بحكم الواقع اصبح مصير الاسرى العسكريين التسعة معروفاً امام الرأي العام، بعدما كشف مستور السنوات الثلاث عن حقيقة مؤلمة طالما رددها الكثيرون رافضين الاعتراف بها، معولين على ما اعتبروه «غموضا ايجابيا» تنازع طرفاه «داعش» والدولة اللبنانية، تنظيم عمد الى استخدام الملف في حرب اعصاب لم تنته الا بنهايته، معتمدا تسريب مئات المعلومات المتناقضة عبر عشرات الوسطاء من لبنانيين واجانب، لم يسرب خلالها اي شريط فيديو او صورة، الا واحدا التقط بعيد غزوة عرسال بساعات، ليختفي بعدها اي اثر او معلومة الا بعض ما جمعته خيوط الاتصال والتواصل والذي بقي مستورا، بانتظار حدث ما، رغم ان معلومات شبه مؤكدة كانت قد توافرت للمعنيين عن استشهادهم منذ شباط 2015.
فمعركة تحرير الجرود التي اطلقها العماد جوزاف عون مثبتا قدرة الجيش اللبناني واستعداده لحماية الارض والشعب، هدفت منذ يومها الاول الى تحقيق تحرير الارض من «داعش»، من جهة، وكشف مصير العسكريين، وان كانت كشفت وهن تنظيم «داعش» الذي انهار تحت ضربات اصغر جيش في المنطقة، فقد حسمت في المقابل ملفا وطنيا تعاطف معه اللبنانيون طويلا، املا في ان يخلص الى نهاية سعيدة، غير ان رياح الارهاب والغدر جاءت خلافا لما اشتهته السفن اللبنانية، اذ شهدت الساعات الماضية تطورات دراماتيكية وضعت بدقائق حدا لمأساة استمرت منذ عام 2014.
فما الذي حصل ليل السبت - الاحد؟
تكشف مصادر واسعة الاطلاع خطة الجيش في التعامل مع الجيب الاخير لتنظيم «داعش» في منطقة مرطبيا، وما انتجته من ضربات موجعة موقعة اكثر من 40 اصابة بين قتيل وجريح يوم السبت، في صفوف ما تبقى من مجموعات «داعش» التي حوصرت في تلك المنطقة، بعدما كان سقط لها في ثمانية ايام حوالى 100 عنصر، نتيجة القصف المدفعي المركز للجيش والاصابات الدقيقة مع الاستخدام «الكثيف» للقذائف الذكية والصواريخ، مفشلة استراتيجية امير «داعش» ابو السوس التي قامت على توزيع المدنيين من عائلات المسلحين على المواقع العسكرية، تزامنا مع التقدم الحاصل على الجبهة السورية وانسحاب المقاتلين باتجاه تلك المنطقة، في الوقت الذي حددت فيه قيادة الجيش اللبناني فجر الاحد الساعة الصفر لتحرير ما تبقى من الكيلومترات العشرين، ما دفع بقيادة التنظيم الى عرضها الاستسلام والانسحاب مقابل الافراج عن احد الاسرى الذي اعتقل في معركة تدمر من جنسية غير لبنانية، اضافة الى خمس جثث لشهداء من حزب الله دفنوا غرب معبر ميرا ثلاث منهم فقدوا عام 2014 خلال المواجهات في منطقة الكهف في جرود قارة وهم: حسن حمادي، قاسم سليمان، فادي مسرّة، اما الاثنان الباقيان ففي معارك البادية وهما، ربيع عليق ورامي الاسعد.
وبالفعل وصلت رسالة الوسيط الى حارة حريك حيث كان يوجد احد كبار الامنيين اللبنانيين للقاء امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله قرابة منتصف الليل، والذي رفض بشكل قاطع السير بأي تسوية ما لم يتم الكشف عن مصير الاسرى العسكريين، وهو ما تبلغه الضابط الرفيع، معتبرا ان الحزب في حل من اي اتفاق ما لم يتحقق هذا الطلب. عاد الوسيط واتصل بابي السوس، الذي كانت مجموعاته تعاني من التضعضع وحالة من التململ في صفوفها نتيجة المعلومات عن اكتمال استعدادات للجيش لتنفيذ الهجوم البري، مبلغا اياه بالموقف المستجد، في الوقت الذي صعدت فيه وحدات الجيش من قصفها وضغطها وكذلك حزب الله والجيش السوري على الجانب الآخر من الحدود، ليرضخ امير «داعش» مع ساعات الصباح الاولى للشروط، ويبلغ الوسيط بمعلومات «هامة» عن مصير العسكريين الاسرى، الذي ابلغ بها فورا المدير العام للامن العام ، فقام الاخير بالاتصال بقيادة الجيش واضعا اياها بما وصله من معلومات، ليصدر عندئذ بيان رسمي عن مديرية التوجيه قضى باعلان وقف العمليات العسكرية الى حين التأكد من صحة المعلومات ودقتها.
