تشهد الساحة السياسية الشيعية في العراق حراكاً لافتاً قبل الانتخابات النيابية المرتقبة في عام 2018، في خلط للتحالفات الداخلية والإقليمية، لن تبقي "التحالف الوطني العراقي" الشيعي على حاله، كما كان في انتخابات عامي 2010 و2014.

وأبرز حدثين في هذا الحراك هما: انسحاب رئيس "المجلس الإسلامي الأعلى" السيد عمار الحكيم، وهو أيضاً رئيس "التحالف الوطني العراقي"، من "المجلس الأعلى" وتأسيسه حزباً جديداً هو "تيار الحكمة الوطني"، وزيارة زعيم "التيار الصدري" السيد مقتدى الصدر إلى السعودية والإمارات في وقت يشتد فيه الصراع بين هاتين الدولتين من جهة، وبين إيران وحلفائها في لبنان وسوريا والعراق والبحرين واليمن من جهة مقابلة.

هذان الحدثان يراهما البعض محاولة لتشكيل تيار شيعي عراقي مستقل عن إيران ومنفتح على العرب السنّة في العراق وعلى الجوار الخليجي والعربي.

ففي 24 تموز يوليو الماضي، أعلن عمار الحكيم، عن تأسيس تيار "الحكمة الوطني"، موضحاً أن التيار الجديد "سيعمل مع كل أبناء العراق إلى خوض الانتخابات الديمقراطية بعناوين جامعة وشاملة لكل الطيف العراقي والخروج من التخندقات المذهبية والقومية والانطلاق بأفق سياسي جديد، حيث يجب أن يكون العراق المتصالح مع نفسه".

وفي محاولة لتمييز حزبه الجديد عن الأحزاب الشيعية الحالية، وبينها "المجلس الأعلى" الذي ترأسه منذ وفاة والده عبد العزيز عام 2009، الذي خلف شقيقه محمد باقر الحكيم بعد اغتياله في تفجير انتحاري في النجف في آب – أغسطس 2003، قال عمار الحكيم: "عراق 2017 يختلف كثيراً عن عراق 2003.. إننا نؤمن أن قضايا الأمة الكبيرة يجب أن تتفاهم عليها الدول الشقيقة والصديقة الفاعلة والمؤثرة، وسيقوم العراق بدوره المحوري بين جميع إخوته في المحيط الإقليمي وصولاً إلى تفاهمات تحفظ دول المنطقة وتنمية شعوبها وتقطع الطريق أمام التدخلات الدولية السلبية والخروج من حالة الاستقطاب المنهكة للجميع".

وفي لقاء له مع مبعوث الرئيس الأمريكي للتحالفِ الدوليّ لمكافحةِ الإرهاب، بيرت ماكغورك في 20 من آب/اوغسطس، قال الحكيم في إشارة الى كيانه السياسي الجديد، أن "الكتلةَ الوطنيةَ العابرة للطائفيةِ حلٌّ يتماشى مع طبيعةِ المرحلة". وفي تأييد للإتجاه الجديد لعمار الحكيم، قال ماكغورك للحكيم أن بلاده مستمرة في "تشجيعِ دول المنطقة بالانفتاحِ على العراقِ".

كلام الحكيم يشير إلى مقاربة جديدة تقوم على "الخروج من التخندقات المذهبية والقومية" والانفتاح على سنّة العراق بشكل خاص، والتفاهم مع دول الجوار والنأي بالعراق عن محاور الصراع في المنطقة.

ويقول مدير "مركز التفكير السياسي" في بغداد إحسان الشمري للمونيتور أن هناك خلافات كبيرة بين الحكيم والقيادات الأخرى في "المجلس الأعلى" منذ تولي الحكيم لرئاسة المجلس خلفاً لوالده، باعتبارهم "أقدم عهداً في المجلس وأكبر سناً وأكثر خبرة ونضالاً". ويعتبر الشمري أن أبرز هذه الخلافات هو اتهام القيادات الأخرى للحكيم بأنه يتخذ القرارات بشكل منفرد دون العودة إلى الهيئة القيادية.

