التحرّك الإسلامي المتصاعد حول عطلة يوم الجمعة، اتخذ حتى الآن طابع كرة الثلج، التي أخذت تكبر ويتضاعف حجمها، يوماً بعد يوم، مع انتشار الدعوات الهادئة والعقلانية بعطلة الجمعة، والتي بدأت خطواتها التنفيذية على الأرض، من خلال قرارات بلدية طرابلس وبلديات عكار شمالاً، إلى بلديات مجدل عنجر والبقاع الغربي شرقاً، فضلاً عن التفاعلات المتزايدة في الشارع الإسلامي في بيروت وصيدا والفيحاء.
كرة الثلج يمكن أن تتحوّل إلى «كرة نار»، في حال استمر التجاهل الرسمي والوطني لهذا المطلب الإسلامي، وتحوّل العتب الصامت حتى اللحظة، إلى موجات من الغضب الساطع، تجتاح الشارع الإسلامي، وتتفلت من الضوابط، وتأخذ بطريقها كل معترض، أو حتى متردد، في الاعتراف بحق المسلمين في التعطيل يوم الجمعة، بدل يوم السبت، طالما أقرّت الدولة قاعدة اليومين للعطلة الأسبوعية.
وبعيداً عن اللغط الدائر في بعض الأوساط ، وأضفى على هذا الموضوع البالغ الحساسية، طابعاً طائفياً مقيتاً، لا بدّ من التوقف عند بعض النقاط ، التي يشدد عليها العقلاء من دعاة التعطيل يوم الجمعة:
أولاً: إن هذا المطلب ليس طائفياً، بقدر ما هو مسألة دينية إيمانية، في صلب عقيدة المسلمين، لأن يوم الجمعة هو أقدس الأيام عند المسلمين، وفق نصوص قرآنية وأحاديث نبوية محققة، وكان الجمعة يوم العطلة الأسبوعية في عهد الدولة العثمانية، وفي عهود كل الدول الإسلامية الأخرى، وما زالت الدول العربية ملتزمة بعطلة الجمعة، حتى في الأنظمة العلمانية مثل سوريا حالياً، والعراق سابقاً، وفي المرحلة الراهنة حالياً.
وحده لبنان شذ عن قاعدة عطلة يوم الجمعة مع عهد الانتداب الفرنسي الذي حوّل العطلة الأسبوعية إلى يوم الأحد، وتقبّلها المسلمون في تلك المرحلة مراعاة لظروف ولادة لبنان الكبير واعتماد مبدأ الشراكة بين المسلمين والمسيحيين.
ثانياً: إن المطالبة بعطلة يوم الجمعة ليست موجهة إلى الشريك المسيحي، حيث الحرص الإسلامي مستمر في اعتبار عطلة يوم الأحد حقاً طبيعياً للإخوة المسيحيين، ولكن هذه المطالبة موجهة إلى القيادات السياسية والروحية الإسلامية، المعنية برعاية شؤون مواطنيها في التركيبة الطائفية للدولة، وبالتالي العمل على تصحيح الخلل الحاصل في اعتماد السبت يوم عطلة، والجمعة يوم عمل!
ثالثاً: هذا الخلل المتمادي ضرب التوازن المطلوب في المعادلة الوطنية، والتي تقوم أساساً على المساواة بين المواطنين، مسلمين ومسيحيين، وقبول المسلمين بمبدأ الشراكة الوطنية رغم ميل الكفة الديموغرافية لجانب المسلمين، الذين وافقوا على «وقف العدّ»، والمضي قدماً بالمناصفة.
واللافت أن المسلمين المطالبين بعطلة يوم الجمعة، لم يشعروا بأن شريكهم المسيحي يبادلهم حرصهم على عطلة الأحد، بحرص مماثل على عطلة يوم الجمعة، الأمر الذي أثار تساؤلات مشروعة في الأوساط الإسلامية، التي ما زالت تُغلب لغة العقل والحوار على ما عداها من وسائل أو أساليب أخرى.
والحرص الإسلامي على التمسّك بمبدأ المساواة وقاعدة المناصفة لم يقابله حرص مسيحي على إشعار المسلم بالتمسك بمبدأ المساواة، بعيداً عن أي استغلال للسلطة، او اي انتهاز للفرص العابرة.
رابعاً: في ظل هذا الشعور المتزايد بالإحباط والضياع لدى المسلمين السنّة، جاءت قضية عطلة يوم الجمعة، لتفاقِم من حالة الإحباط والغضب، لدى شريحة كبيرة وأساسية من اللبنانيين، بما يمس كرامتهم الوطنية، بعدما أضحت ممارسات الدولة وأجهزتها القضائية والأمنية والإدارية تشعرهم وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية!
إن تجاهل مشاعر التململ والتمرّد المشتعلة في عكار والبقاع والعديد من مناطق بيروت وطرابلس وصيدا والإقليم، وصولاً إلى العرقوب، من شأنه أن يُضعف تيّار الاعتدال، ويفتح الأبواب على مصراعيها أمام دعوات التطرّف لاستيعاب الجمهور الغاضب، مقابل وعود برّاقة، وقد تكون خادعة، لاستعادة الكرامة المهدورة، وإنهاء التهميش المتعمّد!
فهل ثمة من يتحرّك لتدارك الأمور، قبل أن تتحوّل كرة الثلج إلى كرة نار وقودها هذا الغضب الإسلامي الساطع!