بعدما انتُزعت ورقة الإرهاب من الجرود، وزال الورم الخبيث الذي استحكم لسنوات بهذه الخاصرة اللبنانية في السلسلة الشرقية، يُفترض أن تعود عقارب الساعة السياسية إلى الدوران في الاتجاه الذي يحاكي هذا الإنجاز الكبير الذي تحقّقَ بطردِ المجموعات الإرهابية، ويصوغ مشهداً جديداً عنوانه الانصراف الجدّي والكلّي إلى تحرير الأولويات من عُقد السياسة، ومن كلّ أورام المصالح والمنافع الخاصة التي تعيقها أو تُعطّلها. ولعلّ كلّ مؤسسات الدولة وفي مقدّمها الحكومة أمام هذا الامتحان الذي يُفترض أن تدخلَ فيه بعد عطلة عيد الأضحى.
ها هي الجرود تحرّرت، واللبنانيون رفعوا قبّعاتهم تحيّةً للعسكريين وما بذلوه في ميدان المواجهة مع «داعش»، وها هم يحجّون الى خيمة الشهداء العسكريين في رياض الصلح، يشاركون ذويهم خسارةَ ابنائهم التي هي شهادة بمستوى الوطن بأكمله، مكللةً بشعار الشرف والتضحية والوفاء، ويشاركونهم الصرخة الاحتجاجية على ترحيل الإرهابيين وتركِهم يغادرون الجرود من دون حساب، وبطريقة يصفها ذوو الشهداء بأنّها تقتل العسكريين مرّتين؛ مرة على أيدي الارهابيين ومرة اخرى على ايدي من يسمح لهؤلاء القتلة بالمغادرة، بما يجعل دماءَ العسكريين الشهداء تضيع هباءً.
إذاً، انتهى ملفّ الجرود بالطريقة التي انتهى فيها، وانصرَف أهل الميدان العسكري لإكمال عملية الإطباق على المواقع التي كان يحتلّها الإرهابيون، بالتوازي مع ترحيل مسلّحي «داعش» الى داخل الاراضي السورية، في حين دخَل ملف العسكريين الشهداء مرحلة تحديد هوياتِهم عبر فحوص الـ«DNA» ليدخلَ معها البلد في حال انتظار.
وعلمت «الجمهورية» أنّ القيادة العسكرية تلقّت في الساعات الماضية سيلاً من الاتصالات من مراجع سياسية ورسمية عبّرت عن التضامن مع المؤسسة العسكرية، وقدّرت ما قام به العسكريون في عملية «فجر الجرود». إلّا أنّ اللافت في هذه الاتصالات أنّها تجنّبت حسم استشهاد العسكريين، في انتظار نتائج فحوص الحمض النووي.
مرجع سياسي
وقال مرجع سياسي لـ«الجمهورية» إنه اتّصل أمس بقائد الجيش العماد جوزف عون، وبارَك له بالانتصار الذي تحقّق في الجرود بشقّيها في عرسال ورأس بعلبك والقاع، واستوضَح حول مصير العسكريين وهل إنّ الجثامين الثمانية التي نقِلت من الجرود الى المستشفى العسكري في بيروت تعود لهم؟ فجاء الجواب بأنّ أغلبَ الظنّ أنّ هذه الجثامين وبنسبة 90 في المئة تعود للعسكريين، إلّا أنّنا لا نستطيع تأكيد ذلك قبل صدور نتائج الـ«DNA».
وأشار المرجع الى «أنّ الـ 10 في المئة المتبقّية نسبة ضئيلة»، وأملَ في «أن تأتي النتائج سلبية، وإن كانت كذلك فهذه المسألة ستخلط الأوراق مجدداً، ولذلك ما أنصح به كلَّ المعنيين، سواء في الجيش اللبناني أو «حزب الله»، هو عدم تركِ مسلّحي الجرود يغادرون قبل صدور نتائج الحمض النووي».
مرجع عسكري
وقال مرجع عسكري لـ«الجمهورية»: «الجيش لن يعلنَ عن استشهاد العسكريين، بل هو ينتظر صدور نتائح فحوص الحمض النووي لكي يبنيَ على الشيء مقتضاه، وعندها تَرتسم الصورة كاملةً عندنا بالنسبة إليه».
