عندما أشار الباحث في جامعة شيكاغو، ريتشارد لومن، إلى أن 43% من النساء يعانين من الاضطرابات الجنسية، أدخَل الناس وعلاقاتهم الجنسية في صدمةٍ لم يخرجوا منها حتى الآن. تشتمل الاضطرابات أولاً على غياب أو تدني الرغبة الجنسية، يليها انعدام أو مشاكل الذروة الجنسية، وآلام وأوجاع الحوض والأعضاء التناسلية خلال العلاقة الجنسية.
أصبح المتزوجون والمتساكنون جنسياً وجهاً لوجه أمام واقعٍ مرير ومربك، واقع كان مغلفاً بهموم الحياة اليومية وتربية الأولاد وطاعة الزوجة وتقبلها وعدم معرفتها بحقوقها، وبحجة تحصيل لقمة العيش.
كرّت سبحة الدراسات لاحقاً وبينت ان انتشار الأوجاع المرتبطة بالعلاقة الجنسية تتراوح ما بين 16 الى 45% عند المراهقات والبالغات، مؤكدة أهمية هذه الحالة في مختلف الفئات العمرية والاجتماعية.
لا يأتي هذا الشعور بالألم من عوارض طبية ومرضية فقط، بل يأتي أيضاً من دينامية علاقة الزوجين، ومن أسباب تربوية ودينية ومجتمعية، ومن معتقدات ترتبط بإدراك النساء والرجال لمفهوم الجنسانية والعلاقة الجنسية في حياتهم. قد لا يدرك البعض أن الالتهابات والامراض النسائية التي تصيب الأعضاء التناسلية الخارجية، أو الداخلية (تليف الرحم، تكيسات المبيض، مشاكل عصبية عضلية وغيرها) تساهم الى حد كبير في تلك الأوجاع. هنا لا مفر من علاج هذه الحالات لاستعادة رونق المتعة الجنسية في حياة الزوجين.
كما ويعبر النساء في حياتهنّ محطات متعددة، فمرحلة ما بعد الولادة والإرضاع من الثدي وارتباط ذلك بتغيرات هرمونية، وأنماط حياة جديدة من المسؤولية والقلق والضغط اليومي، تفعل فعلها في زيادة نسبة الأوجاع الجنسية وسلب بعض من متعة الحياة الجنسية عند الزوجين. كما وتواجه النساء، كل النساء، قدرهنّ البيولوجي بتوقف الدورة الشهرية ودخول نادي "سن الأمان" الذي يرتبط فيما يرتبط بجفاف المهبل وما قد يسببه من ألم خلال العلاقة الجنسية. يصح الأمر عند اللواتي يعانين أيضاً من بعض الأمراض المزمنة أو السرطانية، أو يخضعن لعلاجات طويلة الأمد.
أما "أم الأسباب" فتبقى تلك الحُبلى بمسائل مرتبطة بالجانب النفسي والعلائقي. ما إن تنحسر سكرة الزغاريد وتنتهي التبريكات، حتى تتصاعد روائح الشكاوى الإحراجات. "صرلنا تلات أشهر وبعد ما تزوجنا"، "تزوجنا من 9 أشهر وبعد ما صار في دخلة"، "بس يقرب عليي بشد كلني سوا".
أفراح لم تكتمل، وأزمات عائلية شخصية يعيش ضحاياها دوامة من اللوم المتبادل والتوتر اليومي لإنقاذ الزواج وماء وجه العائلات. تهجس العروس يومياً بالخوف من المجامعة، هي التي عاشت الخوف منها لسنوات وسنوات. يُترجم الخوف توتراً ورفضاً متزايداً للعلاقة لتصبح مع الوقت مستحيلة.
تُشخِّص هذه الحالات واقع محزن لنساء يعانين من رهاب العلاقة الجنسية "إيروتوفوبيا" نتيجة كبت جنسي، غياب التثقيف الجنسي، الخوف، القلق، شعور بالنقص وقلة الثقة بالنفس. حالات لا تعكس ضحالة ثقافة النساء الجنسية فقط، بل بؤس المجتمع الذي يتلطى دائماً خلف شيزوفرينيا قاتلة.
تشير دراسات متخصصة إلى أن النساء اللواتي يعانين ردات فعل عالية للوجع عموماً، وإدراكٍ "مُدمّر" للوجع في حياتهن، يتألمنّ أكثر ولا يتقبلنّ العلاقة الجنسية بشكل طبيعي. تعاني أخريات من "عقدة الولوج" بسبب تراكم تاريخي "للعُقد الجنسية" نتيجة ثقافة الخوف والقلق الاخلاقي "Moral Panic" المزروع في عقولهن. قلق مرده الى الإرباك الحاصل في إدراك ماهية الجنسانية ووظيفتها في حياة الأفراد. هنا أيضاً يحضر السؤال عن دور وطبيعة العلاقة الجنسية في حياة الزوجين. فإذا كان هدف الزوجة أو المرأة ممارسة العلاقة تفادياً لمشاكل مع الشريك، كان الألم والقلق أكثر بكثير مما اذا كان هدف الممارسة تعزيز الحميمية والعاطفة بينهما.
هل من دور للشريك؟ تشير دراسة حديثة من جامعة مونتريال الى وجود ثلاثة أنماط من تعاطي الشريك مع هذه الحالات. المتفهم المتعاون، السلبي، واللامبالي. من الواضح أن المتفهم يكون عاملاً مساعداً على حل المسألة والتخفيف منها، بينما النمطان الآخران يزيدان من القلق والتوتر في العلاقة وعند المرأة، كما ويزداد الشريك توتراً واكتئاباً يقضيان على العلاقة ولو بعد حين.
لا مفرّ من التوجّه إلى اللواتي يعانين في ظلال حياتهنّ الجنسية، ولا يمكن الاستمرار بإنكار ما هو ضروري وأساسي في حياة الناس. الصحة كلٌ متكامل وليس من الفطنة بشيء أن لا تكتفي النساء بما هو علة الارتباط بهن.