد أرضية ثابتة للتعامل معها. أما إيران فإنها في هذه الأثناء تعمل على التمدد في التسلّح والجغرافيا، لتفاوض في ما بعد من موقع قوّة!
وعلى قاعدة أن تعرف ماذا تريد، فإنّ طهران، وإن كانت بحاجة لموسكو في سوريا عسكرياً، فإنها تعمل على تعميق تعاونها مع موسكو في أفغانستان حيث هي الأقوى لتأخذ منها في سوريا. إيران تشكّل جزءاً من «النسيج» الأفغاني حيث «الهزارة» الشيعة، ومن البنيان السياسي، بعد أن نجحت في تشكيل تحالف أفغاني من «حركة الوحدة» والجمعية الإسلامية (رباني) و«الحركة القومية» (الجنرال دوستم) إلى جانب ذلك علاقتها التاريخية مع قلب الدين حكمتيار وما يمثّله داخل «البشتون».
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يعمل بكل الطرق والوسائل، لتكون فرنسا «حاضرة» في العالم حتى ولو كان متقلّباً، للحصول على «مواقع» اتصال ونفوذ وذلك على أمل أن يفتح له ذلك طريقاً للمشاركة في عمليات إعادة الإعمار الواعدة بمئات المليارات لكل ما تهدّم خصوصاً في العراق وسوريا.
حان الوقت للبحث في استراتيجية عربية لمواجهة استحقاقات «العالم المتقلّب». حتى يأتي هذا الزمن وهو ليس ببعيد، حيث يقوم العالم الجديد المشكّل من الأقوياء ومن الصامدين والثابتين!