ولفتَ الى اهمّية الانجاز الذي حقّقه الجيش وقال: «لقد حدّد لعمليته العسكرية هدفين: تنظيف الجرود من «الدواعش» وقد تمّ ذلك في عملية نظيفة يُشهد لها، وكشفُ مصير العسكريين المخطوفين، وهنا نعتقد أنّ الارهابيين قاموا بتصفيتهم، لكنْ لا نستطيع تأكيد ذلك قبل نتائج الـ«DNA».
وحول ما أثيرَ عن عملية الجرود من تساؤلات، قال المرجع: «الجيش ليس معنياً بما يقال، وليس معنياً بالسياسة، ما يعنينا هو جهد وتضحيات العسكريين، وما يعنينا ايضاً أنّ المهمة أنجِزت ودحِر الارهاب، علماً انّنا كنّا نتمنّى ان تنتهي العملية بعودة العسكريين، ووضَعنا كلَّ جهدنا في هذا السبيل، لكن يبدو أنّ الصورة كانت معاكسة».
وأوضَح المرجع «إنّ تأخُر الجيش في إتمام المرحلة الرابعة من المعركة، مرَدُّه الى أنّه وضَع خطةً محكمة لتنفيذ المرحلة الرابعة والأخيرة لتنظيف الـ 20 كيلومتراً المتبقّية مع المجموعات الارهابية، وبدايةُ التنظيف تكون بمهاجمة وادي مرطبيا، وحدّد ساعة الصفر قبل نهاية الاسبوع الماضي، إلّا أنّ أمراً استجدّ السبت الماضي تمثّلَ في طلبِ الارهابيين وقفَ إطلاقِ النار واستعدادهم لمغادرة المنطقة، وقرَنوا ذلك بأنّهم سيكشفون عن مكان العسكريين المخطوفين. وعلى هذا الاساس جرى تعديل في الخطة، وبالتالي انتهى الأمر على ما انتهى عليه».
وأشار المرجع إلى أنّ «هناك أراضيَ لبنانية تحرّرت من الارهاب، وهي بالتالي مسؤولية الدولة، ومهمّة الجيش حمايتُها في سياق مهمّته الأساسية بحماية الأراضي اللبنانية كلها، وكذلك حماية الحدود وتثبيت مواقعِه في هذه المناطق التي لم تكن تحت سيطرته.
والأهمّ بالنسبة الى الجيش هو أنّ الأمن كان وما زال وسيبقى الخطَّ الأحمر، ومن هنا اولوية الجيش ليست على الحدود والجرود فقط، بل في الداخل في مواجهة ومطاردة أيّ بؤرٍ أمنية وخلايا إرهابية نائمة، بالتنسيق مع الاجهزة الامنية التي يعمل معها الجيش في اتّجاه واحد ولهدفٍ واحد هو تنظيف لبنان من الارهاب، والانتقال به إلى برّ الأمان».
نصرالله
وفي إطلالة جديدة له مساء امس، قال الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله إنّ تاريخ 28 آب 2017 «هو يوم التحرير الثاني الذي سيسجّل في تاريخ لبنان والمنطقة، سواء اعترفَت به الحكومة اللبنانية أو لا»، واعتبر انّ المعركة ضد «داعش» حقّقت كامل أهدافها، وقال: «إبحَثوا عن من سَمح بإبقاء العسكريين بأيدي خاطفيهم وطالِبوا بفتح تحقيق».
وشدّد على انّ الحزب والجيش اللبناني لم يكونا في واردِ وقفِ إطلاق النار إلى أن وجَد «داعش» نفسَه في المربّع الأخير. وأكّد أنّه لم يبقَ أيّ «داعشي» أو إرهابي على أيّ حبّة تراب لبنانية و«سنحتفل يوم الخميس بهذا الانتصار في بعلبك».
«المستقبل» يردّ
من جهته، ردّ تيار «المستقبل» على كلام نصرالله، مشيراً إلى «أنّه يريد أن يحاسب القوى السياسية على مواقفها المبدئية من دعوته للتواصل مع الحكومة السورية، وتفرّد الحزب في اتّخاذ قرارات تتصل بأمور السِلم والحرب بمعزل عن الدولة ومؤسساتها الدستورية».