يقول مصدر قريب من أسرة الحكيم للمونيتور، طالباً عدم الكشف عن اسمه، إن عمار الحكيم كان قد اقترح على قيادة المجلس الأعلى إدخال بعض الكوادر الشابة إلى الهيئة القيادية لكن القياديين المخضرمين رفضوا ذلك. كما أن الحكيم أدخل بعض الشباب في بعض المواقع والمؤسسات في "المجلس الأعلى" مما أثار اعتراض القيادات الأخرى في المجلس، معتبرين أنه يقوم بإدخال كوادر محسوبين عليه إلى المؤسسات للهيمنة عليها.

ويعتبر المصدر نفسه أن الحكيم يرى في "تيار الحكمة" فرصة للتخلص من عبء "المجلس الأعلى" الذي لم يعد صالحاً كإطار سياسي وفكري لهذه المرحلة السياسية، خصوصاً أن المجلس أنشئ كمظلة للأحزاب الإسلامية المعارضة لنظام صدام حسين بين عامي 1982 و2003، وأصبح حزباً مستقلاً بعد انسحاب معظم الأحزاب منه.

مصدر مقرب من الهيئة القيادية في المجلس الأعلى تحدث للمونيتور، طالباً عدم الكشف عن اسمه، قال إن قيادات "المجلس الأعلى" التاريخية كهمام حمودي وباقر الزبيدي وصدر الدين القبانجي وجلال الدين الصغير "يجدون في أنفسهم مكانة وتأثيراً سياسياً أكبر من عمار الحكيم وهم لهم علاقاتهم بإيران أقوى من علاقات الحكيم الذي يحاول أن يكون وسطاً بين حراك مقتدى الصدر السياسي وفصائل "الحشد الشعبي" الأقرب إلى طهران". ويضيف أن الحكيم "يحاول أن يوجد علاقة بالمحيط العربي ويحافظ على علاقته مع طهران، لذا التجأ لتشكيل هذا التيار على أمل تقديم وجوه جديدة شابة للاقتراب أكثر من سنّة العراق، وهي ورقة سبقه اليها مقتدى الصدر على حساب علاقته بطهران".

وكان عضو الهيئة القيادية في "المجلس الأعلى" باقر جبر الزبيدي، قد أشار إلى عدم رضا القيادة الإيرانية عن خروج الحكيم من "المجلس الأعلى"، إذ قال الزبيدي إن الحكيم أرسل رسالة إلى المرشد علي خامنئي بهذا الشأن، فرد الأخير بأن "خروجك من المجلس الأعلى ليس فيه مصلحة، وليس صحيحاً".

وعلى الرغم من العلاقة القوية والتاريخية بين عائلة الحكيم و"الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، إلا أن عمار الحكيم قد تميّز بسياسة مستقلة نسبياً، وهو ما تجلّى في دعمه أياد علاوي لمنصب رئاسة الوزراء ومعارضته ترشح المالكي لولاية ثانية بعد انتخابات 2010، خلافاً لرغبة إيران. لكن الحكيم الذي يحافظ على علاقات جيدة بالدول العربية والخليجية، لن يقوم بخطوات تزعج إيران وحلفاءها في العراق، على غرار مقتدى الصدر، فهو اعتذر عن زيارة الرياض بسبب استمرار حرب اليمن وأزمة البحرين، بحسب المصدر القريب من الحكيم.

ولا يستبعد المصدر نفسه أن يتحالف الحكيم مع الصدر ورئيس الوزراء حيدر العبادي في الانتخابات في مقابل تحالف نوري المالكي والأحزاب الشيعية الأخرى القريبة من إيران. فالثلاثة يتفقون على: رفض عودة المالكي إلى الحكم، واعتماد خطاب وطني يرتكز على المواطنة والتعددية لاجتذاب السنّة و"المدنيين"، وعدم التبعية لإيران والنأي بالعراق عن سياسة المحاور، والرجوع إلى مرجعية السيد علي السيستاني.