في الوقت الذي كانت فيه مدفعية الجيش وطائراته تضيّق الخناق على مسلحي «داعش» تمهيداً للمرحلة الأخيرة من عملية فجر الجرود، وتنعى القيادة مجنداً استشهد في رأس بعلبك، كانت تداعيات المواقف الأخيرة للأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، تستمر فصولاً في ما يشبه إيجاد بلبلة، تمس في بعض جوانبها الإجماع الداخلي، وتفتح الباب امام تجاذبات جديدة، لا تنفع في استثمار «النصر الآتي» من الجرود، في تدعيم الاستقرار السياسي والحكومي، وإن كانت المعلومات الخاصة بـ«اللواء» تؤكد ان لا إنعكاسات سلبية للسجالات على الوضع الحكومي، ولا حتى العمليات الجارية لإنهاء «الارهاب» في جرود القاع ورأس بعلبك.
وقالت مصادر سياسية ان محاولات البعض النيل من دور الحكومة في إعادة لبنان إلى المشهد الدولي والإقليمي والعربي لجهة انها صاحبة القرار في ما خص السيادة والعلاقات مع الدول، وإعادة تنشيط الحياة السياسية والاقتصادية، واستعادة العافية.
بدورها، أعربت مصادر مطلعة عن عدم ارتياح بعبدا للسجال الذي اندلع بين تيّار المستقبل وحزب الله، غداة إطلالة الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله والتي دعا فيها الحكومة إلى «مفاوضة النظام السوري» و«داعش» حول الوضع الميداني، ولاستعادة الجنود المخطوفين لدى تنظيم «داعش» الارهابي.
وأمس، غادر الرئيس سعد الحريري بيروت، في إطار زيارة تقوده إلى باريس، حيث سيلتقي الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في الاليزيه الخميس في 31 الجاري، كما انه سيلتقي رئيس الوزراء إدوار فيليب ورئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه ورئيس الجمعية الوطنية كلود بارتولون ووزير الخارجية جان ايف لودوريان ووزير الدفاع فلورانس بارلي.
وعليه، فإن جلسة مجلس الوزراء التي تقرر ان تعقد الخميس من كل أسبوع، لن تعقد بسبب وجود رئيس الحكومة في الخارج.
وعلمت «اللواء» ان مجلس الوزراء سيعقد جلسات له في المناطق، بعد عيد الأضحى المبارك، وستكون أولى هذه الجلسات في محافظة الشمال، لبحث مطالب المحافظات والمناطق واتخاذ ما يلزم من قرارات بشأنها.
وكان لافتاً للانتباه السجال الذي اندلع أمس بين الوزيرين جمال الجراح ونقولا تويني، على خلفية اتهام الأخير للاول بالفساد في وزارة الاتصالات، ما استدعي رداً من الجراح، ورد على الرد من تويني، تبادل فيها الطرفان الاتهامات «بالعدوانية» و«البطولات الوهمية» وكلمات لم تخل من تجريح شخصي.
الا ان مصدراً وزاريا قلّل من شأن هذا السجال على الوضع الحكومي.
عناصر ضاغطة
سياسياً، فرضت مواقف السيّد نصر الله، من موضوع المفاوضات مع تنظيم «داعش» الارهابي، واشتراط النظام السوري ان يكون هناك تنسيق علني معه من الحكومة اللبنانية، نفسها عنصراً ضاغطاً على الساحة المحلية سياسياً، وعلى معركة «فجر الجرود» التي يخوضها الجيش اللبناني بكفاءة شهد لها العالم، فيما هو يستعد ليوم الحسم والانتصار على التنظيم الارهابي، والذي ترجح المصادر المطلعة ان يكون قريباً جداً.