وسأل: «ما الجديد الذي طرأ على الواقع السياسي في لبنان، عندما تُجمع القيادات والشخصيات والأحزاب المعارضة لسياسات «حزب الله»، على رفضِ دعواته الأخيرة، والامتناع عن تقديم أيّ شكل من أشكال التغطية الوطنية والشرعية، لحروب الحزب ومعاركه في الداخل والخارج؟
وما الداعي إلى مِثل هذا القدر من التوتّر في إطلاق الأوصاف والاتّهامات على جهات وأحزاب وتيارات لا تحتاج لشهادات حسنِ سلوك وطني من أحد؟ وهل يستوي الشعور بتحقيق انتصار كبير على قوى الارهاب في جرود البقاع، مع الشعور بوجود فئة كبيرة من الشعب اللبناني، ترفض تجييرَ هذا الانتصار لمصلحة أجندات إقليمية، وتحديداً لمصلحة نظام بشّار الأسد، المسؤول الاوّل والاخير عن توريط سوريا في مذابح أهلية لا مثيلَ لها في التاريخ العربي؟
وشدّد على التزام الخطاب العقلاني والمنطقي في مقاربة القضايا الوطنية الحسّاسة، وعدم الإفراط في تأجيج العصبيات والكلام الشعبوي الذي لا وظيفة له سوى العودة الى اصطفافات مذهبية تؤذي لبنان والعيشَ المشترك بين أبنائه، على صورةِ الدعوة المؤسفة التي وُجّهت لتعديل وجهة الانتقام الى الداخل اللبناني، ردّاً على بعض المواقف التي احتجّت على نتائج الصفقة مع «داعش» .
مصدر معارض
وكان مصدر سياسي معارض قال لـ«الجمهورية»: «إنّ السلطة السياسية لم تكن بمستوى ما تتطلّبه استعادة سيادة الدولة والقرار الوطني الحر. فعوَض أن تُصدر الأمر إلى الجيش بتحرير جرود عرسال، تخلّت عن واجباتها ومسؤولياتها فترَكت لـ«حزب الله» والنظام السوري مهمّة القتال وإبرامَ الصفقات التي تتعارض مع المصلحة الوطنية العليا للدولة اللبنانية.
وعوَض أن تواكبَ الإنجاز العسكري للجيش اللبناني بتحرير جرود رأس بعلبك والقاع وكشفِ مصير العسكريين المخطوفين، بقرارات سيادية بحجم دماء الشهداء وتطلّعاتِ أبناء المنطقة خصوصاً واللبنانيين عموماً، إذا بها تُفرّط سياسياً بالإنجاز العسكري وتُمعِن في ضربِ أسسِ الدولة بتخلّيها عن الدستور وإحجامِها عن استعادة القرار الوطني الحر من مُصادِريه المحليين والخارجيين».
ودعا المصدر أركانَ السلطة «إلى الاعتراف بعجزهم وعدمِ كفاءتهم في إدارة هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ لبنان، وبالتالي الى الاستقالة من مسؤولياتهم، وتشكيلِ حكومةٍ جديدة تضع في رأس اهتماماتها إحياءَ دور المؤسسات الشرعية بما يتطابق مع مهمّاتها المنصوص عنها في الدستور».
وقال: « لا يكفي أن يدليَ البعض بتصريحات معترضة أو أن يغرّد على حسابه على «تويتر»، بل المطلوب، إذا صَدق المعترضون في اعتراضاتهم، أن يحوّلوها موقفاً رسمياً في مجلس الوزراء، وإن لم يتمكّنوا من ترجمة مواقفهم فلتكُن لديهم جرأة الاستقالة».
الحريري الى باريس
على صعيدٍ آخر، تغيبُ جلسة مجلس الوزراء هذا الأسبوع فيما يستعدّ رئيس الحكومة سعد الحريري لزيارة باريس يومي الخميس والجمعة المقبلين، فيما أعلنَ قصر الإيليزيه مساء أمس الاوّل أنّ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون سيستقبل الحريري في الثامنة والنصف من صباح يوم الجمعة.
كذلك سيلتقي الحريري نظيرَه الفرنسي إدوار فيليب، ووزيرَ الخارجية جان إيف لودريان، ووزيرةَ الدفاع فلورانس بارلي ووزيرَ الاقتصاد ميشال سابان ورئيسَ مجلس الشيوخ جيرار لارشيه.
وعلمت الجمهورية» أنّ الحريري سيطرح في لقاءاته موضوعين أساسيين: دعم الجيشِ والقوى الأمنية، خصوصاً بعد العملية العسكرية الناجحة للجيش في جرود رأس بعلبك والقاع، ومساعدة لبنان على مواجهة أعباء النزوح السوري.