وتكشف المصادر ان الاتفاق الذي تم تحت الضغط الميداني وليس التفاوض كما حصل مع «النصرة»، وبعد موافقة الحكومة السورية يقضي بالآتي :
-المرحلة الاولى، اعلان امير «داعش» استسلامه مع كامل مجموعاته لحزب الله والجيش السوري.
- المرحلة الثانية خروج العائلات من مرطبيا باتجاه مدينة البوكمال عند الحدود السورية - العراقية.
-المرحلة الثالثة تقضي بخروج المسلحين عزلاً من اي سلاح مع الجرحى.
وعليه، فقد انتقلت ظهرا قوة من الجيش مجهزة بحفارات وجرافات، مع مجموعة من الامن العام والصليب الاحمر، برفقة دليل سوري الجنسية من «داعش»، الى الموقع الذي تم تحديده في منطقة وادي الدب الواقع بين رأس بعلبك وجرد عرسال، حيث باشرت عند الثانية ظهرا عمليات الحفر في الموقع الذي يقع داخل الاراضي اللبنانية، ليتم سحب ثماني جثث «اغلب الظن» انها تعود للأسرى العسكريين، وسط معلومات كان سبق التوصل اليها عن مبايعة احد العسكريين، وهو ابن اخت أبو طلال الحمد الملقب بالبلقيس أمير التنظيم يومذاك، وقيامه بتعذيب رفاقه طوال تلك الفترة، قبل ان ينتقل برفقة خاله الى الرقة، حيث تضاربت المعلومات حول مصيره، فيما كان كبار ضباط القيادة يتابعون مجريات الاوضاع من غرفة العمليات حيث كانت طائرة «سكان آي» تنقل الصور مباشرة من الموقع.
ومع ساعات المساء الاولى كانت المجموعة المولجة احضار الجثث قد انجزت مهمتها، عائدة الى بيروت في قافلة مؤلفة من عشرات السيارات امنت المواكبة لها سرية من فوج المغاوير في تحية الى الشهداء، لتنزل من الجرود عبر وادي حميد فمدينة الملاهي ومنها الى اللبوة باتجاه بدارو حيث وضعت الجثث في برادات المستشفى العسكري الى حين صدور نتائج فحوص الحمض النووي التي قد تمتد لثلاثة اسابيع، لارتباط ذلك بحالة الجثث وطريقة دفنها.
تزامن ذلك مع وصول 17 حافلة و10 سيارات اسعاف للهلال الاحمر السوري الى القلمون الغربي تمهيدا لنقل مسلحي «داعش» وعائلاتهم بعد اتمام بنود الاتفاق، في الوقت الذي ينتظر ان يطل فيه مساء اليوم السيد حسن نصرالله لاعلان النصر المبين.
رحلة الشهداء المسائية كان سبقها ظهرا الطلب من اهالي العسكريين التجمع في خيمة اعتصامهم في ساحة رياض الصلح، التي وصلها اللواء عباس ابراهيم ناقلا الى الاهالي الخبر، وقال: «للاسف كنت اتمنى ان ينتهي هذا الملف كالذي قبله، لكن مشيئة الله جاءت هكذا، وتحرير الارض والوقوف على الجبهات مرات كثيرة يستدعيان ان نقدم ارواحنا فداء للوطن». أضاف «في الوقت الذي وصلت فيه الى هنا، كان الجيش اللبناني والامن العام ينتشلان رفاتاً نعتقد شبه جازمين انه للعسكريين، وقد انتشلت رفات 6 اشخاص يعتقد انهم الجنود لانهم يلبسون رينجر عسكريا، لكن لا يمكن ان نثبت ذلك حتى تظهر نتيجة الفحوص العلمية، والعمل مستمر، ونتوقع ان يتصاعد العدد الى ثماني كما افادت عصابات داعش المجرمة». وتابع «أشد على ايدي اهالي العسكريين، كنت اريد ان يقفل هذا الملف كما اقفل الذي قبله، لكن خيارنا الاستشهاد، وكانت لدينا معلومات غير مؤكدة منذ اواسط شباط، ولو اننا تحدثنا فيها منذ ذلك الوقت لكان الوقع اصعب على الاهالي».
وذكر بالجثث «التي عثر عليها في الشتاء في منطقة معلولا واستغرق فحص الـ «دي.ان.اي» وقتذاك 3 اسابيع»، متمنيا ان «لا يستغرق الفحص الوقت ذاته الان» متحدثا عن شروط داعش لوقف اطلاق النار والتي رفضها «الا باتفاق شامل بنده الاول الكشف عن مصير العسكريين». واكد ان «قيادة داعش قد اجبرت تحت ضربات الجيش اللبناني على الانتقال الى داخل الاراضي السورية، وتولى حزب الله والدولة السورية التفاوض، ولا تزال هناك بعض الفلول في الاراضي اللبنانية. اما بالنسبة الى انتقالهم الى شمال سوريا، فقال: «هذا الموضوع له علاقة بمسار تفاوضي كبير خلفه دول، والذين استسلموا من داعش هم الذين ارشدونا الى مكان وجود رفات الجنود. معركة فجر الجرود لن تنتهي حتى رحيل آخر داعشي»، لافتا الى اننا «كنا نبحث على بعد امتار عن المكان الذي وجدنا فيه الرفات في وادي الدب داخل الاراضي اللبنانية»، ونافيا وجود مغارة.
