صرّح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمام وفود أتت لترحب به في قصر بيت الدين، أنه وبعد «الاستقرار الامني والاستقرار السياسي، جاء دور الاستقرار الاقتصادي». وهذا يعني أن الحكومة مدعومة من مجلس النواب، ستعمدّ إلى وضع خطّة إقتصادية مع تشريعات قوانين تدعم النمو الإقتصادي.
في المُطلق هذا الأمر جيّد خصوصا أنه تمّ خلال فترة وجيزة، حلّ العديد من الملفات العالقة منذ سنين (حتى ولو كان الحلّ غير مثالي). وعلى أملّ إقرار موازنة العام 2017، والإنكباب على تحضير موازنة العام 2018، هناك ثلاثة ملفات ستفرض نفسها خلال الفترة المُقبلة وسيكون هناك إلزامية على الحكومة مُعالجة هذه الملفات.
الملف الإقتصادي
الوضع الإقتصادي تعيس جدًا خصوصًا مع تراجع المؤشرات الأساسية مثل الإستهلاك والإستثمار، وهما يُعتبران العامودين الأساسيين للإقتصاد. وتبقى هيكلية الإقتصاد اللبناني المُشكلة الرئيسية التي تواجهها الحكومة كما عبّر عنها رئيس الجمهورية بقوله أن «الإقتصاد الريعي هو أكبر جريمة أُرتكبت بحق الاقتصاد».
تظهر تعقيدات المُشكلة من خلال العجز المالي الهائل الذي ترزخ تحته المالية العامة مما يقضي على أي هامش تحرّك للحكومة خصوصًا في شق الإستثمارات التي تبقى من بعيد العامل الوحيد الذي يُحفّز النمو الإقتصادي.
إلزامية مُعالجة الشق الإقتصادي، تأتي بالدرجة الأولى من إرتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلّي الإجمالي والتي تجاوزت الـ 150%. وبالتالي يجب العمل على تحفيز النمو الإقتصادي للجم الدين العام الذي أصبح يُهدّد الكيان اللبناني.
ورشات العمل كثيرة وتفرض منهجية علمية دقيقة لمُعالجتها مع العلم أن بعضها يتطلّب وقتًا طويلًا وتناغمًا مع مشاريع أخرى، مما يفرض إدارة دقيقة للمشاريع تبدأ بخطّة إقتصادية يتمّ تقسيمها إلى مشاريع يكون تزامنها مُقرّرا ضمن نطاق زمني مُحدّد.
من هذا المُنطلق، سوف تزداد صعوبة هذا الأمر مع التعقيدات السياسية خصوصًا مع إقتراب موعد الإنتخابات النيابية والتي ستزيد من حدّة المزايدات السياسية بين الأحزاب (داخل وخارج السلطة).
الملف الإجتماعي
إن إقرار السلّة الضريبية التي واكبت قانون سلسلة الرتب والرواتب ستكون له حتمًا تداعيات إجتماعية كبيرة خصوصًا من ناحية فقدان القدرة الشرائية لأكثر من مليون أسرة لبنانية. وتُشير الحسابات إلى أن هذه الضرائب ستنقل 170 ألف من الطبقة الوسطى إلى الطبقة الفقيرة. في المُقابل هناك 250 ألف موظف في القطاع العام وأساتذة المدارس الخاصة، إستفادوا من هذه السلسلة وبالتالي هناك عدالة إجتماعية جزئية.
الإرتباك الإجتماعي الذي خلّفته السلة الضريبية ستظهر أولى بوادره مع بدء العام الدراسي وبدء دفع الشق الأول من الأقساط المدرسية. وسيواكب هذا الأمر إرتفاع في الأسعار ما بين 10 إلى 15% قد يصل في بعض الأحيان إلى 30% نتيجة جشعّ بعض التجار. من هنا كانت توجيهات رئيس الجمهورية إلى وزير الإقتصاد بالتشدّد في المراقبة، لكن هذا الأمر يبقى رهن قدرة 140 مراقبًا في وزارة الإقتصاد على مراقبة 80 ألف مؤسسة تجارية.
الملف القانوني
الفترة المُقبلة ستشهدّ حكمًا تجاذبات من ناحية تطبيق القوانين في لبنان. ولن ندخل هنا في الشق السياسي، بل سنكتفي بتحليل القوانين التي تتعلّق بالحياة الإقتصادية والإجتماعية. وعلى هذا الصعيد، نرى أن تطبيق القوانين على كل المواطنين والمؤسسات التجارية والصناعية والزراعية سيخلقّ مُشكلة الغطاء السياسي الذي يتمتّع به بعض المُستفيدين من عدم تطبيق القوانين.
فتطبيق القوانين على المواطنين سواسية قد يُشكّل تحديا كبيرا للحكومة اللبنانية من خلال عدم قدرتها على فرض سلطتها المالية على كل الأراضي اللبنانية لدرجة قد تصلً إلى شللّ سياسي.
عائقان أساسيان أمام الحلول
إن مُعالجة الملفات الآنفة الذكر ستواجهها عوائق كثيرة أهمّها عائقيان أساسيان سيكون لهما كلمة الحسم:
العائق الأول: عدم قدرة الحكومة على لجم الإنفاق العام وخاصة كتلة الأجور ودعم مؤسسة كهرباء لبنان واللذين يُعتبران سببًا أساسيًا في إرتفاع العجز ومعه الدين العام. وإذا كانت الحلول التقنية للجم الإنفاق موجودة مثل تخفيض كل بنود الموازنة 1% أو مُعالجة البنود الأكثر إستهلاكًا لخزينة الدولة، إلا إن العائق الثاني وهو الإنقسام السياسي، سيمنع تطبيقها.
العائق الثاني: الإنقسام السياسي والذي يمنع وضع حلول جذرية لمُشكلة الإنفاق كما ووضع الخطط الإقتصادية وغيرها من المشاريع الإقتصادية وتطبيق القوانين على كل المواطنين. هذا الإنقسام الحزبي – المذهبي – الداخلي – الخارجي سيزداد حدّة مع إقتراب الإنتخابات النيابية في العام 2018 وسيكون ثمنه إرتفاع الدين العام (مقالة «التخبُّط السياسي يزيد كلفة الدين العام» في الجمهورية – تاريخ 4 شباط 2017).
الحلّ بالقواسم المُشتركة
الإرتباك الإجتماعي الذي ستخلقه تداعيات السلّة الضريبية ممزوجة بركود إقتصادي قد يؤدّي إلى إضطرابات وتظاهرات شعبية ستدفع بدون أدنى شك الأفرقاء السياسيين إلى الجلوس والتحدّث. إلا أن الحوار البنّاء يبقى الأداة الأساسية لتخطّي هذه الإنقسامات والإتفاق على قواسم مُشتركة بحكم أن الأزمات الإقتصادية والإجتماعية ستطال كل المواطنين بغضّ النظر عن إنتمائهم السياسي والمذهبي.
يبقى القول أن المواطن اللبناني والأفرقاء السياسيين موجودون في قارب واحد تحت تأثير عاصفة، لذا من الحكمة العمل معًا لتخطّي هذه الأزمة الإقتصادية – المالية – الإجتماعية التي قد تُطيح بالكيان اللبناني.