وإذا كان تيّار «المستقبل» الذي يرأسه الرئيس سعد الحريري قد سارع إلى الرد على مواقف السيّد نصر الله، واضعاً النقاط على الحروف، سواء في ما يتعلق بالمفاوضات مع «داعش»، معتبراً انه يبتز الحكومة اللبنانية في قضية الكشف عن مصير العسكريين المخطوفين، أو في ما يتعلق بالمعادلة الثلاثية: «جيش وشعب ومقاومة» باضافة الجيش السوري إليها، مما أدى إلى نسفها، بعدما فقدت صلاحية الإجماع الوطني ووضعت الجيش والشعب اللبناني خارجها تلقائياً، فإن مصادر معنية، تعتقد ان هذه المواقف والردود عليها، لن يكون لها انعكاس سلبي على الوضع الحكومي، رغم انه بالكاد خرج سليماً إلى حدّ ما وبأقل جروح من أزمة زيارة الوزراء الثلاثة إلى سوريا، وقبلها أزمة طرح التفاوض مع النظام في مسألة عودة النازحين السوريين، وكلها طروحات لم تكن تقصد سوى الضغط لتعويم النظام السوري.
وفيما أوضحت مصادر عسكرية ان الجيش اللبناني غير معني بالمفاوضات وهو لم يفاوض يوماً، لأن هذا الأمر من شأن الدولة، قالت مصادر حكومية من جهتها ان موضوع التفاوض مع الحكومة السورية في قضية العسكريين المخطوفين مرفوض رفضا قاطعا وغير مطروح، على اعتبار ان هذه القضية في عهدة الجهات الأمنية المختصة، وفي عهدة القيادة العسكرية التي سبق ان أعلنت غير مرّة انها لن تذهب إلى التفاوض مع داعش قبل الكشف عن مصير هؤلاء العسكريين.
ولفت وزير شؤون النازحين معين المرعبي لـ «اللواء» ان موضوع التفاوض منع النظام السوري موضوع خلافي واضراره أكثر من فوائده، وقال: «لم ننس اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ولا وسام الحسن ولا محمد شطح. كما لم ننس ميشال سماحة ولا متفجرات جامع السلام والتقوى.
وعن عملية التفاوض مع «داعش» وما قاله السيد نصرالله في هذا الموضوع، أجاب: إذا كان حزب الله وكلاء عن «داعش» فيجب أن نعلم ،مذكرا أن اللواء عباس إبراهيم أوكل بموضوع العسكريين المخطوفين.
إلى ذلك كشف المرعبي انه كان أول من آثار في الجلسة السابقة للحكومة موضوع وصول قوة الطاقة الكهربائية بالفولتاج من سوريا بنسبة 20% أقل من النسبة التي يجب أن تصل بها إلى لبنان، معلنا أن 53 الف فولت يصل بدلا من 66 الف كما أن التجهيزات الكهربائية ليست سليمة.
اما رئيس حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع فقد اعتبر ان مواقف السيّد نصر الله تلحق الأذى والضرر بالجيش اللبناني من خلال تأكيده على التنسيق في معركة «فجر الجرود» بين الجيشين اللبناني والسوري وحزب الله، في وقت يعرف ان تأكيدا من هذا النوع يضر بالجيش، حيث العديد من الدول التي تساعده باشكال مختلفة ستوقف دعمها في حال تبين انه ينسق معهما.
وإذ اعتبر ان معادلة نصر الله: جيش، شعب، مقاومة، جيش سوري، وحشد شعبي عراقي وحرس ثوري إيراني، لا يمكن القبول بها، استهجن استخدام ملف العسكريين المخطوفين أداة للضغط على الحكومة اللبنانية لاجراء محادثات رسمية وفوق الطاولة مع الحكومة السورية، حازماً بان لا تنسيق مع النظام السوري الذي وصفه «بالداعشي أكثر من داعش».
«تغريدة» السبهان
على ان اللافت، وسط هذه المواقف، كانت «تغريدة» وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان على موقعه عبر «تويتر»، حيث قال: «ان جهود الجيش اللبناني ومحافظته على أمن واستقرار وطنه تثبت انه لا يحمي الدول الا مؤسساتها الشرعية الوطنية، وليست الطائفية هي من يبني الدول».
