ما بعد 28 آب 2017 لن يكون كما قبله، اكتمل التحرير الثاني بالامس، مع خروج آخر العناصر التكفيرية من الاراضي اللبنانية، استسلام تنظيم «داعش» وقبله «النصرة»، ليس حدثا عاديا في الزمان والمكان، انه نقطة تحول استراتيجية ستضع لبنان كما المنطقة امام واقع جديد بعد سقوط رهانات ومشاريع داخلية وخارجية كانت تعول على الاستثمار بهذا الارهاب... لم يبالغ الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عندما تحدث عن فتح البعض «لمجالس العزاء»، هو يعرف الكثير من «كواليس» ما جرى خلال السنوات القليلة الماضية، لكن مقتضيات المصلحة الوطنية، والاستقرار الداخلي، واهمية الانجاز، تفرض تاجيل «فتح» الكثير من الملفات.. هو خرج بالامس ليؤرخ لنصر جديد تحقق بمعادلة «الجيش والشعب والمقاومة»، شارك اللبنانيين تفاصيل التفاوض الصعب، مؤكدا ان المهمة انجزت بتحرير الارض، وبالكشف عن مصير العسكريين المختطفين، مطالبا بمحاسبة من تركهم لمصيرهم بايدي الارهابيين، وهي قضية تبدو الرئاسة الاولى معنية بمتابعتها، في ظل تدخلات سياسية بدأت تطل برأسها لحماية «ايتام» الارهابيين الذين  سيواصل حزب الله ملاحقتهم والاقتصاص منهم على الجبهات السورية..
وشرح السيد نصرالله الذي دعا الى الاحتفال «بالتحرير» يوم الخميس في بعلبك، تفاصيل المفاوضات التي جرت تحت النار مع «داعش» واكد ان «حزب الله لا يمكن ان يقبل اتهامه انه يبتز اي احد في ملف او قضية انسانية»، ولفت الى ان  الحزب قام بواجبه في ملف كشف مصير الجنود العسكريين المختطفين، واضاف «ليس حزب الله الذي يقال انه يبتز في قضية انسانية ولذلك كل من قال هذا الكلام هم صنفان: إما جهلة لا يعرفون اللغة العربية وإما أنهم لئام عديمو الأخلاق»...
 

 
 
 

 

 

 «ايتام» الارهابيين


واكد السيد نصر الله «نحن منذ البداية كنا نؤمن بالجيش اللبناني وما زلنا ولكن البعض كان يعتدي ويتهجم على الجيش في مجلس النواب وعلى المنابر، وقال «اذهبوا وحققوا وحاسبوا اصحاب القرار السياسي الجبان والخاضع الذي سمح بان يبقى هؤلاء الجنود بأيدي خاطفيهم بدلاً من ادانة الجهة التي قاتلت وساهمت بهذا التحرير العظيم»... وفي هذا السياق وبحسب اوساط وزارية مطلعة، فان رئيس الجمهورية ميشال عون عازم على متابعة قضية التفريط بمصير العسكريين حتى النهاية، وقام وزير العدل سليم جريصاتي بابلاغ اهالي العسكريين بهذا الامر يوم امس، واكد لهم ان دماء ابنائهم لن تذهب «هدرا» وسيحاسب كل من تواطأ او قصر في واجباته حيال قضيتهم... مع العلم ان كل المؤشرات والمعلومات تدل على ان وحدات الجيش كانت قادرة على حسم المعركة وانقاذ العسكريين في العام 2014 وكانت قاب قوسين من بدء العملية العسكرية لكن القرار السياسي لتيار المستقبل والذي تبلغه رئيس الحكومة انذاك تمام سلام، «اجهض» المهمة، فيما كان للحسابات الرئاسية يومها وقعا مؤثرا ايضا على عدم حماسة قائد الجيش السابق الجنرال جان قهوجي الذي لم يبذل الضغط الكافي لتغيير المعادلة...
وفي هذا الاطار، لا تتوقع اوساط وزارية في 8 آذار ان تصل المحاسبة السياسية الى خواتيمها، لان ثمة توازنات داخلية لا يستطيع رئيس الجمهورية ان يتجاوزها، ولا تسمح المناخات الحالية في هز الاستقرار الداخلي، لكن العمل الجدي سيكون بفتح الباب امام ملاحقة «ايتام» «داعش» «والنصرة» في الداخل اللبناني وخصوصا في بلدة عرسال، وهذا ما تؤكده مصادر امنية، اشارت الى ان ملفات عدد من اللبنانيين والسوريين مكتملة، وفيها ادلة ثابتة على تورطهم في الارهاب، ولن تكون هناك «خيمة» فوق «رأس احد»، وكل من تورط في عملية خطف وقتل العسكريين، ستتم محاسبته امام القضاء اللبناني، وذلك على الرغم من بعض التدخلات السياسية التي بدأت تطل برأسها لمحاولة تحييد البعض عن المحاسبة، وفي المعلومات ان احد وزراء المستقبل الذي تلاحقه الكثير من الفضائح في وزارته، وكان حتى الساعات الاخيرة يتولى عملية نقل شروط جبهة النصرة قبل استسلامها في جرود عرسال، يحاول حماية بعض الشخصيات النافذة في عرسال ومن بينها «ابوطاقية» ورئيس البلدية السابق علي الحجيري المعروف بابو «عجينة»...
 

