في وقت تتسارع فيه التطورات الميدانية في الداخل السوري، حيث يبدو أن الجيش السوري بدأ تعويض خسائره العسكرية في مناطق غرب سوريا ذات الأهمية الاستراتيجية، تغيّر المشهد الساسي، حيث بدأ الدبلوماسيون الأميركيون والسعوديون يطلبون من المعارضة السورية أن تتصالح مع الوقائع الجديدة في سوريا والقبول بواقع بقاء الرئيس السوري بشار الأسد، وفي ذات الوقت تقطع الدول الأجنبية دعمها عن المعارضة، وفقاً لما ذكرته وكالة أسوشيتيد برس
 

ومع دخول الحرب في سوريا منتصف عامها السابع، تتقاسم عدة قوى السيطرة على البلاد، ويسيطر الآن الأسد وحلفاؤه على أكبر أربع مدنٍ في سوريا بالإضافة إلى ساحل البلاد المطلّ على البحر المتوسط. وبمساعدة سلاح الجو الروسيّ والمجموعات المدعومة من إيران، تتقدَّم قوات الأسد عبر محافظة حمص الغنية بموارد الطاقة متجهةً إلى وادي نهر الفرات.

وتشير الوكالة الأميركية إلى أن داعمي المعارضة الغربيين والإقليميين يركِّزون الآن بصورةٍ أكبر على السعي وراء مصالحهم الخاصة بدلاً من تغيير النظام في دمشق، مضيفةً أنهم يحولون تحالفاتهم كما أنهم توقّفوا عن المطالبة بتنحّي الأسد.

أميركا والسعودية

روبرت فورد، السفير الأميركي السابق لدى سوريا، قال: "ليس هناك من ترتيبٍ عسكري يمكن تصوُّره باستطاعته الإطاحة بالأسد. وقد أدرك الجميع، ومن بينهم الولايات المتحدة، أنَّ الأسد باقٍ".

ومع جولةٍ جديدة من المحادثات حول سوريا في مفاوضات جنيف التي ترعاها الأمم المتّحدة، يجري إبلاغ المجموعة الرئيسية المُمثِّلة للمعارضة، وهي الهيئة العليا للمفاوضات، حتى من قِبل أقرب رعاتهم، بأنَّهم سيخاطرون بالانفصال عن حقيقة الوضع إذا لم يتأقلموا مع الوقائع الجديدة.

وطبقاً لما ذكره أحد المحاوِرين المُطَّلعين على هذه المسألة، فقد قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير للمعارضة إنَّ الوقت حان لصياغة "رؤيةٍ جديدة".

إلاّ أن المعارضة السورية يصعب عليها تقبل هذا الشيء، وقد عقدت بدورها سلسلةً من الاجتماعات كجزءٍ من عملية إعادة تقييمٍ استمرت لشهور حتى الآن، ويُتوقَّع من الأعضاء في نهايتها أن يحصروا أهدافهم ويجددوا قيادتهم.

وفي اجتماعٍ عُقِد على مدار يومين في الرياض بقصد محاولة تقريب وجهات النظر بين جماعات المعارضة السياسية الثلاث الكبرى وخروجهم برؤيةٍ موحَّدة تضع في اعتبارها الوقائع السياسية والعسكرية الجديدة، ظهرت الانقسامات بين صفوف المعارضة مجدداً في أوضح صورها.

فقد تمسَّكت الجماعة الرئيسية الممثلة للمعارضة، الهيئة العليا للمفاوضات المرتكزة في الرياض، علانيةً بموقفها القائم على ضرورة تنحي الأسد قبل المباشرة في أيِّ انتقالٍ سياسي. وفي بيانٍ لها، قالت الهيئة إنَّ جماعة المعارضة المعروفة باسم "منصة موسكو" أصرَّت على أنَّ رحيل الأسد يجب ألّا يكون شرطاً مُسبَقاً للمفاوضات.

وقال أحمد رمضان من التحالف الوطني السوري، وهو أبرز الكتل في الهيئة العليا للمفاوضات، التي لطالما اتخذت بدورها موقفاً متشدداً ضد الأسد: "نرفض أي دورٍ للأسد في الفترة الانتقالية".

لكن داخلياً، هناك حديث عن إعادة هيكلة الهيئة العليا للمفاوضات لإعطاء مساحةٍ لأصواتٍ أكثر توافقية في صفوف المعارضة، وتتمثَّل تلك الأصوات في مُمثِّلين مقيمين بالقاهرة وموسكو، سخرت منهم جماعاتٌ داخل الهيئة العليا للمفاوضات باعتبارهم "معارضة داخلية"، وذلك نظراً لما يرون بأنَّ علاقتهم ودية مع دمشق.

ويأتي هذا بإلحاحٍ من المبعوث الأممي إلى سوريا، ستافان دي ميستورا، الذي قضى الجزء الأكبر من محادثات جنيف الأخيرة في محاولاتٍ للتوفيق بين الهيئة العليا للمفاوضات ومجموعتي المعارضة في القاهرة وموسكو.

مصالح حلفاء المعارضة

وبالنسبة للولايات المتحدة، يعني هذا التركيز على حربها ضد "داعش" واحتواء النفوذ الإيراني في سوريا، من أجل حماية حليفتها إسرائيل.

وكذلك تريد السعودية أيضاً احتواء غريمتها الإقليمية، إيران، فضلاً عن انتزاع النفوذ من قبضة قطر، التي يُنظَر إليها على أنَّها داعمةٌ أساسية للهيئة العليا للمفاوضات وبعض جماعات المعارضة على الأرض.

وفي المقابل، فإنَّ أولوية أنقرة القصوى الآن هي السيطرة على تمدُّد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي المدعوم أميركياً في شمال سوريا، وهو ما تخشى تركيا أن يُحفِّز الانفصالية الكردية في شرق تركيا.

وفي الواقع، لم تتحد تلك الدول هيمنة الأسد عسكرياً بصورةٍ جدية في السابق، الأمر الذي يترك الأوراق كلها في يد روسيا وإيران.

وقد تجنَّب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بحساسيةٍ شديدة قصف قوّات الأسد، حتى بعدما خلُصت إدارته إلى تجاوز دمشق "الخط الأحمر" الذي وضعه الرئيس ضد استخدام الأسلحة الكيميائية؛ وتفيد تقاريرٌ بأنَّ وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون أخبر الامين العام للأمم المتحدة في تموز الفائت أنَّ إدارة ترامب ستترك مصير سوريا في يدي روسيا.

وليس واضحاً ما ستحقّقه الهدنات على المدى الطويل. و الأمر ذاته يُقال عن عملية إعادة توجيه المعارضة، إذا ما تمَّ ذلك بالفعل.

ومع تراجع وضع مقاتلي المعارضة، يقول خبراء إن النظام لا يواجه ضغوطاً لتقديم تنازلات على طاولة المفاوضات، خصوصاً بالنسبة لمسألة مستقبل الأسد، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.

(هافنغتون بوست)