في اللحظة التي يتم فيها ترتيب البيت العراقي فإن الأمور تتجه وإن بخطى بطيئة للخروج من تحت العباءة الإيرانية.
فالانكفاء الأميركي عن الساحة العراقية الذي بدأ منذ أكثر من عقد من الزمن افسح المجال لإيران لمد اذرعها على الجار العربي مستفيدة من حالة الفوضى التي عمت أرجاء البلاد على خلفية الحروب الداخلية المذهبية والقومية التي فتت وحدته والإمساك بكافة المفاصل العراقية. السياسية منها والعسكرية والأمنية والاقتصادية. وتحويله إلى ورقة للاستخدام في سياق مشروعها الإستراتيجي في المنطقة في مشهد بدا العراق وكأنه إحدى المحافظات الإيرانية.
وفي تحقيق نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية منتصف الشهر الماضي جاء فيه أن العراق بات أشبه بضاحية إيرانية. فكل شيء هناك إيراني. من زجاجة المرطب إلى الدبابة التي تعبر حدودا مفتوحة مرورا بالاسمنت وحجارة الطوب والبرامج التلفزيونية المتعاطفة مع طهران. حتى جمع النفايات فإنه يجري تلزيمها لشركات إيرانية .
والمشكلة لم تتوقف عند حدود إغراق الأسواق العراقية بالسلع الإيرانية وبالهيمنة على الاقتصاد العراقي. بل أنها تتعدى ذلك لتصل إلى مستوى إمساك القيادة الإيرانية بالقرارات العراقية سياسيا وعسكريا وامنيا وهو ما أنتج حالة تململ داخل المجتمع العراقي تمت ترجمته بأطلاق حركة شعبية تقودها قوى وقيادات عراقية لرسم قواعد السيادة الوطنية العراقية. واستعادة العراق من الحضن الإيراني وتعزيز روابط العراق العربية والابتعاد عن الأطر التي تحاول إيران فرضها عليه لتجعل منه ممرا ومعبرا لمصالحها نحو سوريا وصولا إلى لبنان.
إقرا أيضا: التحضير لمعركة الجرود أكبر من المعركة.
وفي ظل هذا الواقع العراقي جاءت الزيارتين التي قام بهما السيد مقتدى الصدر إلى كل من السعودية والإمارات العربية لتلقى ترحيبا واسعا في الأوساط الشعبية العراقية وارتياحا لدى بعض القيادات الفاعلة في العراق. سيما وأن هاتين الزيارتين تمتا بموافقة رئيس الوزراء حيدر العبادي. وأنه على استعداد لزيارة مصر إذا ما وجهت إليه دعوة بذلك. حسب ما ورد عن أوساط الصدر.
ومن المعروف عن السيد مقتدى الصدر وقوفه دائما ضد الهيمنة الإيرانية على العراق إذ أنه وعشية الانتخابات في شباط العام 2014 شن هجوما ضد إيران ورجلها القوي نوري المالكي حيث قال يومها السياسة في العراق صارت بابا للظلم والاستهتار ليتربع ديكتاتور وطاغوت فيتسلط على الأموال وينهبها. وعلى الرقاب فيقصفها. وعلى المدن فيحاربها. وعلى الطوائف فيفرقها. وعلى الضمائر فيشتريها. وعلى القلوب فيكسرها. ليكون الجميع مصوتا على بقائه في السلطة وفي انتقاد مباشر لإيران قال العراق تحكمه ثلة جاءت من خلف الحدود. لطالما انتظرناها لتحررنا من الديكتاتورية. لكنها تتمسك بالكرسي باسم الشيعة والتشيع. ولا يجوز ترك العراق للديكتاتورية الجديدة المتمثلة بالمالكي ويجب مواجهة الطاغوت.
وكذلك فإن الصدر وقف دائما ضد الحشد الشعبي الذي حولته إيران إلى ميليشيا مسلحة تابع لها.
وبموازاة ذلك فإن السيد عمار الحكيم كان أعلن عن انسحابه من المجلس الأعلى الإسلامي الذي تأسس في إيران إبان الحرب العراقية - الإيرانية كخطوة للخروج من تحت العباءة الإيرانية. ومن ثم أسس تنظيما جديدا بإسم تيار الحكمة الوطني الذي شكل بقعة ضوء للكثير من الشبان العراقيين الذين أعلنوا عن التحاقهم به والانضمام إليه. وفي ذلك إشارة لمدى الامتعاض الذي تعاني منه شرائح واسعة من المجتمع العراقي وخاصة في الأوساط الشيعية من الهيمنة الإيرانية ومن التعامل الفوقي الإيراني مع العراقيين.
إقرا أيضا: إيران والعزف على وتر الدم العراقي
ويصف أحد أئمة المساجد المحسوبين على التيار الصدري في العراق بعض كبار قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية العراقية الموالية لإيران وفي مقدمتهم نوري المالكي بالعملاء. عندما قال في خطبته الاخيرة / أن زيارات الصدر إلى الدول العربية ما هي إلا محطة أولية لتغليب إرادة العراق على إرادة العملاء. ونرفض أن يكون العراق تابعا لأي بلد في العالم .
فبنفس المقدار الذي يخوض العراق حربا شرسة للقضاء على إرهاب داعش. فإن قيادات وازنة عراقية تقود حركات شعبية واسعة لتحريره من التبعية الإيرانية.