أظهرت إطلالة الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله الأخيرة انّ إرادة التنسيق مع النظام السوري ليست مسألة عابرة او تكتيكية، او على طريقة تسجيل موقف ورفع عتب، إنما تعبّر عن توجّه استراتيجي بدليل الإصرار على هذا التنسيق، وفي كل مرة يُصار فيها إلى إقفال هذا الباب يعود الحزب لفتحه مجدداً. وآخر تلك المحاولات الدعوة إلى التنسيق تحت عنوان العسكريين المخطوفين، الأمر الذي يؤشّر بوضوح إلى تبدّل في توجّه الحزب الذي كان يقضي بتحييد الملفات الخلافية ما سمح بالاستقرار الداخلي وأنتج انتخابات رئاسية وتأليف حكومة شهدت انتظاماً غير مسبوق منذ العام ٢٠٠٥. لكن يبدو انّ المعادلات الإقليمية، وتحديداً قرب دخول سوريا في مرحلة انتقالية، تستدعي إدخال لبنان في معادلة جديدة، والتي يصعب ان تقف عند حدود الحكومة في حال إصرار الحزب على التنسيق الذي سيهزّ شباكها ويعيد لبنان إلى مرحلة الانقسامات العمودية، خصوصاً في ظل توجّه سعودي تمّ التعبير عنه صراحة في زيارة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان انّ الرياض لن تسمح بهيمنة إيرانية على لبنان، فيما إضافة نصرالله الجيش السوري إلى معادلته الثلاثية وتحويلها رباعية أعطى انطباعاً بوجود توجّه يرمي إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وعودة نفوذ النظام السوري إلى لبنان، وبالتالي كل هذا الجو لا يطمئن ويؤشّر إلى تبدّل لا بد ان تظهر ترجماته في الأسابيع المقبلة على الأرض.
في موقف اميركي متجدد ضد «حزب الله»، قالت المندوبة الاميركية لدى الامم المتحدة نيكي هالي انّ على القوات الدولية الموقتة في لبنان «اليونيفيل»ـ التي يفترض أن ينتهي التفويض الممنوح لها بحلول نهاية الشهر الحالي ـ «التحرك على نحو أنشط لمنع توريد الأسلحة لـ«حزب الله».

ورأت انّ الحزب «يراكم الأسلحة جنوب البلاد في إطار «التحضيرات لحرب جديدة ضد إسرائيل». وقالت: «منذ العام 2006، هناك تدفق كبير غير شرعي للسلاح إلى «حزب الله»، ومعظمه يتم تهريبه من إيران»، وشددت على أن «هذا ليس منعاً للحرب، وإنما هو تحضير لها».

كذلك انتقدت قائد اليونيفيل، الجنرال الإيرلندي مايكل بيري، واتهمته بأنه «يظهر عدم الفهم المُخجل للوضع»، وأنّ موقفه من سلاح الحزب «غير واضح». وأضافت: «إنه الشخص الوحيد في جنوب لبنان الذي لا يرى ما يجري».

وطالبت بإدخال تعديل على تفويض القوات الأممية في لبنان، مشيرة في الوقت نفسه إلى «أنّ الولايات المتحدة لا تتطلّع إلى تعديل تفويض اليونيفيل جذرياً، وإنما تريد إدخال صيَغ واضحة تنص على وجوب إيلاء قوات اليونيفيل مزيداً من الاهتمام بنشاط «حزب الله» الذي تصنفه الولايات المتحدة تنظيماً إرهابياً.

دعم سعودي

وقد تفاعلت مواقف نصرالله الاخيرة التي اضاف فيها جيش النظام السوري الى ثلاثية «شعب وجيش ومقاومة»، ودعا الى التنسيق العلني مع النظام السوري لإنهاء وجود «داعش» وجلاء مصير العسكريين، فيما برز دعم سعودي متجدد للجيش اللبناني في معركته ضد الارهاب، فغرّد السبهان الذي يتابع زيارته للبنان، عبر «تويتر» وقال: «جهود الجيش اللبناني ومحافظته على امن واستقرار وطنه تثبت انه لا يحمي الدول الّا مؤسساتها الشرعية الوطنية وليست الطائفية هي من يبني الدول».