ومِن المقرر أن يعود الحريري الى لبنان بعد انتهاء زيارته، على ان يستعدّ لزيارة موسكو في 11 أيلول تلبيةً لدعوة رسمية من رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف، وسيَجتمع خلال الزيارة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وكبار المسؤولين الروس.
ملفّ البواخر
في ملف بواخر الكهرباء، يبدو أنّ هذا الموضوع سيشكّل بنداً أساسياً في مرحلة ما بعد العيد، ربطاً بتقرير إدارة المناقصات حول المناقصة المرتبطة بالبواخر.
وعلمت «الجمهورية» أنّ الجديد في هذا الملف، أنّه أحيلَ في الساعات الماضية الى ادارة المناقصات لدراسته، إلّا انّ إحالته لم تكن مكتملة بل كانت مبتورةً، بحيث لم يرفَق الملف بقرار مجلس الوزراء المتصل بهذه الإحالة، والذي يحدّد المطلوب دراسته فعلاً في التقرير، بناءً على أيّ أساس.
وهو أمرٌ أثارَ علامات استفهام في أجواء إدارة المناقصات، وكذلك لدى مستوياتٍ سياسية استغربَت إغفالَ إرفاقِ ملف البواخر بقرار مجلس الوزراء ذي الصلة، إلّا أنّها سألت أين هو قرار مجلس الوزراء ، إن كان منجزاً فلماذا الحجرُ عليه وإخفاؤه، وإن كان غيرَ منجزٍ، فما هو السبب، وهل ما زال في طور الصياغة، وهو أمر غير مبرّر، أم انّ هناك ملابسات اخرى فرَضت إبقاءَ القرار في المجهول؟
وعبّرت مصادر وزارية معارضة لملفّ البواخر بالصيغة التي سبقَ وطرِحَ فيها في المرّة الأولى، عن ارتيابها من وجود ما سمَّتها محاولة تمرير هذه الصفقة بطريقة احتيالية، خصوصاً وأنّ الفريق السياسي الذي يحتضن هذه الصفقة يتحدّث عنها وكأنّها أمرٌ مبتوت سلفاً، ولا يتوانى عن الإعلان على المنابر وفي الإعلام بأنّ الخطة ماشية عطّلَ مَن عطّل أو عرقلَ من عَرقل، مقرناً ذلك بانتقادات مسبَقة لإدارة المناقصات واتّهامات لها بأنّها تعرقل خطة الكهرباء.
وعلمت «الجمهورية» أنّ أجواء إدارة المناقصات تؤكّد انّ التوجّه هو التعمّق في كلّ بنود وتفاصيل دفتر الشروط الجديد، على ان تعدّ تقريرَها بشفافية، من دون الأخذِ بأيّ اعتبارات سياسية، خصوصاً وأنّ المهمّ في هذه المناقصة أن تنطبق مع الاصول المتّبعة في مِثل هذه المناقصات، والأهمّ فيها أن يكون هناك أكثرُ من عارض، لا أن تكون محصورةً بعارض وحيد، ما سيُعرّضها للنسف الحتميّ، على غرار المناقصة السابقة.
وبحسب المعلومات الموثوقة، فإنّ دراسة أوّلية أجريَت حول دفتر الشروط، وتبيّن من خلالها انّ المهل الواردة فيه تستوجب التوقّفَ عندها مليّاً، وقياسَ مدى انطباقِها مع الاصول التي تَحكم هذا النوع من المناقصات.
وإذا كان للتعديلات التي أدخِلت في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة على دفتر الشروط مفعولٌ تحصيني لملفّ البواخر، إلّا أنّ ثمّة خللاً، أو بالأحرى صياغات ملتبسة، قد تبدّت خلال الدراسة الأولية، وتتمثل بوجود ثغرات ضريبية، تتطلب إعادة تدقيقٍ مِن قبَل وزارة المال، بما يجعلها في صالح الخزينة، وليس في صالح الشركات العارضة.
