يؤكد دبلوماسيون عرب أنّ الهمّ الإقليمي يطغى على الملف اللبناني في اجندة السعودية، لكن لن يكون على حسابه، بل إنّ التوظيف الاقليمي الجيد سيصبّ في خانة لبنان، الذي سيستفيد حكماً من سلسلة خطوات كبرى سعودية، في العراق وسوريا واليمن والمقصود هنا، المواجهة الدائرة مع التمدّد الإيراني.
يفنّد الدبلوماسيون العرب الصورة على ما تشتمل من تناقضات وعناصر بالآتي:
أولاً: في الملف العراقي، خطت السعودية خطواتٍ متقدّمة على طريق عودة التواصل مع شيعة العراق، وما شهدته الرياض من اتصالات وزيارات علنيّة، وما تشهده الاتصالات غير المعلنة، يقود الى توقّع حصول خرق كبير، لاستعادة جزءٍ من العراق الى الواقع العربي، فالاتصالات عميقة ليس فقط مع السيد مقتدى الصدر، بل مع كثير من الاطياف، وما ساعد فيها، وصول العراق في ظل النفوذ الإيراني الى حافة الدولة الفاشلة، وهو ما حرّك اتجاهاً شيعياً تدعمه مرجعيّة النجف، لفتح الأبواب مع العالم العربي من الباب السعودي، وتلقّفت المملكة الطابة، فاوصلت رسائل بالرغبة في التعامل مع العراق بكلّ مكوّناته، وبالإضافة الى التواصل مع شيعة العراق، هناك خطوط مفتوحة مع الأكراد.
ثانياً: في الملف السوري، ينقل الديبلوماسيون العرب عن دوائر القرار النفي الكامل لأيِّ تسليمٍ ببقاء الرئيس السوري في السلطة، ويؤكدون أنّ بقاء الاسد مرفوض رفضاً تاماً، وبأنّ تنسيقاً يحصل مع الاميركيين والروس، لتحجيم النفوذ الايراني في سوريا، علماً أنّ الموقف الروسي، قطع أشواطاً في الاتفاق على تأمين المناطق الآمنة، وهذا الموقف تخطّى المصالح الروسية في سوريا مرات عدة أبرزها بما يتعلّق بضمان الحدود مع اسرائيل، اما على الصعيد العربي فينقل الديبلوماسيون أنّ السعودية نجحت في توسيع المسافة بين مصر والنظام السوري، وقد تُرجم ذلك في امتناع الديبلوماسية المصرية عن تأييد نظام الأسد، خصوصاً في مرحلة ما بعد قمّة الرياض.
ثالثاً، يكشف الديبلوماسيون العرب أنّ جهوداً سعودية تسجّل في اليمن لتضييق الخناق على الحوثيين، ومواجهة النفوذ الايراني، وهذا يتّخذ أشكالاً عدة، لكنّ المؤكد أنّ مناطق سيطرة الحوثيين وعلي عبدالله صالح ستشهد مزيداً من الضغوط حيث بات من المعلوم أنّ هؤلاء لم يعودوا يسيطرون إلّا
على عشرين في المئة من اليمن، بما فيها محافظتي صنعاء وصعدة.
انطلاقاً من ذلك يشير الديبلوماسيون العرب الى أنّ تصوّرَ السعودية لدعم لبنان ومنع وقوعه تحت السيطرة الإيرانية، ينطلق من ترتيب تصوّر متكامل سوف ينعكس ايجاباً على لبنان.
وتتعاطى المملكة بطريقة مدروسة مع الوقائع اللبنانية والأطراف، فالعلاقة مع الرئيس سعد الحريري ثابتة يحكمها الموقف من أداء الحكومة، والنظرة الى الجيش تغيّرت بعد معركة جرود القاع، والرغبة السعودية في ترتيب البيت السنّي ستدخل حيّز المسعى العملي، من زاوية التعاطي مع الجميع وعدم حصر العلاقة بطرف محدَّد، بل بتوثيق العلاقة مع أطراف أثبتوا التزاماً في مواجهة مشروع «حزب الله».
يؤكد الديبلوماسيون العرب أنّ السعودية لم تُسقط من حسابها أنّ مشروع 14 آذار لا يزال قائماً، رغم كل ما أصابه من عثرات. يشدّدون على أنّ إعادة جمع قوى 14 آذار باتت هدفاً تسعى المملكة الى تحقيقه، سواءٌ بالنسبة الى مَن هم داخل الحكومة أو خارجها، فـ 14 آذار أثبتت القدرة على منع الابتلاع الإيراني للبنان، وواجهت نظام الأسد، وحققت المحكمة الدولية، وساهمت في انتاج القرارات الدولية التي تحمي لبنان، واعادة جمع هذه القيادات، ليست مهمة مستحيلة، أما التوقيت فغيرُ مرتبط بالتسرّع، وعلى رغم أنّ أولوية الملفات السورية والعراقية واليمنية، تبقى أولوية أولى، لكنّ الملف اللبناني وُضع على الطاولة، وستشهد بيروت زياراتٍ قريبة لترجمة هذا التوجّه.