مصدر عسكري

وفيما تبقى صورة الميدان العسكري في الصدارة، ربطاً بتحضيرات الجيش اللبناني لخوض الفصل الأخير من معركة الجرود، والذي بات قاب قوسين او أدنى من انطلاقه، على حدّ ما كشف مرجع امني كبير لـ«الجمهورية»، قال مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية»: «الأمور ما زالت على حالها، فالجيش لم ولن ينسّق مع «حزب الله» والنظام السوري. منذ اليوم الأوّل من المعركة قالت القيادة هذا الكلام بوضوح، ولم يتبدّل الموقف.

الجيش يخوض المعركة في الجرود والبعض يحاول التشويش على انتصاراته، وهو غير معنيّ بالسجالات السياسية، لقد أخذ الغطاء السياسي من السلطة والدعم الشعبي، وبالتالي يرفض أن يضغط أحد عليه أو يملي عليه ماذا سيفعل، يتصرّف وفق متطلبات الجبهة، وسينهي المرحلة الرابعة بنجاح، ومرجعيته الوحيدة هي الدستور اللبناني وصون تراب الوطن، ويعمل وفق معادلة مقدّسة وهي الدفاع عن لبنان حتّى الإستشهاد ولا دخل له بأيّ معادلة يطرحها البعض.

معركته واضحة وضوح الشمس، فلا مجال للمساومة أو الدخول في صفقات سياسيّة، همّه إنهاء «داعش» ومعرفة مصير العسكريين المخطوفين. امّا بالنسبة للتنسيق مع سوريا لاحقاً أو عدمه، فهذا قرار الحكومة اللبنانية ولا دخل لنا فيه لا من قريب ولا من بعيد، والجيش ملتزم قرارات الحكومة، ولا ينسّق مع أحد».

اضاف المصدر: «عناصر الجيش وشهداؤه في الجرود من كل المناطق والطوائف والمذاهب، وهذا يثبت انه يمثّل كل الوطن وليس فئة دون الأخرى. وبالتالي، فالإنتصار الذي يحقّقه وحيداً هو هدية لأرواح الشهداء وللشعب اللبناني الذي التفّ حوله بعدما عبّر عن إيمانه بقدراته وإعجابه بأدائه الذي دحض كل الكلام المشكّك بقوته».

وأشار المصدر الى أن «لا معلومات عن العسكريين المخطوفين حتى الساعة، والجيش يتابع بحثه وتَحرّيه»، وأوضح أنّ «منطقة وادي مرطبيا وبقعة الـ20 كلم2 المتبقية هي أراض لبنانية حسب خرائطنا، لكنها وعرة جداً وفيها مرتفعات تصل الى الـ2000 متر.

وقد فرّ الإرهابيون إليها، ويتمركزون فيها». وأعلنت قيادة الجيش عن استشهاد العسكري ياسر حيدر أحمد خلال إطلاق إرهابيّين النار على آلية عسكرية خلال انتقالها في جرود رأس بعلبك.

الجرّاح

وقال الوزير جمال الجرّاح لـ«الجمهورية»: «المعادلة الوحيدة هي معادلة الدولة والجيش والشعب، وأيّ معادلة اخرى لإعادة ربط لبنان بمحاور خارجية هي ضد مصلحته واستقراره. عندنا جيش يقاتل الارهاب واللبنانيون جميعاً وراءه والدولة معه، هذه هي المعادلة التي تحمي لبنان، وهذه هي المعادلة الوطنية الوحيدة التي يجب ان يدافع عنها كل الشعب اللبناني».

اضاف: «نصرالله يدعو الى التفاوض مع «داعش» عبر النظام السوري، وهما وجهان لعملة واحدة. بالنسبة الينا، لا تفاوض مع الارهاب، هناك قنوات أمنية اذا كانت تسهّل انسحابهم كما حصل في جرود عرسال فليكن، لكن التفاوض مع الارهاب الذي هو وليدة النظام السوري، غير وارد».
الجميّل

ورفض رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل «اي معادلات ثلاثية او رباعية قديمة او مستحدثة تمسّ بالمرجعية السيادية للدولة اللبنانية»، وقال لـ«الجمهورية»: «المعادلة الوحيدة المقبولة والمطلوبة هي معادلة الدستور اللبناني الذي يجب الّا يكون له اي شريك في ادارة المؤسسات الشرعية والعلاقة بين اللبنانيين».