الملف الانتخابي
وفي وقتٍ لم يطرَأ أيّ جديد على صعيد ملف الانتخابات الفرعية، بدا أنّ الاهتمام لدى المعنيين منصَبٌّ في مكان آخر. وفي هذا يندرج الاجتماع الذي عَقده أمس وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق مع لجنة خبراء تطبيق قانون الانتخاب. وعلمت «الجمهورية» أنّه تمّ حسمُ اعتماد بطاقة هوية ممغنَطة جديدة، وليس بطاقة ممغنطة، لإجراء الانتخابات على اساسها بحيث تستخدم في الاقتراع .
كذلك تمَّ حسمُ عدمِ التصويت إلكترونياً، وأيضاً تمّ البحث بين القوى السياسية في موضوع التصويت المسبَق في مكان سكنِ الناخب، على ان تعتمد إلزامية التسجيل المسبق، على اعتبار أنّ هذا الإجراء يُسهّل عملَ الماكينات الانتخابية وعملية الاقتراع. وقد توقّفَ البحث عند هذه النقطة التي ظلّت معلّقة ولم يبتّ بها، علماً أنّ «التيار الوطني الحر» رَفضها.
إذاً، انتهى ملفّ الجرود بالطريقة التي انتهى فيها، وانصرَف أهل الميدان العسكري لإكمال عملية الإطباق على المواقع التي كان يحتلّها الإرهابيون، بالتوازي مع ترحيل مسلّحي «داعش» الى داخل الاراضي السورية، في حين دخَل ملف العسكريين الشهداء مرحلة تحديد هوياتِهم عبر فحوص الـ«DNA» ليدخلَ معها البلد في حال انتظار.
وعلمت «الجمهورية» أنّ القيادة العسكرية تلقّت في الساعات الماضية سيلاً من الاتصالات من مراجع سياسية ورسمية عبّرت عن التضامن مع المؤسسة العسكرية، وقدّرت ما قام به العسكريون في عملية «فجر الجرود». إلّا أنّ اللافت في هذه الاتصالات أنّها تجنّبت حسم استشهاد العسكريين، في انتظار نتائج فحوص الحمض النووي.
مرجع سياسي
وقال مرجع سياسي لـ«الجمهورية» إنه اتّصل أمس بقائد الجيش العماد جوزف عون، وبارَك له بالانتصار الذي تحقّق في الجرود بشقّيها في عرسال ورأس بعلبك والقاع، واستوضَح حول مصير العسكريين وهل إنّ الجثامين الثمانية التي نقِلت من الجرود الى المستشفى العسكري في بيروت تعود لهم؟ فجاء الجواب بأنّ أغلبَ الظنّ أنّ هذه الجثامين وبنسبة 90 في المئة تعود للعسكريين، إلّا أنّنا لا نستطيع تأكيد ذلك قبل صدور نتائج الـ«DNA».
وأشار المرجع الى «أنّ الـ 10 في المئة المتبقّية نسبة ضئيلة»، وأملَ في «أن تأتي النتائج سلبية، وإن كانت كذلك فهذه المسألة ستخلط الأوراق مجدداً، ولذلك ما أنصح به كلَّ المعنيين، سواء في الجيش اللبناني أو «حزب الله»، هو عدم تركِ مسلّحي الجرود يغادرون قبل صدور نتائج الحمض النووي».
مرجع عسكري
وقال مرجع عسكري لـ«الجمهورية»: «الجيش لن يعلنَ عن استشهاد العسكريين، بل هو ينتظر صدور نتائح فحوص الحمض النووي لكي يبنيَ على الشيء مقتضاه، وعندها تَرتسم الصورة كاملةً عندنا بالنسبة إليه».
ولفتَ الى اهمّية الانجاز الذي حقّقه الجيش وقال: «لقد حدّد لعمليته العسكرية هدفين: تنظيف الجرود من «الدواعش» وقد تمّ ذلك في عملية نظيفة يُشهد لها، وكشفُ مصير العسكريين المخطوفين، وهنا نعتقد أنّ الارهابيين قاموا بتصفيتهم، لكنْ لا نستطيع تأكيد ذلك قبل نتائج الـ«DNA».
وحول ما أثيرَ عن عملية الجرود من تساؤلات، قال المرجع: «الجيش ليس معنياً بما يقال، وليس معنياً بالسياسة، ما يعنينا هو جهد وتضحيات العسكريين، وما يعنينا ايضاً أنّ المهمة أنجِزت ودحِر الارهاب، علماً انّنا كنّا نتمنّى ان تنتهي العملية بعودة العسكريين، ووضَعنا كلَّ جهدنا في هذا السبيل، لكن يبدو أنّ الصورة كانت معاكسة».
