الجيش اللبناني هدف واضح وصريح للمحور الإيراني منذ أن رفض التنسيق مع الجيش السوري وحزب الله في عملية فجر الجرود التي أطلقها منذ أكثر من أسبوع ضد تنظيم داعش في جرود القاع قرب الحدود السورية من جهة الشرق.
إعلان الجيش اللبناني رسميا عدم التنسيق، ترافق مع إعلان حزب الله أنه سيقاتل إلى جانب الجيش السوري في هذه المعركة من داخل المناطق السورية. وهي إشارة إلى إصرار حزب الله على الدخول في هذه المواجهة بغاية واضحة وهي منع الجيش اللبناني من تحقيق انتصار يمكن أن يستثمره في نزع ذرائع بقاء سلاح حزب الله متفلتا من أيّ قيود في لبنان، وإلى هذه الغاية ثمة سبب آخر أعلن عنه الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، قبل أيام، وهو أن هناك معادلة جديدة يريد فرضها على اللبنانيين كبديل عن المعادلة الثلاثية التي أطلقها حزب الله منذ سنوات أي الجيش والشعب والمقاومة، بمعادلة رباعية بإضافة الجيش السوري، قاصداً القول إنّ جيش النظام السوري هو طرف في معادلة الأمن التي فرضها المحور الإيراني على سوريا ولبنان.
معركة جرود القاع أو فجر الجرود، أقلقت حزب الله بسبب أن الجيش اللبناني أظهر كفاءة عسكرية عالية وحقق تقدماً ميدانياً مهماً في الأيام الأولى، حيث نجح في تحرير مئة كيلومتر مربع من أصل 120 تسيطر عليه مجموعات داعش، هذا التقدم للجيش المحرز بقدرة ذاتية، خلق مناخا وطنيا جامعا حول الجيش، وهذا ما زاد في قلق الحزب الذي لم يكن يقدر أن معركة الجيش سوف تثمر سياسيا خلال أيام وتفرض مناخا وطنيا غير مسبوق في التفافه حول الجيش اللبناني وعمليته ضد تنظيم داعش.
بدأ حزب الله هجوما سياسيا مضادا، تمثل في دعوته أو محاولة فرضه التنسيق الرسمي اللبناني والعلني مع الجيش السوري، والربط بين معرفة مصير الجنود العسكريين المخطوفين من داعش قبل 3 سنوات بعملية التنسيق هذه.
هذه الدعوة لم تجد آذاناً صاغية، ولكن أمكن لحزب الله، وهو يرى أن عناصر تنظيم داعش بدأت بالانهيار، وراحت تسلم نفسها له متفادية التسليم للجيش اللبناني، أن يوجه رسالة مفادها أن عدم التنسيق مع الجيش السوري يمكن أن يؤدي إلى أنّ الأخير لن يعطي أيّ معلومات عن العسكريين المخطوفين، متناسيا مسؤوليته الوطنية عن هذا الملف، حيث تعامل مع أسرى داعش باعتبارهم أسرى لدى الجيش السوري وليس لدى طرف لبناني، وهذا ربما ما فرض على الجيش اللبناني أن يقبل التسوية التي أعدها حزب الله مع داعش بأن يوقف الجيش المعركة مقابل كشف مصير 11 جندياً لبنانياً تبين لاحقا أنّهم قتلوا من قبل داعش، مقابل أن ينسحب جنود داعش باتجاه مناطق سورية.
أي مراقب لاحظ أن العلاقة هي بين حزب الله والجيش السوري من جهة، وتنظيم داعش من جهة ثانية سلسة، بل إن حزب الله أنجز التفاهمات من دون أن يسمح للجيش اللبناني بالمقايضة بأسرى داعش لديه بأي معلومة يمكن الحصول عليها من داعش، بل كان حزب الله والجيش السوري عائقين أمام استكمال الجيش المعركة للقضاء على فلول داعش إما باستسلامهم أو بقتلهم.
وكما أشرنا سابقا، فإن الجيش هو الهدف، حيث سار حزب الله على طريق منع الجيش من تحقيق انتصار كامل، وكل ما قام به حزب الله خلال معركة فجر الجرود هو إنقاذ هذا التنظيم الإرهابي من أن يقع أي عنصر من أفراده في يد الجيش اللبناني، وإلا ما معنى أن يسلم هؤلاء أنفسهم لحزب الله ويرفضون تسليم أنفسهم للجيش اللبناني؟
هل حزب الله أكثر رأفة بهم من الجيش؟ بل ما تكشفه الوقائع أكثر من ذلك بكثير. حزب الله هو الطرف الموثوق في اللحظات الحرجة، والقادر على ترتيب اتفاقيات تمنع القضاء على التنظيم الإرهابي وعناصره. بل إن حزب الله الذي كان يمنع الدولة اللبنانية من التفاوض مع داعش قبل سنوات من أجل استعادة جنودها المخطوفين، هو نفسه من فرض على الدولة اللبنانية إطلاق عناصر من جبهة النصرة في سجونها مقابل أن تطلق هذه الجبهة أسرى حزب الله الخمسة قبل أقل من شهر. فيما يقول حزب الله اليوم، ومن خلال شبكة من مناصريه في سياق استهدافهم للجيش، إنّ حزب الله أعاد أسراه أحياء من جبهة النصرة، فيما أعادهم الجيش رفاتا وبمساعدة حزب الله.
هذه الوقاحة هي السياسة التي يعتمدها حزب الله في تطويع الدولة اللبنانية لتسير في ركابه، ولتسويق فكرة أن الجيش كما كل المؤسسات يجب أن تبقى في وضعية العاجز وأنّ حزب الله هو الذي يحميها.
يعلم اللبنانيون أنّ العلاقة بين الدولة اللبنانية وحزب الله يجب أن تبقى بنظر الأخير مشروطة بأن تكون الدولة مهانة وعاجزة، لكن معركة فجر الجرود هي معركة فضحت سلوكيات حزب الله تجاه الدولة. وهي سلوكيات ما كانت لتنكشف لولا إصرار الجيش على خوض المواجهة مع داعش من دون حزب الله أو جيش النظام السوري.