وشَجب الجميّل اي شكل من اشكال تفويض النظام السوري او اي جهة غير شرعية بالتفاوض نيابة عن الدولة اللبنانية مع «داعش» او مع غيرها. وقال: «بعدما كان اللبنانيون يستنتجون بالتحليل والمراقبة انّ القرار السيادي ليس بيد السلطة التي تدّعي حكم لبنان، إذا بهم اليوم يعاينون بالمباشر من المواقف والتصرفات انّ القرار السيادي هو في يد جهات غير شرعية تضع الشروط وتدير المفاوضات وتُبرم الصفقات على حساب سيادة الدولة اللبنانية والقرار الحر لشعبها».

أضاف: «لقد بلغت الامور حداً لم يعد يجوز معه ان يستمر اركان السلطة في مواقعهم لأنهم أثبتوا عجزاً وتواطؤاً يهدّد أسس الكيان اللبناني. ورحيل هذه السلطة بات ضرورة من ضرورات استعادة السيادة الوطنية بعدما بلغت المخاطر من استمرارها في مواقع الحكم الخطوط الحمر التي تعيد عقارب الساعة الى زمن الوصاية والاحتلال وتتجاهل ارادة اللبنانيين وتضحيات شهدائهم. امّا الذين يقولون من داخل السلطة إنهم غير راضين عن هذا الواقع فما عليهم الّا المبادرة الى الاستقالة إثباتاً لصدقيتهم».

شمعون لـ«الجمهورية»

ووصف رئيس حزب الوطنيين الاحرار النائب دوري شمعون المعادلة «الرباعية» الجديدة بأنها «وصمة عار على جبين الدولة اللبنانية»، وقال لـ«الجمهورية»: «عيب علينا كدولة تحترم نفسها ان نكون نفتّش عن معادلات من نوع كهذا، وما قاله نصرالله يشكّل قلة احترام للدولة والشعب اللبناني».

اضاف: «يبدو انّ نصرالله شعر بأنه بات خارج اللعبة بعدما اصبح الجيش اللبناني المسيطر الوحيد على الارض، لذلك فهو يحاول ان يرى كيف سيجرّنا الى مكان آخر، لكن بالتأكيد سيفشل».

وقال: «بات لزاماً على الدولة اللبنانية ان تكون اولى اولوياتها الآن الطلب رسمياً من الامم المتحدة بترسيم الحدود للانتهاء من هذه «الزعبرة» التي سمحت لـ«حزب الله» أساساً بخربطات عدة على الحدود و«التفشيخ» حيثما يريد».

صقر

وقال النائب عقاب صقر لـ«الجمهورية»: «أخبرنا السيد حسن نصرالله انّ الذي يتحدث عن الاستثمار السياسي لا يعرف «حزب الله»، وانه لا يعلم كيف يكون الاستثمار السياسي الداخلي للانتصارات الخارجية. لكنّ طرحه للمعادلة الرباعية دَلّ على استعجال لقطف اكبر استثمار سياسي من خلال صفقة ملتبسة ومريبة في جرود عرسال قرّر «حزب الله» ان يسمّيها نصراً.

اذا كانت هذه الصفقة التي عَوّمت «النصرة» تستدعي استثماراً بحجم تعويم نظام الاسد في لبنان، فكيف لو انتصر «حزب الله» فعلياً؟ ما الذي كان سيطلبه من اللبنانيين والدولة التي تنوء بأحماله؟!.

لا أفهم الحاجة الى قيام الجيش اللبناني بالتنسيق مع جيش الاسد لعملية على الاراضي اللبنانية اذا كان جيش الاسد يستعين بالروسي والايراني و«حزب الله» وميليشيات العالم ليتمكّن من السيطرة على بعض الاراضي السورية؟

اضاف: «ما يطلبه «حزب الله» يتعارض اولاً مع ثوابت الرئيس الحريري، كما يتعارض مع رأي نصف الشعب اللبناني بأقلّ تقدير ويدخل لبنان بمقامرة جديدة في مواجهة الشرعية العربية والدولية، ويعرّض الحكومة والدولة لأخطار لا يمكن تحمّلها.

