لم تغمض عين الحلوة أجفانها على تسجيل نصرٍ يُحسب لحركة فتح أو لمجموعة بلال بدر، بل اتخذت لنفسها قيلولةً لكي يُسمح لكلا الطرفين بالاستراحة. القيلولة ترجمت بتسوية تشبه ببنودها تلك التي حصلت في نيسان 2017، إلا أنّ بندين جديدين أضيفا قد يشكّلان الأرق الدائم للصراع الحاصل، وهما:
- مغادرة بلال بدر منطقة الطيري بأكملها إلى جهة مجهولة داخل المخيّم.
- عدم انسحاب فتح من أطراف الجهة الجنوبية من الطيري باعتبار أنّ التقدّم إليها كلّفها زهق الأرواح.
القوة الأمنية المشتركة انتشرت الساعة السادسة والنصف من بعد ظهر الأربعاء، في 23 آب، في الأجزاء الباقية من الطيري ولم يسجّل حتى منتصف الليل أي خرق أمني لها، في انتظار موافقة فتح على الاعتراف بأنها تسلمت المهمة وذلك بعد ورود معلومات تفيد بعدم قبول قائد القوة المنتمي إلى فتح بسام السعد أمر الانتشار.
أسدلت المعركة المؤلفة من قسمين (الأول مع بلال العرقوب والثاني مع بلال بدر) والتي بدأت ليل الخميس، في 17 آب، ستارها على 6 قتلى، أحدهم تابع لبدر و5 لفتح، و20 جريحاً من الطرفين.
إشارة بدء المعركة بدأت حين أشعل المدعو بلال العرقوب فتيل التوتر في سوق الخضار (الشارع الفوقاني)، ودخل قاعة اليوسف حيث القوة الأمنية المشتركة واستولى على عدد من أسلحتها. ردَّت فتح بقوة النار، وقتلت ابنه عبيدة (16 عاماً) الذي كان برفقته. لم تكتفِ فتح بذلك، بل توجّهت إلى بيته القريب من حي الطيري لتحرقه وتشرّد العرقوب الذي ناشد أبرز الإسلاميين، ومنهم بلال بدر، إلا أنه لم يلقَ أي دعم، باعتباره معتدياً أجمعت الفصائل على تأديبه.
العرموشي يصطاد لحظة التوتر
تزامناً مع الإشكال الذي حصل مع العرقوب، تسللت مجموعة تابعة لقائد الأمن الوطني في صيدا محمد العرموشي، يوم السبت في 19 آب، الساعة الثانية إلا ربعاً، إلى حي الطيري واعتقلت عدداً من عناصر القوة الأمنية المنتشرة هناك منذ المعركة السابقة، وفرضت على عنصر تابع لحركة حماس بأن يمشي أمامها للوصول إلى مكان بلال بدر، بهدف اعتقاله. فما كان من بدر إلا أن ظهر ومجموعته التي كانت تنتظر صد الهجوم.
ويشير مسؤول مجموعة بلال بدر، في حديث إلى "المدن"، إلى أنّ العرموشي استقدم قوات النخبة في الأمن الوطني المؤلفة من 25 عنصراً، وقد كانت مجهزةً بأحدث العتاد العسكري بهدف قتل بدر أو اعتقاله، وذلك بعد وعدٍ قطعه للقيادة الفتحاوية بأنه سيتمكن من ذلك خلال 24 ساعة. وهو الوعد الذي حصل بنتيجته على ضوء أخضر من مسؤول الأمن والارتباط والمالية منذر حمزة. لذلك، لم يكن يستجيب لأي أمرٍ يوجّه إليه من السفارة الفلسطينية ولا من الضابط الأعلى رتبة منه اللواء صبحي أبو عرب، الذي يستعد للتقاعد على أن يحل العرموشي مكانه.
أضطُر بدر إلى خرق شهر عسله، وهو العريس الجديد منذ 10 أيام، وصدّ الهجوم بقوة. ما حفز ردة فعل أقوى من القوات المهاجمة له. وقد ظهر العرموشي بنفسه في مقطع مصوّر يطلق النار من سلاح متوسط باتجاه حي الطيري، قيل إنه صاروخ "شامل" إيراني الصنع.
هل ناصر "الشباب المسلم" بلال بدر؟
عادت مجموعة العرموشي الاثنين والثلاثاء، في 21 و22 آب، إلى التقدم باتجاه بدر الذي أنهك الحصار مقاتليه، ليحظى فيما بعد بدعم من بعض الإسلاميين الذين ساندوه بالعديد والعدّة وفاءً بوعدهم السابق بنصرته في حال اعتُديَ عليه.