 ملاحقة «الارهابيين»


وبعد ان خرج مسلحو داعش على متن 17 حافلة ضمت 308 مسلحين و330 مدنيا،112 انضموا اليهم من مخيمات عرسال، توجه  السيد نصر الله الى المزايدين بالقول «بالقانون والدين والاخلاق نحن عقدنا اتفاقا في هذا المجال ولا يمكن لنا ان نغدر او نطعن بالظهر او نحتال او نلعب على احد حتى مع هؤلاء الذين أتت بهم اميركا ونحن علينا ان نوفي بالشروط المطلوبة منا ولا علاقة له بمسألة العين بالعين ونرفض الحديث عن انتقام او غدر بما يندرج بالمزايدات»... لكن هذا التأكيد لا يعني ان هؤلاء القتلة لن يحاسبوا على جرائمهم، فوفقا لاوساط ميدانية مطلعة ثمة قرار حاسم لدى قيادة المقاومة على ملاحقة  هؤلاء الارهابيين على الجبهات السورية، فبعد دخول هؤلاء الى المنطقة المتفاهم عليها تنتهي مفاعيل الاتفاق، وسيكون هؤلاء جزء من المواجهة المرتقبة خلال الاسابيع المقبلة، وكل ما حصل عمليا بعد استسلام «الدواعش»، هو تاجيل المعركة التي انتقلت الى مساحات جغرافية تعد اكثر ملائمة من الناحية العسكرية لحزب الله الذي يقود احد اهم محاور القتال الرئيسية في البادية السورية، فهو اليوم «يطرق ابواب» المنطقة الحدودية مع العراق ويشارك مع الجيش السوري في اهم ثلاث محاور احدها على الحدود العراقية باتجاه مدينة الميادين، والثاني باتجاه دير الزور، والثالث على امتداد محاور البادية السورية، حيث يستمر تقدم هذه القوات بشكل سريع بتغطية جوية روسية... وفي الخلاصة اخرجت هذه التسوية «داعش» من «الخاصرة» الاخيرة المتبقية على الحدود اللبنانية، وتم ابعاد هؤلاء الارهابيين عن المناطق الحيوية  القريبة من دمشق، حيث كان خطر هؤلاء ماثلا على طريق العاصمة السورية مع محافظة حمص التي تعتبر عقدة مواصلات نحو مختلف المناطق السورية الحيوية، كما تم ابعاد خطر هؤلاء عن التجمعات السكنية اللبنانية على الحدود الشرقية، وتم اقفال نهائي لتلك «البقعة السوداء» التي كانت تستخدم كغرفة عمليات للتخطيط، ومكانا لوجستيا لتفخيخ السيارات التي كانت ترسل الى الداخل اللبناني...
 

 «انزعاج» اميركي


فرض شروط الاستسلام من قبل حزب الله على مجموعات «داعش» في الجرود لم ينزل «بردا وسلاما» على السفارة الاميركية في بيروت، وفي هذا السياق لم تخف السفيرة الاميركية اليزبيت ريتشارد انزعاجها من الامر وهي ابلغت مجموعة من «الاصدقاء» السياسيين بان بلادها غير راضية عن قيام حزب الله برسم سيناريو «المشهد» الاخير في معركة الجرود، عبر «اخراج» التسوية وفقا لمصلحته، وقيامه بفرض هذه الشروط على الجميع، دون ان تتمكن السلطات السياسية اللبنانية من استثمار الدفع الدولي الذي امنته الولايات المتحدة وراء الجيش لخوض هذه المعركة ضد الارهاب، وبرأيها ظهرت الحكومة اللبنانية بانها عاجزة عن مواكبة الحدث او «السيطرة» عليه على الاقل في «الشكل»...
 

 مهمات الجيش


في غضون ذلك نظمت مديرية التوجيه جولة للاعلاميين على الجرود المحررة من الارهابيين، حيث قدم ضباط ميدانيون شرحا مفصلا للطبيعة الجغرافية للمنطقة، وقدموا بعض المعلومات عن مجريات العملية العسكرية التي ادت الى تحقيق الانجاز من الجانب اللبناني من الحدود.. ومع انتهاء العمليات العسكرية تبقى لوحدات الجيش مهمة رئيسية تتعلق بتنظيف الجرود من «تشريكات الالغام»، والامر الثاني يتعلق باعادة انتشار حزب الله في جرود عرسال، والانكفاء الى ما وراء الحدود السورية، حيث من المقرر ان يتسلم الجيش اللبناني تلك المواقع، عند اكتمال الجهوزية العسكرية، والتنسيق في هذا السياق يجري على «قدم وساق» ولا يمكن لاحد نكرانه.. وتبقى مسألة ثالثة اساسية تتعلق بخارطة الانتشار العسكري على الحدود السورية اللبنانية، وهذا الامر يحتاج الى تنسيق ضروري مع الجانب السوري، فثمة نقاط ملتبسة ومتقاربة، كذلك يحتاج تواجد الجيشين الى خارطة انتشار جديدة تتلائم مع الوضع المستجد، ووفقا للمعلومات، فان الجيش لديه الغطاء السياسي الواضح لاجراء محادثات مباشرة من خلال مكتب تنسيق عسكري موجود اصلا لمعالجة قضايا مماثلة.