ساهمَ نجاح المِهرجان الذي تنظّمه بلديّة الطّيبة – قضاء مرجعيون بدعمٍ من نوّابِ المِنطقةِ في كلِّ صيف بأن يُصبحَ عُرفاً سنويّاً يلتفُّ حوله أهالي البلدّة الطّيبة والقُرى المُجاورة لها ويستمتعونَ بممارسةِ النشاطاتِ الترفيهيّة والثقافيّة، التي تُحاكي التّراث بطريقةِ المرح والمُنافسة.
إلّا أنّ مِهرجان هذا العام "على الطيّبة لاقونا" شاءَ البعض أن يُصبغه بشيءٍ من العُنصريّة على إثر اندلاع نزاعٍ حول هويّة فائزٍ بأحد النشاطات المُستحدثة؛ ما تسبّب بحالةٍ من الهَرجِ والمَرجِ وردّاتِ الفعل المُبالغ بها من قِبَلِ بعضِ أهالي البلدة على مواقعِ التواصلِ الاجتماعيّ.
وفي التفاصيل، نظّمت بلديّة الطّيبة في مِهرجانها لهذا العام مسابقةً قِوَامها الاشتراك بالسحبِ لربح سيّارة نوع كيا - بيكانتو موديل الـ2017 حمراء اللّون، وكان الدخول في السحب مفتوحاً للجميعِ سواء من أهالي البلدة أو القاطنين فيها أو القادمين إليها من زائرين ومُشاركين في فعالياتِ المِهرجان، وذلك مقابل شراء بطاقةٍ بقيمةِ 10 دولارات أميركيّة يعود ريعها لدعمِ المشاريعِ التي تقومُ بها البلديّة.
ومساء الأحد الماضي تمّ السّحبُ على السيّارة أمام الحاضرين الذين ملأوا السّاحة، وكان الربح من نصيبِ المدعو بسّام عبد الحميد. أخذ الأهالي بالبحثِ عن هويّةِ الاسم، وما إن تبيّن أنّ الرابح سوريّ الجنسيّة، حتّى قامت الدّنيا ولم تقعُد! إذ غصّت صفحة البلديّة على موقع "فايسبوك" بالهجمات التي لم تخلُ من بثِّ النعراتِ العُنصريّة ضد السّوريّين في البلدة حتّى وصل الأمر ببعضهم إلى إطلاقِ دعواتٍ لطردِ السّوريّين خارج البلدة.
وعن لسانِ الأهالي الغاضبين ننقل ما يأتي "البلديّة خدعتنا، شبابنا عم تستشهد للدفاع عنهم (السوريين)، أكلونا وشربونا، السّوريون ينافسوننا على لُقمةِ عَيشِنا والبلديّة متخاذلة مع السّوريّين..." وأكثر من ذلك.
تمادى المُعترِضون في اعتراضاتهم، وبلغ فيهم عدم الرضى بحكمِ الحظِّ إلى مُحاولة الاعتداء جسديّاً على الرابح الذي تحوّل ما جاءه من نِعمةٍ إلى نقمة. وعَلِمَ "ليبانون ديبايت" أنّ عدداً من المُعترضين قام برمي زجاجةٍ حارقةٍ (مولوتوف) نحو السّيارة التي كانت مُتوقّفة قرب المنزل الذي يقطنه المُواطن السّوريّ، لكن الحريق اقتصر على أحد إطاراتِها.
تجاوزات المُعترضين التي قرأتها البلديّة على أنّها "ضجّةً مُفتعلة" وتمدّدها وصولاً إلى القيامِ بحملةٍ ضدّ الوجودِ السّوريّ، دفع بها إلى التدخّل عملاً على استيعاب الأهالي وامتصاص غضبهم طيلة الأيّام الفائتة، لكنّ خروج الأمور عن حُدودِ المنطق واللّياقة دفعها لاستدعاء القِوى الأمنيّة بعد أن وصلَ الأمر حدود الخطر على حياة الفائزِ واضعةً الموضوع بعُهدَتِها.
وفي حديثٍ خاصٍّ مع رئيس بلديّة الطّيبة الأستاذ عباس دياب، استنكر الأخير الأعمال "غيرِ اللّائقة" التي قام بها من وصفهم بـ"بعضِ الشّبّانِ المُوتورين الذين لا يتّصفونَ لا بالحكمةِ ولا بالوعي ولا بالفَهم"، والذين يُشكّلون حالةً فرديّةً في البلدةِ لا يتجاوز عددهم أصابعَ اليد، ولا يُعبّرون عن رأي أهالي البلدة لا من قريبٍ ولا من بعيد.
ولفت دياب إلى أنّ "الشّاب السّوريّ رَبِحَ السّيّارة بطريقةٍ قانونيّةٍ وشرعيّة، ولعلّ ربحه للسيّارة يعكسُ الشفافيّة وعدم التمييز العُنصريّ لدى بلديّة الطّيبة بين مواطنٍ لبنانيٍّ أو غير لبنانيّ". ولم ينفِ رئيس البلديّة محاولة حَرقِ السّيّارة، مُؤكّداً أنّ القضيّة أصبحت في عهدةِ القِوى الأمنيّة، لوضعِ حدٍّ لهذهِ التّصرّفات غيرِ العقلانيّة.
وعن المِهرجانِ الذي تنظّمهُ البلديّة للسَنَةِ الـ13على التّوالي، يُشيرُ دياب إلى أنّ مِهرجان هذه السّنة بلَيَالِيهِ الـ9 كان من المِهرجاناتِ الأنجح، وكان لافتاً فيه؛ تفاعل أهالي البلدةِ والجِوار معه، إذ تجاوز عدد الحضورِ في بعضِ اللّيالي الـ7 آلاف مُشترك، وتميّز بعددٍ من النشاطاتِ الأُخرى، غير مُسابقة السّيّارة، مثل "العروض المسرحيّة التّراثيّة، مُسابقات الزجل اللّبنانيّ، مسابقات المأكولاتِ اللّبنانيّة التقليديّة، الرياضات القديمة، ومعارض صورٍ وطوابع... بالإضافةِ إلى تقديمِ العُروض التي كان فيها تحيّةً للجيشِ اللّبنانيّ وأُخرى للقضيّة الفلسطينيّة الخالدة، وحفلٌ ساهرٌ أقامه المُنشد علي العطّار.
وإجابةً على سؤالٍ، هل ستُعاود البلديّة تنظيم مسابقاتٍ من نوعِ سحبِ السّيّارة في المهرجانات القادمة، أجاب دياب "لن نتردّد بإقامةِ المزيدِ من المُسابقاتِ المُماثلة في مِهرجاناتِ السّنوات المُقبلة". وعلّق مُمَازِحَاً "ويمكن أن يكون السحبُ القادم على طيّارةٍ وليس سيّارة".
إذاً، هكذا حوّر بعض العُنصريّين الحديث عن إيجابيّات المهرجان للحديثِ عن سلبيّةٍ مُطلقة، لم تخلُ من التمييزِ والحقدِ الذي لا يُشبه اللّبنانيّين ولا يُعبّرُ عنهم. ويبقى السّؤال بعد المحاولات المُتكرّرة لحرقِ سيّارةِ بسام عبد الحميد، هل يصمد عبد الحميد في مكانِه أم سيحملُ سيّارته ويذهب لوجهةٍ أقلّ عنصريّة ؟!
(ليبانون ديبايت)