مناصرة الإسلاميين لبدر أغاظت العميد محمود عيسى (اللينو)، المتحالف مع العرموشي في القضاء على الحالة العصيّة على فتح داخل المخيّم. فأصدر بياناً تحذيرياً بأنه سيتصدى "للدواعش" إذا شاركوا في المعركة، علماً أنّ بدر ومن سانده من المحسوبين فكراً على جبهة النصرة. وتزامن بيان اللينو مع تسريب مقطع صوتي لمن أطلق عليه اسم أبو قتادة الشامي، زُعِم أنه موجّه إلى مناصري داعش في مناطق المخيّم، يدعوهم فيه إلى قتال الجيش، وقد جاء بعد بثِّ قناة الميادين خبراً برصد مكالمة بين أبي مالك الشامي (التلي) وشادي المولوي.
كلام اللينو استفزَّ المقاتلين في منطقة المنشية، الذين انتشروا بأقنعتهم وأسلحتهم محذرّين من أي تقدّم فتحاوي في اتجاههم. إلا أنّ أمير الحركة الإسلامية المجاهدة الشيخ جمال خطّاب استطاع، وبعد جهد جهيد، إعادة التهدئة وسحب المسلحين من الشوارع، بعدما كان مشغولاً في اجراء الاتصالات بالقيادة السياسية لإنهاء التوتر.
هذا السيناريو فسَّرته مصادر إسلامية قيادية بأنه محاولةٌ غير موفقة لـ"دعشنة" المخيم، إضافةً إلى أنها ممزوجة بالغباء من ناحية وصف أنصار جبهة النصرة على أنهم يأخذون الأوامر من داعش. و"هو أمرٌ شديد الحماقة"، على حدّ تعبيرها.
رد شادي المولوي
يوضح مصدر قريب من المولوي لـ"المدن" أنّ الرجل يعيش في شبه سجن داخل حي الطوارئ. وهو ممنوع من الخروج إلى أي منطقة أخرى. كما أنّه لا يملك مجموعة مسلحة، بل يرافقه عدد من الأشخاص الذين دخلوا معه ولا يتعدّى عددهم العشرة. ويشير المصدر إلى عدم ثبوت أي مشاركة للمولوي في أي عمل أمني لا داخل المخيم ولا خارجه. "المولوي لم يتحرّك عندما تحرّك التلي وكان في الجرود، فكيف يتحرك اليوم وقد أصبح أميره في إدلب؟"، يضيف ساخراً.
وينقل المصدر عن المولوي: "منذ أن دخلت المخيّم بأدب حافظت على آداب الضيافة، وكل من معي لم يطلق رصاصة واحدة في أي مناسبة. أنا ضيفٌ لا أتدخل في أي شأن فلسطيني داخلي ولا أملك أي مشروع في لبنان. وهذه المعلومات مؤكدة لدى كل الأجهزة وسعيت إلى الخروج من المخيّم في الصفقة الأخيرة بين حزب الله والجبهة لسحب ذريعة وجودي فيه، إلا أن الجانب اللبناني رفض الأمر".
تقديم أوراق اعتماد
تبدي مصادر الفصائل الإسلامية استياءها من المحاولات المتكررة المتمثلة بتقديم أوراق اعتماد لدى الدولة اللبنانية ومن ورائها الدول التي تتصدّى لمشروع الإرهاب الفضفاض، كاشفةً عن أنّ ذكر المولوي ما هو إلا حجة لبقاء الاتهام موجّهاً إلى المخيم بإيواء الإرهابيين. فـ"لو سلمنا المولوي إلى الدولة، لانتقلت إلى اسم بارز آخر كأسامة الشهابي وهيثم الشعبي وغيرهما".
وقد كشفت المصادر أنّ الدولة اللبنانية وفي اجتماعها مع القيادة الفلسطينية خلال المعركة السابقة طلبت تسليم المولوي قبل المباشرة بأي حديث آخر عن المعركة مع بدر. ما أثار استغراب الحاضرين.
إذاً، سُحِب فتيل التوتر بعدما دمّرت الأحياء وشرّد العشرات من الفلسطينيين، من دون أن تحقق حركة فتح للمرة الثانية هدفها بالقبض على بلال بدر، المتهم بتنفيذ عشرات الاغتيالات داخل المخيم. وهو أمرٌ وصفه مصدر متابع للصراع بين الطرفين بأنه قد يغتال سمعة فتح إذا سُجِّل أنّ مجموعة لا يبلغ عدد عناصرها الخمسين "من المتشددين"، وفق الفتحاويين أنفسهم، استطاعت أن تكسر حركةً استقدمت من مخيمات لبنان عدداً من المقاتلين للقبض على شخص واحد تعتبره من "القتلة المأجورين".