يد طولى للرئيس التركي رجب طيب أردوغان تمتد لمحاربة الخصوم في الخارج ومشاغلة الغرب والمنطقة
 

عكست القرارات التي اتخذتها الحكومة التركية، الجمعة، بشأن المخابرات حالة التوجس التي ما زالت مستمرة لدى النظام السياسي في تركيا، وسلطت الضوء على المنحى الاستبدادي الذي يتجه إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ الاستفتاء على إصلاحات دستورية في السادس عشر من أبريل الماضي، نقلت البلاد من نظام حكم برلماني إلى نظام رئاسي.

ويجعل مرسوم جديد جهاز المخابرات الوطنية مرتبطا بالرئيس بعد أن كان مرتبطا برئاسة الوزراء، فيما ستقود الرئاسة هيئة جديدة أطلق عليها “مجلس تنسيق المخابرات الوطنية”.

وبحسب المرسوم، ينبغي الحصول على إذن من الرئيس أردوغان للتحقيق مع رئيس المخابرات الوطنية. كما يتعين الحصول على موافقة الرئيس على أي طلب متعلق برئيس المخابرات، وهو حاليا هاكان فيدان، للإدلاء بشهادة في المحكمة.

وعززت القرارات سلطة أردوغان على جهاز المخابرات الوطنية في مسعى ليكون ذراعه الخارجية المستقلة بموجب قانون الطوارئ الذي فرضته أنقرة بعد محاولة انقلاب فاشلة في الخامس عشر من يوليو 2016.

وتوقفت مراجع دبلوماسية غربية في أنقرة عند المرسوم الذي ربط رئاسة جهاز المخابرات الوطنية برئاسة الجمهورية.

وقال دبلوماسيون إن صدور قرار بطرد المئات من الموظفين بالتزامن مع القرار المتعلق بالمخابرات، يوحي بأن لبسا شاب علاقة الرئاسة بالمخابرات منذ محاولة الانقلاب، وأن طبيعة التحديات التي تواجه وستواجه نظام الحكم في أنقرة، داخليا وخارجيا، باتا يتطلبان إشراف أردوغان شخصيا على أنشطة الجهاز وسياسات رئيسه.

وجاء في أحد المرسومين أن مكتب رئيس الادعاء العام في أنقرة ستكون له سلطة استجواب أعضاء في البرلمان في ما يتعلق بجرائم يزعم ارتكابها قبل أي عملية انتخابية أو بعدها.

ويمنح المرسوم جهاز المخابرات مسؤولية إجراء الخدمات الاستخبارية المتعلقة بوزارة الدفاع وموظفي القوات المسلحة التركية.

ولفت مراقبون للشؤون الأمنية، لا سيما تلك المتعلقة بترتيبات الشأنين السوري والعراقي المجاورين لتركيا، بأن إشراف الرئيس التركي على جهاز المخابرات يرتبط أيضا بإدارة ملفات البلاد في شأن مكافحة حزب العمال الكردستاني وامتداداته في شمال العراق وسوريا.
وأضافوا أن الجهاز مسؤول عن العلاقات المشبوهة التي نسجتها تركيا في السنوات الأخيرة مع الجماعات الجهادية جميعها، بما في ذلك تنظيما داعش والنصرة، حسب تقارير أمنية غربية، وأن أردوغان يريد الإمساك بالمخابرات عن قرب لإدارة شبكة العلاقات هذه بما يخدم الأجندة التركية المقبلة.

وتؤكد مصادر إعلامية تركية أن الخطط التي ترسم لتفاهمات معينة في العراق وسوريا تتطلب تحرك الجماعات الجهادية الموالية لأنقرة وفق سيناريوهات مرسومة تتطلب ضبطا لحركة هذه الجماعات وفق مساحات التقاطع مع روسيا وإيران والولايات المتحدة.

بيد أن ناشطين أتراكا اعتبروا أن القرارات الجديدة هي جزء من سياق كامل للقضاء على الاختلاف والتنوع والتعدد السياسي والحقوقي والإعلامي في البلاد.

واعتبرت أوساط سياسية تركية مطلعة أن الإجراءات التي تتخذها حكومة حزب العدالة والتنمية تثبت أن أردوغان والحزب الحاكم يشعران بضعف بنية النظام السياسي الذي يتعرض لانتقادات داخلية وخارجية، ناهيك عن حالة الفوضى التي تشوب سياسة تركيا الخارجية، والتي جعلتها في حالة توتر مع الولايات المتحدة وروسيا والحلفاء الأطلسيين، إضافة إلى غموض علاقات تركيا مع الدول المجاورة في الشرق الأوسط.

وترى هذه الأوساط أن أردوغان، ورغم حملات التطهير التي خاضتها حكومته داخل الأجهزة الحكومية المدنية والعسكرية والأمنية، ورغم تمرير الاستفتاء الدستوري، ولو بأغلبية ضئيلة (51.3 بالمئة)، فإنه ما زال يوحي للأتراك والعالم بأن البلاد مفتوحة على احتمالات الانقلاب على حكمه، ومن خلال أجهزة الدولة نفسها.

غير أن مصادر تركية معارضة تؤكد أن الفريق الحاكم يعمل على تخليص مؤسسات الدولة من أي صوت معارض من خلال اتهامه بالانتماء إلى ما يطلق عليه اسم “الكيان الموازي”، في وصف رسمي لتيار الداعية التركي فتح الله غولن المقيم في بنسلفانيا في الولايات المتحدة منذ عام 1999. وتؤكد هذه المصادر أن هذه الاتهامات كيفية لا تستند إلى أي وقائع، وأن حالات الطرد الجماعي تنفذ دون أي مراقبة قانونية مواكبة، بما يبعدها أكثر فأكثر عن الاقتراب من عضوية تركيا للاتحاد الأوروبي.

وسبق وأن اتهمت الروائية التركية أليف شفق، الرئيس أردوغان بأنه يقود البلاد إلى نفق مظلم لا نهاية له.

وقالت إن أسلوب أردوغان في الحكم زاد استبدادا مع مرور الوقت.

وأقالت تركيا أو أوقفت عن العمل ما يربو على 150 ألف مسؤول في عمليات تطهير منذ الانقلاب الفاشل كما تحتجز نحو 50 ألفا انتظارا لمحاكمتهم ومن بينهم أفراد من الجيش والشرطة وموظفون.

وكانت الجمعية العامة بالبرلمان وافقت منتصف يوليو الماضي، على مذكرة قدمتها الحكومة من أجل تمديد حالة الطوارئ في البلاد 3 أشهر إضافية.

وكان البرلمان التركي وافق بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في يوليو من العام الماضي على مذكرات مقدمة من قبل رئاسة الوزراء بخصوص فرض وتمديد حالة الطوارئ.