وأوضَح المرجع «إنّ تأخُر الجيش في إتمام المرحلة الرابعة من المعركة، مرَدُّه الى أنّه وضَع خطةً محكمة لتنفيذ المرحلة الرابعة والأخيرة لتنظيف الـ 20 كيلومتراً المتبقّية مع المجموعات الارهابية، وبدايةُ التنظيف تكون بمهاجمة وادي مرطبيا، وحدّد ساعة الصفر قبل نهاية الاسبوع الماضي، إلّا أنّ أمراً استجدّ السبت الماضي تمثّلَ في طلبِ الارهابيين وقفَ إطلاقِ النار واستعدادهم لمغادرة المنطقة، وقرَنوا ذلك بأنّهم سيكشفون عن مكان العسكريين المخطوفين. وعلى هذا الاساس جرى تعديل في الخطة، وبالتالي انتهى الأمر على ما انتهى عليه».
وأشار المرجع إلى أنّ «هناك أراضيَ لبنانية تحرّرت من الارهاب، وهي بالتالي مسؤولية الدولة، ومهمّة الجيش حمايتُها في سياق مهمّته الأساسية بحماية الأراضي اللبنانية كلها، وكذلك حماية الحدود وتثبيت مواقعِه في هذه المناطق التي لم تكن تحت سيطرته.
والأهمّ بالنسبة الى الجيش هو أنّ الأمن كان وما زال وسيبقى الخطَّ الأحمر، ومن هنا اولوية الجيش ليست على الحدود والجرود فقط، بل في الداخل في مواجهة ومطاردة أيّ بؤرٍ أمنية وخلايا إرهابية نائمة، بالتنسيق مع الاجهزة الامنية التي يعمل معها الجيش في اتّجاه واحد ولهدفٍ واحد هو تنظيف لبنان من الارهاب، والانتقال به إلى برّ الأمان».
نصرالله
وفي إطلالة جديدة له مساء امس، قال الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله إنّ تاريخ 28 آب 2017 «هو يوم التحرير الثاني الذي سيسجّل في تاريخ لبنان والمنطقة، سواء اعترفَت به الحكومة اللبنانية أو لا»، واعتبر انّ المعركة ضد «داعش» حقّقت كامل أهدافها، وقال: «إبحَثوا عن من سَمح بإبقاء العسكريين بأيدي خاطفيهم وطالِبوا بفتح تحقيق».
وشدّد على انّ الحزب والجيش اللبناني لم يكونا في واردِ وقفِ إطلاق النار إلى أن وجَد «داعش» نفسَه في المربّع الأخير. وأكّد أنّه لم يبقَ أيّ «داعشي» أو إرهابي على أيّ حبّة تراب لبنانية و«سنحتفل يوم الخميس بهذا الانتصار في بعلبك».
«المستقبل» يردّ
من جهته، ردّ تيار «المستقبل» على كلام نصرالله، مشيراً إلى «أنّه يريد أن يحاسب القوى السياسية على مواقفها المبدئية من دعوته للتواصل مع الحكومة السورية، وتفرّد الحزب في اتّخاذ قرارات تتصل بأمور السِلم والحرب بمعزل عن الدولة ومؤسساتها الدستورية».
وسأل: «ما الجديد الذي طرأ على الواقع السياسي في لبنان، عندما تُجمع القيادات والشخصيات والأحزاب المعارضة لسياسات «حزب الله»، على رفضِ دعواته الأخيرة، والامتناع عن تقديم أيّ شكل من أشكال التغطية الوطنية والشرعية، لحروب الحزب ومعاركه في الداخل والخارج؟
وما الداعي إلى مِثل هذا القدر من التوتّر في إطلاق الأوصاف والاتّهامات على جهات وأحزاب وتيارات لا تحتاج لشهادات حسنِ سلوك وطني من أحد؟ وهل يستوي الشعور بتحقيق انتصار كبير على قوى الارهاب في جرود البقاع، مع الشعور بوجود فئة كبيرة من الشعب اللبناني، ترفض تجييرَ هذا الانتصار لمصلحة أجندات إقليمية، وتحديداً لمصلحة نظام بشّار الأسد، المسؤول الاوّل والاخير عن توريط سوريا في مذابح أهلية لا مثيلَ لها في التاريخ العربي؟
وشدّد على التزام الخطاب العقلاني والمنطقي في مقاربة القضايا الوطنية الحسّاسة، وعدم الإفراط في تأجيج العصبيات والكلام الشعبوي الذي لا وظيفة له سوى العودة الى اصطفافات مذهبية تؤذي لبنان والعيشَ المشترك بين أبنائه، على صورةِ الدعوة المؤسفة التي وُجّهت لتعديل وجهة الانتقام الى الداخل اللبناني، ردّاً على بعض المواقف التي احتجّت على نتائج الصفقة مع «داعش» .
