مُحرج هو موقف وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، فقد قال ذات مرة قبل شهرين بأننا سندخل الى مجلس الوزراء لاقرار موعد الانتخابات النيابية الفرعية في طرابلس وكسروان، ومن ثم تولى بنفسه إعلان تأجيل البحث فيها لست مرات متتالية، الى أن بشّر اللبنانيين أمس لدى دخوله الى قصر بيت الدين بأنه سيطرح بند الانتخابات على مجلس الوزراء من خارج جدول الأعمال، ولم يتمكن من الايفاء بوعده، “نظرا لضيق الوقت” الذي أخذ بحسب وزير الاعلام ملحم رياشي مداه في مناقشة المعركة البطولية التي يخوضها الجيش اللبناني في الجرود، وفي مناكفات ملف الكهرباء، ليجد المشنوق نفسه في وضع لا يُحسد عليه أمام اللبنانيين للمرة السابعة على التوالي.
غريب كيف تضحك الحكومة على شعبها، فتُخالف الدستور، وتضرب الديمقراطية، وتصادر حق الناس في إنتخاب ممثليهم في السلطة التشريعية، لأن بعض أركان السلطة يشعرون بأن هذا الاستحقاق لن تأتي نتائجه لمصلحتهم، وهم يخشون أن تنكشف أحجامهم الشعبية الفعلية، ما قد ينعكس عليهم في الانتخابات العامة في أيار 2018، والتي بدأ البعض يشكك في إمكانية إجرائها أيضا، خصوصا إذا ما إستمر الوضع الشعبي للبعض على ما هو عليه من التراجع.
غريب كيف تضحك الحكومة على شعبها، فالعهد دخل شهره العاشر، وكان من المفترض أن يكون أول بند في أول جلسة لمجلس الوزراء بعد تشكيل الحكومة ونيل الثقة، هو الانتخابات الفرعية حفظا للديمقراطية وتطبيقا للدستور، لكن المماطلة والتسويف كانا سيدا الموقف، فجرى تمرير الوقت بالوعود العرقوبية وبحجج واهية، وصولا الى الاستعانة بأحداث مخيم عين الحلوة (1) ومن ثم معركة تطهير عرسال من الارهابيين بقيادة حزب الله، وبعدها معركة جرود رأس بعلبك والقاع ضد تنظيم “داعش” التي يخوضها الجيش اللبناني ويحقق فيها إنتصارات، وبالتزامن أحداث عين الحلوة (2)، وإستطرادا ملف الكهرباء والخلافات والتجاذبات حوله.
غريب كيف تضحك الحكومة على شعبها، فكيف لمجلس وزراء أن ينعقد سبع مرات متتالية من دون أن يتمكن من مناقشة بند الانتخابات الفرعية في طرابلس وكسروان، وكيف لبنود أن تتقدم على بند دستوري أساسي لا يمكن القفز فوقه، ويطال شرائح سياسية وطائفية وشعبية تريد لا بل تحتاج الى أن تسد الفراغ الحاصل في ثلاثة مقاعد نيابية ماروني في كسروان وأرثوذكسي وعلوي في طرابلس.
لقد صدّق بعض المرشحين الحكومة، كما صدقوا تصريحات بعض أركان السلطة ووزرائها، بأن الانتخابات أمر دستوري لا يمكن التهاون به، فأعدوا العدة وبدأوا جولات إنتخابية، وعملوا على تزييت ماكيناتهم، وبدأوا يفتشون عن تحالفات تساهم في منحهم المزيد من الأصوات، على أمل أن تعلن الحكومة موعد الانتخابات التي هي حق مكتسب لشعبها خصوصا بعد التمديد الثالث لمجلس النواب الذي يحتاج الى ثلاثة نواب إضافيين لكي يكتمل عقده على 128 نائبا.
غريب كيف تضحك الحكومة على شعبها، فالأرثوذكس في طرابلس باقون من دون نائب يمثلهم ويحمل همومهم ويثبت حضورهم، بعد إستقالة النائب روبير فاضل، وكذلك العلويين الذين يحتاجون الى من ينطق باسمهم ويطالب بحقوقهم الادارية قبل الاجتماعية بعد وفاة النائب بدر ونوس، وكذلك موارنة كسروان الذين يتطلعون الى سد الفراغ النيابي الذي تركه العماد ميشال عون بعد إنتخابه رئيسا للجمهورية.
إنتهت جلسة مجلس الوزراء أمس، ولم يطرح وزير الداخلية نهاد المشنوق بند الانتخابات الفرعية من خارج جدول الأعمال، وربما كان لا يستطيع أن يفعل ذلك، لأن إقرار الانتخابات كان ممكنا في جلسة بيت الدين، وهذا ما لا يريده رئيس الحكومة سعد الحريري، وربما يصار الى طرح هذا البند في الجلسة المقبلة أو بعدها، عندما يتيقن الحريري ومثله من غير الراغبين باجراء الانتخابات بأن المهلة القانونية قد إنقضت، علما أن أول جلسة لمجلس الوزراء ستعقد في أول خميس بعد الأعياد، فالى عذر جديد، أو الى إعلان الالغاء الصريح، وكل عذر وتمديد وإلغاء واللبنانيون بخير.
سفير الشمال