فإذا كان «حزب الله» يتوهّم انّ تنازل الرئيس الحريري في التكتيك السياسي لصالح الاستقرار يمكن ان ينسحب ليتحوّل تنازلاً بالثوابت فهو مخطئ، واذا أراد فليراجع موقف الرئيس الحريري من السلاح غير الشرعي والمحكمة والقرارات الدولية، والعلاقات العربية، وسيكتشف ان لا تنازل او تراجع في الثوابت. وقطع العلاقة مع نظام الاسد هي أقوى ثوابت الرئيس الحريري، فلا داعي لتجارب فاشلة إضافية.

الرئيس الحريري حريص على الحكومة لتسيير أمور الناس ومنع الانهيار، وهذه مصلحة لكل اللبنانيين ولجمهور «حزب الله» بالدرجة الاولى. وعليه، لا يزايدنّ أحد على احد بموضوع الحكومة التي لا نرى اي خطر عليها، لكونها تجسّد تقاطع مصالح الجميع في هذه المرحلة الخطيرة، الا اذا كان خلف الأكمة ما خلفها، والرئيس الحريري هو أمّ الصبي، الى حين المَس بالثوابت».

جعجع

وكان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع اتهم الحزب «بإلحاق الضرر والأذى بالجيش اللبناني من خلال تأكيده على التنسيق في معركة «فجر الجرود» بين الجيشين اللبناني والسوري و»حزب الله» في وقت انّ تأكيداً من هذا النوع يضرّ بالجيش، حيث انّ عدداً من الدول التي تساعده ستوقِف دعمها.

ورأى انّ معادلة نصرالله الفعلية «جيش، شعب، مقاومة، جيش سوري، حشد شعبي عراقي، وحرس ثوري إيراني» لا يمكن القبول بها». واستهجنَ استخدام ملف العسكريين المخطوفين أداة للضغط على الحكومة اللبنانية لإجراء محادثات رسمية مع الحكومة السورية.

السبهان

الى ذلك واصل السبهان لقاءاته مع القيادات اللبنانية، فزار وزير الخارجية جبران باسيل وعقد مساء أمس لقاء مطوّلاً مع النائب السابق الدكتور فارس سعيد والدكتور رضوان السيد.

وقال سعيد لـ«الجمهورية»: «أجرينا جولة أفق حول المواضيع اللبنانية وتطورات المنطقة، وعرضنا وجهة نظرنا لِما يحصل في الداخل اللبناني. بدوره، استفاض الوزير السبهان في عرض موقف المملكة الحريص على دعم لبنان وسيادته واستقلاله والّا يكون لبنان جزءاً من اي محور إقليمي».

إجازة سياسية

سياسياً، وفيما جال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في البترون أمس، يبدو أنّ أجواء عيد الاضحى فرضَت نفسها على الحركة السياسية، التي ستدخل اعتباراً من الاسبوع المقبل في إجازة مفتوحة حتى الاسبوع الاول من الشهر المقبل، سواء على مستوى المجلس النيابي والحكومة.

على انّ مرحلة ما بعد العيد ستشكّل انطلاقة متجددة للحركة السياسية، ولا سيما في المجلس النيابي، الذي أشار رئيسه نبيه بري الى إطلاق ورشة تشريعية مهمة بعد عطلة العيد، تستهلّ بجلسة تشريعية لإقرار مجموعة من المشاريع واقتراحات القوانين، وقد تليها او تسبقها جلسة لمناقشة وإقرار الموازنة العامة للسنة الحالية، خصوصاً انّ لجنة المال والموازنة، وبحسب أجوائها، شارفت على إنجاز مهمتها في درس مشروع الموازنة، وكان برّي بصدد عقد جلسة تشريعية قبل عيد الاضحى، الّا انّ تمنيات تلقّاها من بعض المستويات النيابية والحكومية، بضرورة التأجيل الى بعد العيد نظراً لاضطرار بعضهم الى السفر وتمضية العطلة خارج لبنان.

وأوضح بري انه ينتظر ان يتلقّى تقرير لجنة المال حول الموازنة العامة، وفور تسلّمه التقرير سيقدّم إقرار هذه الموازنة على اي أمر آخر، وسيدعو الى جلسات متتالية نهارية ومسائية لمناقشتها وإقرارها في أسرع وقت، ويؤمل ان يتمّ ذلك قبل منتصف أيلول المقبل.