مصدر معارض
وكان مصدر سياسي معارض قال لـ«الجمهورية»: «إنّ السلطة السياسية لم تكن بمستوى ما تتطلّبه استعادة سيادة الدولة والقرار الوطني الحر. فعوَض أن تُصدر الأمر إلى الجيش بتحرير جرود عرسال، تخلّت عن واجباتها ومسؤولياتها فترَكت لـ«حزب الله» والنظام السوري مهمّة القتال وإبرامَ الصفقات التي تتعارض مع المصلحة الوطنية العليا للدولة اللبنانية.
وعوَض أن تواكبَ الإنجاز العسكري للجيش اللبناني بتحرير جرود رأس بعلبك والقاع وكشفِ مصير العسكريين المخطوفين، بقرارات سيادية بحجم دماء الشهداء وتطلّعاتِ أبناء المنطقة خصوصاً واللبنانيين عموماً، إذا بها تُفرّط سياسياً بالإنجاز العسكري وتُمعِن في ضربِ أسسِ الدولة بتخلّيها عن الدستور وإحجامِها عن استعادة القرار الوطني الحر من مُصادِريه المحليين والخارجيين».
ودعا المصدر أركانَ السلطة «إلى الاعتراف بعجزهم وعدمِ كفاءتهم في إدارة هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ لبنان، وبالتالي الى الاستقالة من مسؤولياتهم، وتشكيلِ حكومةٍ جديدة تضع في رأس اهتماماتها إحياءَ دور المؤسسات الشرعية بما يتطابق مع مهمّاتها المنصوص عنها في الدستور».
وقال: « لا يكفي أن يدليَ البعض بتصريحات معترضة أو أن يغرّد على حسابه على «تويتر»، بل المطلوب، إذا صَدق المعترضون في اعتراضاتهم، أن يحوّلوها موقفاً رسمياً في مجلس الوزراء، وإن لم يتمكّنوا من ترجمة مواقفهم فلتكُن لديهم جرأة الاستقالة».
الحريري الى باريس
على صعيدٍ آخر، تغيبُ جلسة مجلس الوزراء هذا الأسبوع فيما يستعدّ رئيس الحكومة سعد الحريري لزيارة باريس يومي الخميس والجمعة المقبلين، فيما أعلنَ قصر الإيليزيه مساء أمس الاوّل أنّ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون سيستقبل الحريري في الثامنة والنصف من صباح يوم الجمعة.
كذلك سيلتقي الحريري نظيرَه الفرنسي إدوار فيليب، ووزيرَ الخارجية جان إيف لودريان، ووزيرةَ الدفاع فلورانس بارلي ووزيرَ الاقتصاد ميشال سابان ورئيسَ مجلس الشيوخ جيرار لارشيه.
وعلمت الجمهورية» أنّ الحريري سيطرح في لقاءاته موضوعين أساسيين: دعم الجيشِ والقوى الأمنية، خصوصاً بعد العملية العسكرية الناجحة للجيش في جرود رأس بعلبك والقاع، ومساعدة لبنان على مواجهة أعباء النزوح السوري.
ومِن المقرر أن يعود الحريري الى لبنان بعد انتهاء زيارته، على ان يستعدّ لزيارة موسكو في 11 أيلول تلبيةً لدعوة رسمية من رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف، وسيَجتمع خلال الزيارة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وكبار المسؤولين الروس.
ملفّ البواخر
في ملف بواخر الكهرباء، يبدو أنّ هذا الموضوع سيشكّل بنداً أساسياً في مرحلة ما بعد العيد، ربطاً بتقرير إدارة المناقصات حول المناقصة المرتبطة بالبواخر.
وعلمت «الجمهورية» أنّ الجديد في هذا الملف، أنّه أحيلَ في الساعات الماضية الى ادارة المناقصات لدراسته، إلّا انّ إحالته لم تكن مكتملة بل كانت مبتورةً، بحيث لم يرفَق الملف بقرار مجلس الوزراء المتصل بهذه الإحالة، والذي يحدّد المطلوب دراسته فعلاً في التقرير، بناءً على أيّ أساس.
وهو أمرٌ أثارَ علامات استفهام في أجواء إدارة المناقصات، وكذلك لدى مستوياتٍ سياسية استغربَت إغفالَ إرفاقِ ملف البواخر بقرار مجلس الوزراء ذي الصلة، إلّا أنّها سألت أين هو قرار مجلس الوزراء ، إن كان منجزاً فلماذا الحجرُ عليه وإخفاؤه، وإن كان غيرَ منجزٍ، فما هو السبب، وهل ما زال في طور الصياغة، وهو أمر غير مبرّر، أم انّ هناك ملابسات اخرى فرَضت إبقاءَ القرار في المجهول؟
وعبّرت مصادر وزارية معارضة لملفّ البواخر بالصيغة التي سبقَ وطرِحَ فيها في المرّة الأولى، عن ارتيابها من وجود ما سمَّتها محاولة تمرير هذه الصفقة بطريقة احتيالية، خصوصاً وأنّ الفريق السياسي الذي يحتضن هذه الصفقة يتحدّث عنها وكأنّها أمرٌ مبتوت سلفاً، ولا يتوانى عن الإعلان على المنابر وفي الإعلام بأنّ الخطة ماشية عطّلَ مَن عطّل أو عرقلَ من عَرقل، مقرناً ذلك بانتقادات مسبَقة لإدارة المناقصات واتّهامات لها بأنّها تعرقل خطة الكهرباء.
وعلمت «الجمهورية» أنّ أجواء إدارة المناقصات تؤكّد انّ التوجّه هو التعمّق في كلّ بنود وتفاصيل دفتر الشروط الجديد، على ان تعدّ تقريرَها بشفافية، من دون الأخذِ بأيّ اعتبارات سياسية، خصوصاً وأنّ المهمّ في هذه المناقصة أن تنطبق مع الاصول المتّبعة في مِثل هذه المناقصات، والأهمّ فيها أن يكون هناك أكثرُ من عارض، لا أن تكون محصورةً بعارض وحيد، ما سيُعرّضها للنسف الحتميّ، على غرار المناقصة السابقة.
وبحسب المعلومات الموثوقة، فإنّ دراسة أوّلية أجريَت حول دفتر الشروط، وتبيّن من خلالها انّ المهل الواردة فيه تستوجب التوقّفَ عندها مليّاً، وقياسَ مدى انطباقِها مع الاصول التي تَحكم هذا النوع من المناقصات.
وإذا كان للتعديلات التي أدخِلت في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة على دفتر الشروط مفعولٌ تحصيني لملفّ البواخر، إلّا أنّ ثمّة خللاً، أو بالأحرى صياغات ملتبسة، قد تبدّت خلال الدراسة الأولية، وتتمثل بوجود ثغرات ضريبية، تتطلب إعادة تدقيقٍ مِن قبَل وزارة المال، بما يجعلها في صالح الخزينة، وليس في صالح الشركات العارضة.
الملف الانتخابي
وفي وقتٍ لم يطرَأ أيّ جديد على صعيد ملف الانتخابات الفرعية، بدا أنّ الاهتمام لدى المعنيين منصَبٌّ في مكان آخر. وفي هذا يندرج الاجتماع الذي عَقده أمس وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق مع لجنة خبراء تطبيق قانون الانتخاب. وعلمت «الجمهورية» أنّه تمّ حسمُ اعتماد بطاقة هوية ممغنَطة جديدة، وليس بطاقة ممغنطة، لإجراء الانتخابات على اساسها بحيث تستخدم في الاقتراع .
كذلك تمَّ حسمُ عدمِ التصويت إلكترونياً، وأيضاً تمّ البحث بين القوى السياسية في موضوع التصويت المسبَق في مكان سكنِ الناخب، على ان تعتمد إلزامية التسجيل المسبق، على اعتبار أنّ هذا الإجراء يُسهّل عملَ الماكينات الانتخابية وعملية الاقتراع. وقد توقّفَ البحث عند هذه النقطة التي ظلّت معلّقة ولم يبتّ بها، علماً أنّ «التيار الوطني الحر» رَفضها.