يؤكد الإيرانيون أن هناك مرحلة جديدة في المنطقة، على الجميع التكيف معها. ترتكز هذه المرحلة، بالنسبة إليهم، على جملة معطيات وتحولات، تمتد من سوريا إلى اليمن. وتقتضي، من وجهة نظر الإيرانيين، تقديم أوراق الإنفتاح على الجميع، ليس في السياسة والحوار السياسي بشأن المواضيع الخلافية فحسب، إنما تريد توسيع مروحة الحوار والتشاور لتشمل أموراً دينية، من خلال تعزيز التواصل بين مختلف المذاهب الإسلامية، ولا سيما الشيعة والسنة. عملياً، كانت هذه الرؤية الإيرانية الأساسية التي أطلقها الرئيس حسن روحاني في خطاب تنصيبه. وهو ما يشدد عليه المرشد علي خامنئي.
منذ يوم التنصيب الذي حضره الرئيس نبيه بري، كان هناك انطباع لبناني بالتحولات الإيرانية. ومنذ ذلك الوقت، تم تحديد زيارة نائب وزير الخارجية الإيرانية لشؤون الشرق الأوسط حسين جابري أنصاري إلى لبنان. وترتكز الزيارة التي بدأت أمس الاثنين، على توجيه إيران أكثر من رسالة إلى اللبنانيين ومن خلالهم إلى دول المنطقة والعالم. وهذا المبدأ الجديد ينطلق من اللقاءات التي سيعقدها أنصاري مع مختلف القيادات السياسية، ولن تقتصر على الرؤساء الثلاثة.
تأتي الزيارة في لحظة سياسية مفصلية، بعد خوض حزب الله معركة جرود عرسال، وخلال خوض الجيش المعركة ضد تنظيم داعش. وهذا ما حظي بدعم من أنصاري، الذي أكد استمرار إيران بدعم لبنان في مواجهة الإرهاب. صحيح أن عنوان الزيارة هو التأكيد على الإنتقال إلى المرحلة الجديدة، ودعوة اللبنانيين إلى المشاركة فيها؛ وصحيح أن أنصاري وجه دعوة إلى رئيس الجمهورية ميشال عون لزيارة طهران، إلا أن الهدف الأساسي من الزيارة، وفي توقيته، ينحصر في إعلان إيراني ضمني، الإنتصار في المنطقة، وفوز خياراتها السياسية. وهذا ما حاول أنصاري تأكيده خلال لقاءاته كلها.
تعتبر إيران أنها تخطّت الصعوبات التي تواجهها في سوريا، في إشارة منها إلى إنتصار رئيس النظام السوري بشار الأسد، أو على الأقل سيره في طريق إعلان الإنتصار. الوجود في لبنان في هذا التوقيت، يهدف إيرانياً إلى الإشارة إلى أنه تم ضم البلد الصغير إلى المحور، ليس في السياسة فحسب منذ انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية وغلبة هذا الخيار على غيره من الخيارات، إنما عسكرياً وجغرافياً، بفعل تمكن حزب الله من تذويب الحدود بين البلدين ودمجها والسيطرة على المناطق المتداخلة بينهما في السلسلة الشرقية، بعد خروج جبهة النصرة من تلك المناطق إلى الشمال السوري. وما تريد إيران تكريسه هو أن هذا الإنتصار الذي تحققه يتكامل بفعل المعركة التي يخوضها الجيش اللبناني ضد تنظيم داعش في السلسلة الشرقية. وذلك واضح في كلام أنصاري بعيد لقائه رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط، حين قال إن إيران تدعم لبنان بثلاثيته الشهيرة والثابتة، وهي الجيش والشعب والمقاومة.
يريد الإيرانيون تأكيد أن لبنان دخل العصر الإيراني في هذه المرحلة، تماماً كما يبدون تمسّكهم بالحلّ السياسي للأزمة السورية وفق لقاءات آستانة، وليس وفق مؤتمر جنيف الذي ينص على مرحلة إنتقالية بدون الأسد، إنما ترك الخيار للشعب السوري. لكنهم، في الشكل، يحاولون عدم إخراج هذه المعادلة بطريقة استفزازية، لذلك يركّز مسؤولوهم على أهمية الحوار، والتواصل وتعزيز العلاقات المشتركة بين البلدين، هذه البنود شكّلت هوامش رئيسية من زيارة أنصاري إلى بيروت، كتعزيز التعاون الإقتصادي بين البلدين، والتعاون المصرفي، إلى جانب توجيه دعوات إلى مستثمرين لبنانيين للاستثمار في إيران. وهناك من يشير إلى التماسه إشارات إيرانية ضمنية، بشأن التعاون في مجال إعادة الإعمار في سوريا، بعد مرحلة محاربة الإرهاب.