ولاحظت مصادر مطلعة، ان «تغريدة» الوزير السعودي تحمل اشادة بالجيش اللبناني ودعما غير محدد له في معركته ضد الإرهاب، بقدر ما تحمل ردا على مباشر على مواقف السيّد نصر الله وحزب الله، من خلال التأكيد على وجوب حصرية السلاح بيد الجيش اللبناني والدولة، والوقوف وراء المؤسسة العسكرية الوطنية المكلفة، حصرا ورسميا بحماية الحدود وتطهير الجرود من التنظيمات الإرهابية، بحسب تعبير بيان تيّار المستقبل أمس الأوّل.
يُشار إلى ان الوزير السبهان التقى مساء أمس وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في مكتبه في الوزارة وجرى عرض لآخر التطورات في لبنان والمنطقة والعلاقات الثنائية بين البلدين.
وتوقعت مصادر مطلعة ان يزور السبهان قصر بعبدا، قبل انتهاء زيارته للبنان، استناداً إلى البروتوكول، علما ان برنامج الرئيس ميشال عون كان حافلا أمس، وكذلك اليوم، حيث دشّن طريق القديسين الذي يربط قضاءي جبيل والبترون، وافتتح بيت الراحة في دير القديسة رفقا في جربتا البترون وتفقد أعمال طريق تنورين التحتا – وتنورين الفوقا، وهو سيشارك اليوم في الاحتفال الذي سيقام برعايته لمناسبة الذكرى 72 لتأسيس الأمن العام اللبناني في مبنى المديرية، وستكون كلمة مهمة في المناسبة.
«فجر الجرود»
وفي اليوم السابع من عملية «فجر الجرود»، واصلت مدفعية الجيش وطائراته قصف ما تبقى من مراكز تنظيم داعش الارهابي في وادي مرطبيا، واستهداف تحركات الارهابيين وتجمعاتهم ما أسفر عن سقوط عدد من الإصابات في صفوفهم، بحسب بيان مديرية التوجيه في قيادة الجيش، الذي أكّد ان القوى البرية تتابع تضييق الخناق على المسلحين، والاستعداد لتنفيذ المرحلة الأخيرة من عملية فجر الجرود، وهذه أوّل إشارة عن القيادة إلى ان المرحلة الرابعة هي الأخيرة من المعركة، والتي يتوقع ان يبدأ تنفيذها عند انتهاء الفرق المختصة في فوج الهندسة من شق طرقات جديدة وإزالة العبوات والالغام والاجسام المشبوهة من مختلفة المناطق التي حررها الجيش.
ولفتت مصادر ميدانية ان المرحلة الرابعة من المعركة قد تكون الأصعب، خصوصا ان نقطة تمركز المسلحين في وادي مرطبيا مليئة بتضاريس صعبة جدا، فيما نقلت قناة «المنار» عن مصدر عسكري قوله ان الجغرافيا المتبقية للقضاء على داعش صعبة ووعرة، وسيكون هناك قرار عسكري حاسم، بعيدا عن التفاوض للقضاء على الجماعات الإرهابية، لكن معلومات أخرى توقعت ان لا تكون المعركة صعبة، لأن معنويات المسلحين في الحضيض، وهم يفرون إلى الداخل السوري نتيجة كثافة نيران مدفعية الجيش في اتجاه تجمعاتهم ومواقعهم والتي باتت مرصودة تماماً من قبل الجيش.
وفي المقلب السوري، أفاد الإعلام الحربي التابع لحزب الله «ان الجيش السوري و«حزب الله» سيطرا على سهل وخربة مرطيسة وسهل الفاخورية غرب جرد البريج عند الحدود اللبنانية السورية في القلمون الغربي.
أما من الجهة السورية، فسيطر الطرفان على مرتفع ضليل الفاخورية ووادي الحمام وأطراف مرتقع ضهور الخشن.
وأعلنت القيادة في بيان لاحق، انه أثناء انتقال آلية عسكرية تابعة للجيش في جرود رأس بعلبك تعرّضت لاطلاق نار من جهة الارهابيين، ما أدى إلى استشهاد أحد العسكريين، وهو المجند ياسر حيدر أحمد من المعلقة – زحلة.
وليلاً ذكر تلفزيون لبنان، أن 125 عنصراً من «داعش» سلموا أنفسهم مع عائلاتهم إلى حزب الله عند مربع «إقليم قارة»..