وتوجه اللواء الى اهالي العسكريين بالقول: «باسمي وباسم قائد الجيش الذي تحدثت اليه قبل مجيئي الى هنا، أحيي صمودكم وصبركم، ويجب ان تعتزوا بأبنائكم لانها كانت ارادتهم، نحن لا نساوم ولم نساوم، نحن في موقع المنتصر وفرض الشروط، وستسلم الجثث للمستشفى العسكري والعلم سيقطع الشك باليقين من خلال الفحص». ولفت إلى أن هناك اتفاقا بين «حزب الله» والدولة السورية، وانه هو، أي اللواء ابراهيم، الطرف الثالث، مرجحا ان يتم انسحاب «داعش» باتجاه البادية او دير الزور. ونفى وجود معلومات عن المطرانين بولس اليازجي ويوحنا ابراهيم والمصور الصحافي سمير كساب.
يشار الى انه تم تسجيل عدة حالات من الاغماء بين الاهالي على وقع الصدمة، ومن بينها حسين يوسف والد العسكري محمد يوسف، الذي لم يستطع ان يتمالك نفسه مع تلقيه اتصال تعزية من العماد قائد الجيش بابنه وسائر الشهداء.
في الاثناء اشارت المعلومات الى ان قيادة الجيش ابلغت المعنيين انها لن تقبل اي مراوغة وانها لن تعلن وقف العمليات العسكرية الا بعد التأكد من فحوص «الدي.ان.اي»، ومعرفة مصير الاسرى التسعة بدقة، والا فانها غير معنية بأي اتفاقات تجري، مؤكدة ان الجيش سيدخل الكيلومترات العشرين الاخيرة ليكمل تحرير الارض بالكامل والوصول الى خط الحدود اللبنانية - السورية، حيث سيؤمن انتشارا دائما له لحماية تلك الحدود من اي عمليات تسلل.
وحول آلية الاعلان عن انتهاء العمليات العسكرية، اكدت المصادر ان الامر سيكون بشكل رسمي، كما كان الاعلان عن بدء العمليات، وان كان لم يحسم بعد القرار عما اذا كان سيصدر ببيان مقتضب عن مديرية التوجيه في قيادة الجيش ام بمؤتمر صحافي يحضره كبار الضباط.
من جهتها، اكدت مصادر مقربة من اليرزة للديار ان الجيش وفا بعهده وحرر الارض وكشف مصير الاسرى «مبدئيا»، رغم انه لن يعمد الى اصدار اي بيان حول هوية الجثث قبل صدور نتائج تحليل الحمض النووي، داعية الى عدم «تسخيف» الانتصار الذي تحقق بالشك واطلاق المعلومات المغلوطة، فما تحقق انجاز لبناني 100% وما كان ليتحقق لولا ضغط الجيش الكثيف الذي قلب موازين القوى، لافتة الى ان الكثير من الدول عمدت الى اعتماد هذا الاسلوب لكشف مخطوفين لديها، لذلك فان ما حصل بالامس لا يعد انكسارا، مذكرة بانه لا يمكن تحميل القيادة الحالية اي مسؤولية سياسية اذ اخذت على عاتقها كما القيادة السابقة اتخاذ كل اللازم لكشف مصير الاسرى، وقامت بالمعركة وحققت النصر، بعيدا عن اي مزايدات او مهاترات.
وفي اليوم الثامن انجزت المهمة واصبح الانتصار واقعا ... اخرج الدواعش وكشف مصير العسكريين الاسرى .... صحيح ان الفرحة الكبرى نغصتها صدمة الاستشهاد، غير ان الصحيح ايضا ان زمن الامارات الارهابية على الاراضي اللبنانية قد ولى الى غير رجعة طاويا معه صفحة جديدة من تاريخ هذا البلد الملطخة بالاحمر ..
الديار : اللواء ابراهيم للأهالي : لم نساوم فاعتزوا بأبنائكم لأن إرادتهم كانت الشهادة
الديار : اللواء ابراهيم للأهالي : لم نساوم فاعتزوا بأبنائكم...لبنان الجديد
NewLebanon
|
عدد القراء:
175
مقالات ذات صلة
الجمهورية : السلطة تحاول التقاط أنفاسها... والموازنة تفقدها...
الاخبار : السفير الروسي: الأميركيّون يهيّئون لفوضى في...
اللواء : باسيل يتوعَّد السياسيِّين.. ورعد...
الجمهورية : مجلس الوزراء للموازنة اليوم وللتعيينات غداً.....
الاخبار : الحريري بدأ جولة...
اللواء : هل يستجيب عون لطلب تأجيل جلسة المادة...
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro