السيّد حسن نصر الله، بوصفه رجل دين، أدرى بمكافحة الشياطين. مع هذا، استعجل قبل أيّام، وفاتَه أنّ العجلة من الشيطان. خطأٌ مهنيّ إذاً، وسياسيّ طبعاً. فهو، في استعجاله، مأخوذاً بانتصاراته، أساء إلى نفسه وإلى ما يمثّل، علماً أنّه أنجح القادة اللبنانيّين في تقديم نفسه وترويج ما يمثّل.
لقد استعجل مرّتين، فأخطأ مرّتين. الأولى، حين أوحى بأنّه ينظّم الإعلام، فيقول له ما هو الصائب والوطنيّ وما هو غير الصائب وغير الوطنيّ. ما يُحتمل وما لا يُحتمل.
المرّة الثانية، حين أضاف الجيش السوريّ إلى ثلاثيّته الماسيّة في «الشعب والجيش والمقاومة». وهذا علماً بأنّ نيّته الفعليّة، أقلّه منذ 2005، هي أن يضيف «الجيش والشعب والمقاومة» إلى الجيش السوريّ.
السيّد، على ما يبدو، لم ينتبه إلى أنّ ما يصحّ في «الجرود» لا يصحّ في المدن. ففي الأخيرة رأي عامّ يعرف أنّ الوصاية على الإعلام عمل أخرق، ويتذكّر أنّ أحد المطالب الثابتة للنظام الأمنيّ في سوريّة كان ضبط الإعلام في لبنان. والمطلب هذا تنبعث منه رائحة لا تستسيغها الأنوف المعافاة. إنّه يندرج في تاريخ طويل عريض من ابتزاز الإعلام بالوطنيّة، مع أنّ الذين يحدّدون معايير هذه الوطنيّة كانوا يجدون دائماً من يشكّك بوطنيّتهم هم أنفسهم.
وبديهيٌّ أنّ هذا الرأي العام لا يُغريه مطلقاً أن يتخلّى عن الحرّيّات التي عرفها طويلاً، كي يقلّد النموذجين الإيرانيّ والسوريّ في العلاقة بالإعلام وبالحرّيّات.
أمّا الجيش العربيّ السوريّ فهو الذي كان يضطهد شعبه بيد وباليد الثانية يضطهد شعوباً أخرى في مقدّمها اللبنانيّون. وفي ظلّ إشرافه المديد على أمننا، اغتيل من اغتيل من سياسيّين وإعلاميّين، وقُصف ما قُصف من مناطق، ونُقل إلى زنازين التعذيب، ما بين عنجر وتدمر، من نُقل. هذا فيما كان الجيش المذكور يضمّ إلى رصيده المهانات «القوميّة»، واحدة بعد أخرى. لهذا بدا يومُ انسحابه من لبنان، المرفق بتكريم آمره رستم غزالي وتسليمه «بندقيّة المقاومة»، عيداً وطنيّاً لأكثريّة اللبنانيّين. تكريم السيّد لغزالي وطريقة استقباله من باقي اللبنانيّين كان ينبغي أن يكونا درساً. لم يكونا. الفصل الأخير من حياة غزالي عزّز هذا الافتراض: قُتل الرجل، إمّا لتطويق جريمة اغتيال الحريري أو لخلاف بين ميليشيات السلطة على تقاسم الغنائم، أو للسببين معاً. أُحرق قصره وفيه بندقيّة المقاومة. هو وقصره وبندقيّة المقاومة ذهبوا غير مأسوف عليهم.
وفي هذا هناك مثال ضمنيّ سوفياتيّ. فالسوفيات الذين حرّروا، إبّان الحرب العالميّة الثانية، بلداناً في أوروبا الشرقيّة والوسطى، تحوّلوا حكّاماً لهذه البلدان من خلال أحزاب شيوعيّة طيّعة ومطواعة. هنا، نحن لا نزال نناقش في «التنسيق»، ولا يزال «التحرير» بعيداً، إلّا أنّ روحاً سوفياتيّة تسكن هذا الربط بين «المساعدة» العسكريّة والحضور السياسيّ (والأمنيّ!) المباشر. سرعة الاستثمار، بغضّ النظر عن التفاوت الضخم في حجم «المساعدة»، سوفياتيّة الروح. شعوب أوروبا الوسطى والشرقيّة ناضلت أكثر من أربعة عقود كي تتخلّص من «منقذيها» السوفيات. لهذا، ولغيره، سيبدو زجّ اللبنانيّين في حروب «حزب الله»، وهم مغلوبون على أمرهم، أسهل من زجّهم في سلام «حزب الله» الذي يقوم على توجيه الإعلام وتمجيد الجيش السوريّ.
استعجالا نصر الله ضارّان. فالجمهور العونيّ والمسيحيّ الذي أيّد حروب «حزب الله» وشكّل غطاء سياسيّاً لها، لا تفعل الدعوتان إلّا صدّه وتنفيره. إنّه لا يزال يتباهى بعدائه لعهد الوصاية، وتضحياته أثناءها، كما يقلقه ذاك الحسم الضمنيّ من رصيد الجيش اللبنانيّ وضمّه إلى رصيد الجيش السوريّ، خصوصاً وقد قضى أسرى الجيش الأوّل وسط المطالبة الاحتفاليّة بالتكبير للجيش الثاني. لقائل أن يقول: غطرسة القوّة تُعمي، ونصر الله بات في وضع لا يهتمّ معه بموقف الحلفاء، وبما إذا كانوا راضين أو مستائين. هو نفسه قال في خطابه: «ليزعل من يزعل...». هذا احتمال ممكن. لكنّه، بالتأكيد، مصدر للخسارة على مدى أبعد. الغطرسة مربحة في البداية، ضارّة في النهاية. إنّها قد تتسبّب بالخطأ للمرّة الثالثة، وهو من النوع القاتل.
حين يخطئ السيّد مرّتين
حين يخطئ السيّد مرّتينحازم صاغية
NewLebanon
التعريفات:
مصدر:
جريدة الحياة
|
عدد القراء:
5449
عناوين أخرى للكاتب
مقالات ذات صلة
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro