نجح الجيش اللبناني في ما كان يرمي إليه، وهو حصر وجود عناصر تنظيم داعش في بقعة جغرافية ضيقة، عبر تعطيل حركتهم بعد السيطرة على معظم المعابر والطرق التي يستخدمونها في مناوراتهم. سيطر الجيش على 100 كيلومتر مربع من أصل 120 كان التنظيم يسيطر عليها. وقد تم دفع عناصر التنظيم إلى التراجع في اتجاه الحدود السورية، وتحديداً عن معبر مرطبياً، الذي قد يكون المعبر الوحيد الذي سيستطعيون استخدامه للانسحاب من تلك المنطقة، في اتجاه الداخل السوري.
استطاع الجيش في خمسة أيام تحقيق أهداف كبيرة من العملية، أهمها السيطرة على مختلف التلال والوديان التي كان يحتلها تنظيم داعش، وعمل الجيش على ربطها ببعضها البعض عسكرياً، بعد إزالة الألغام منها وتنظيفها، وجعلها آمنة بعد تعزيز الحزام العسكري حولها. وقد شهدت المرحلة الثالثة من عملية فجر الجرود، سيطرة الجيش على راس الكف بعد اشتباكات عنيفة مع عناصر التنظيم، الذين عمدوا إلى الانسحاب فوراً بفعل تضعضعهم، وفق ما تؤكد مصادر عسكرية متابعة. وتمكن الجيش من تحرير قرنة شعابة الوشل في جرود رأس بعلبك.
وقد أعلنت قيادة الجيش أن المساحة المتبقية هي 20 كيلومتراً مربّعاً، مشيرة إلى الاستعداد لانهائها مع مراعاة القانون الدولي الإنساني. وتؤكد المصادر أن الجيش يهدف إلى تحرير مرطبيا وسراج حقاب الشير والشاحوط في منطقة عرسال ليعلن بعدها الانتصار. وفيما نفى الجيش أن يكون أسر أي عنصر من مقاتلي داعش، تبدو لافتة حالات الإنسحاب التي يقوم بها عناصر التنظيم وقياديوه في اتجاه الأراضي السورية، حيث يخوض كل من حزب الله والجيش السوري معركة معهم. وهنا، لا بد من العودة إلى اليوم الأول من المعركة، إذ قام عدد من قادة التنظيم ومقاتليه بتسليم أنفسهم إلى حزب الله معلنين الاستسلام.
عملياً، أصبح التنظيم محاصراً من الجهات الأربع في المساحة المتبقية له. فمن الجهة السورية حزب الله والجيش السوري، ومن الجهة اللبنانية الجيش اللبناني. وتشير مصادر متابعة إلى أن ثمة توجهاً لدى حزب الله والجيش السوري، بعدم استكمال القتال حتى النهاية، مع استمرار الضغط على عناصر التنظيم، لإجبارهم على الانسحاب، لأن الحسم العسكري قد يسمح لهم الاستشراس في القتال، واللجوء إلى تنفيذ عمليات إنتحارية توقع خسائر كبرى في جميع الأطراف. ما سيؤدي إلى إطالة أمد المعركة. بالتالي، من الأفضل تحقيق النتائج المرادة من المعركة بدون خوضها، أي انسحاب عناصر التنظيم من تلك المنطقة، في اتجاه الداخل السوري. وتفيد المعلومات بإمكانية انسحابهم إلى دير الزور، حيث سيتم الاستثمار في وجودهم هناك، أو في البادية، خصوصاً أن ثمة رهاناً لدى حزب الله والجيش السوري، بأن ذهاب هؤلاء إلى تلك المنطقة، سيحتم عليهم فتح معركة ضد القوات المعارضة الأخرى. بالتالي، يرتاح الحزب والجيش السوري من خوض هذه المعركة، طالما وجد من يخوضها عنهم.
وبالتأكيد، إن عمليات الإنسحاب، أو فتح الطريق أمام عناصر التنظيم للانسحاب من تلك المناطق إلى الداخل السوري، لن تحصل قبل الاتفاق على جملة بنود، أبرزها ملف العسكريين المخطوفين، وجثث عدد من مقاتلي حزب الله التي يحتجزها التنظيم، بالإضافة إلى احتمال وجود أسير للحزب لا يزال على قيد الحياة، وهو كان قد أسر في تدمر قبل أشهر. يصر حزب الله على رفض إعلان أي تفاوض مع التنظيم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الجيش، مع الإشارة إلى أن هذا التفاوض يحصل تحت النار، وهو مرتبط بالمعلومات التي يقدمها التنظيم عن مصير العسكريين المخطوفين.
ولا بد من الإشارة إلى أنه حتى إذا ما جرى الاتفاق على انسحاب التنظيم من الجرود، فإن ذلك لن يحصل بشكل علني، أي لن يكون على غرار ما حصل مع جبهة النصرة التي انتقل مقاتلوها إلى إدلب بالباصات، بل سيكون انسحاب هؤلاء بآلياتهم وبدون أي ترتيبات، وعلى دفعات مع استمرار العمليات العسكرية وبدون الإعلان عن وقف لإطلاق النار.