أنهى مهمّته بإيصال أمتعة إلى المطبخ الميداني للجيش، وفي طريق عودته مع زملائه تعرّضوا لحادث سير أودى بحياته. وعلى الرغم من مقاومته لساعات داخل مستشفى دار الأمل، سلّم في النهاية الروح بعدما أصيب بنزف حادّ. هو محمد رفيق المصري ابن بلدة الفاكهة الجديدة، الشابّ المقدام الذي كرّس سنوات عمره للعمل التطوّعي. 

رحيل "ناشط"

29 هي السنوات التي عاشها محمد، أنهى خلالها دراسته الجامعية في علوم الكمبيوتر، إلّا أنّ حبه لعمل الخير ومساعدة الناس دفعه إلى الانضمام للجمعية اللبنانية للدراسات، كما تطوّع في كشّاف التربية الوطنية، ونشط في العمل العام، حتى بات معروفاً لدى كل سكان بلدته، فليس هناك بيت إلا ويعلم مدى إقدام الشاب على مساعدة كلّ محتاج. وبحسب ما شرحه صديقه عصام صالح لـ"النهار" فإنه "عند الساعة الثانية من بعد ظهر أمس كُتب السطر الأخير من حياة محمد، عندما كان عائداً في سيارة الجمعية التي يسوقها زميله. ولسبب غير معروف بعد، فقد الأخير سيطرته على المركبة، فانحرفت قبل أن تصطدم بحائط لمحطّة وقود. الضربة جاءت من جهة محمد وكانت قوية، أصيب على أثرها بنزف في رأسه".

ضحايا مجّاناً

ربما كان استطاع المصري أن ينتصر على الموت لو كان في بلدة الفاكهة مستشفى مجهّز بغرفة إنعاش، لكن كما قال عصام: "للأسف لا يوجد لدينا في البلدة حتى مستوصف صحّي، أقرب مستشفى لنا يقع في الهرمل على مسافة 30 كلم، كما يوجد مستشفى في بعلبك يبعد 35 كلم، ومعظم المستشفيات هناك غير مجهّزة لاستقبال حالات صحّية خطيرة، عدا عن أنّ الوصول لها يحتاج إلى وقت طويل ولهذا السبب فقد محمد و7 شباب إضافة إلى شابّتين من الفاكهة حياتهم هذا العام".

احتاج محمد إلى 20 وحدة دم من فئة ألف سلبي أي الفئة النادرة، ولأنّ المسافة طويلة بين بلدته والمستشفى، استغرق الأمر وقتاً لوصول المتبرّعين، قبل أن يغلق المصري عينيه إلى الأبد عند الساعة الواحدة من بعد منتصف الليل. رحل بعدما شعر بعجز دولته عن تأمين أبسط متطلّبات المواطن، مستشفى في بلدته ينتقل إليه عندما تستدعي صحّته، ترك عائلته وأحبائه مرغماً، التحف التراب بعدما كتب قصّته بالدماء!

هل سيتحرّك المسؤولون ويعملون على إنشاء مستشفى كي يكون في الامكان المحتمل انقاذ المزيد من الأرواح؟ أم أنّ الأمر لا يهمّ السياسيّين؟!