تنظر تركيا وإيران في إمكانية عرقلة مساعي إقليم كردستان العراق للاستقلال عن بغداد، عبر القيام بعملية عسكرية منسقة ضد فصائل كردية تتخذ من المثلث الحدودي قرب إيران وتركيا قاعدة لها، رغم اختلاف مقاربتهما إزاء مصير الرئيس السوري بشار الأسد.
وإقامة كيان كردي مستقل على الحدود بين البلدين قد تسهم في خفض مستوى تصعيد أنقرة وإصرارها على رحيل الأسد، عبر تهدئة حدة خطابها السياسي. ورغم ذلك لا تزال طهران مصرة على رؤيتها بربط مصيره بمصالحها البراغماتية والمذهبية في آن واحد.
ونقل رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني عن المرشد الإيراني علي خامنئي قوله إن بلاده تنظر إلى سوريا من باب المصلحة، بغض النظر عن اعتبار بعض المسؤولين الإيرانيين الأسد دكتاتورا.
وقال سليماني، خلال مشاركته في المؤتمر العالمي الـ15 ليوم المساجد في طهران، إن “بعض أصدقائنا الذين يتبوؤون مناصب رفيعة داخل البلاد وخارجها، كانوا يقولون: لا تدخلوا سوريا والعراق، احموا إيران وهذا يكفي، حتى أن أحدهم قال: هل نذهب لندافع عن الدكتاتوريين؟ بينما المرشد أجاب بالقول: هل ننظر إلى أي حاكم للدول التي نقيم علاقات معها هل هو دكتاتور أم لا؟ نحن نراعي مصالحنا”.
وتجمع إيران وتركيا على الطبيعة الدكتاتورية لنظام الأسد، لكنهما مختلفتان جذريا في كيفية مقاربة العلاقة مع سوريا في المستقبل.
لكن ليس للبلدين نفس الرؤية بالنسبة لمنطقة شمال العراق التي باتت تمثل تهديدا للجانبين، ينذر بإمكانية التعاون عسكريا لعرقلة قيام دولة كردية مستقلة في المنطقة.
وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن عملية مشتركة مع إيران ضد المقاتلين الأكراد “مطروحة على الدوام”، بعد أسبوع من زيارة قام بها رئيس الأركان الإيراني الجنرال محمد باقري إلى تركيا، وناقش الطرفان سبل التعاون ضد المسلحين الأكراد.
ونقلا عن تقرير نشرته صحيفة “توركيي” التركية، الاثنين، فإن إيران قدمت “اقتراحا مفاجئا” لأنقرة لبدء تعاون مشترك ضد المسلحين الأكراد في منطقتي قنديل وسنجار في شمال العراق.
وأشارت الصحيفة إلى أن الاقتراح شكل مفاجأة لأنقرة، إذ يشكو المسؤولون الأتراك منذ زمن طويل من أن طهران تركت تركيا تحارب بمفردها كوادر حزب العمال الكردستاني وبنيته المالية وأنشطته السياسية.
وتخوض تركيا معارك استمرت لعقود ضد حزب العمال الكردستاني المحظور، فيما تقاتل قوات الأمن الإيرانية جناح الحزب على أراضيها، المعروف بحزب الحياة الحرة الكردستاني، وللجماعتين قواعد خلفية في العراق.
ومن غير المرجح أن يصل مستوى التنسيق إلى القيام بعمليات ضد قواعد الحزب من خلال قوات مشتركة بين الجانبين، لكن من غير المستبعد أيضا أن يشن الطرفان هجومين متزامنين في منطقتين جغرافيتين مختلفتين منعا للصدام بينهما.
وإذا حدث ذلك فسيكون كافيا لتعطيل إجراء الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان العراق، الذي أعلنه رئيس الإقليم مسعود البارزاني، بحجة قتال قوات حزب العمال الكردستاني في جبال سنجار والمناطق المحيطة بها.
قاسم سليماني: إيران تنظر إلى سوريا من باب المصلحة، بغض النظر عن دكتاتورية الأسد
ويقول خبراء عسكريون إن دخول قوات تابعة لتركيا وإيران إلى المنطقة سيكون من أجل بقائها هناك لفترات تسمح لطهران وأنقرة بالتأكد من تراجع الهدف المعلن لاستقلال الإقليم، دون وضع حدود زمنية معينة.
وقال باقري، الاثنين، إنه تم الاتفاق خلال الزيارة على أن تعزز تركيا انتشارها على حدودها مع إيران.
وأضاف “أن تحركات تركيا وإيران تكمل الواحدة الأخرى. لقد توصلنا إلى اتفاقات جيدة لمنع مرور الإرهابيين على جانبي الحدود”.
وأشار مسؤولون هذا الشهر إلى أن تركيا بدأت بالفعل بناء “جدار أمني” على امتداد جزء من حدودها مع إيران، على غرار حاجز مشابه على الحدود السورية.
ويمر البلدان بمنعطف صعب في علاقتهما بالولايات المتحدة، إذ وضعت الإدارة الأميركية الجديدة إيران تحت ضغط دائم إثر تهديد الرئيس دونالد ترامب طوال الوقت بالانسحاب من الاتفاق النووي، بالإضافة إلى العمل على استراتيجية تطمح للحد من النفوذ الإيراني في كل من العراق وسوريا.
وفي الوقت ذاته يشعر أردوغان بمحدودية الخيارات أمام دعم أميركي غير محدود لقوات سوريا الديمقراطية، التي يهمين عليها الأكراد السوريون، في قتالها تنظيم الدولة الإسلامية في محافظة الرقة السورية.
وإلى جانب استفتاء كردستان، شجع التصعيد مع الولايات المتحدة، باختلاف درجاته، تركيا وإيران على البحث عن أرضية مشتركة للتعاون، في صورة قتال الأكراد على الحدود العراقية مع البلدين.
وفي ظل تخبط يسود السياسة الخارجية التركية جراء التوتر في علاقات أنقرة مع كل من موسكو وواشنطن وسوء تلك العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، يجد أردوغان نفسه مضطرا للتعامل ببرغماتية مع الإيرانيين الذين عمد في السابق إلى توجيه انتقادات لاذعة لهم، ولحكومة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، التابعة لطهران.
فالسجال الذي جرى بين أردوغان والمالكي قبل نحو عامين اتخذ منحى مذهبيا صارخا، بدت معه الخلافات بين سنة وشيعة العراق كنزاع بالوكالة بين إيران وتركيا.
وبعد ذلك انتقد أردوغان تنامي “النزعة القومية الفارسية” في المنطقة، خصوصا في ما يتعلق بنفوذ الميليشيات الشيعية في العراق.
ومنذ إعلان البارزاني عن إجراء استفتاء على استقلال الإقليم، تراجعت كثيرا علاقات أربيل وأنقرة، لكن ليست هذه العقبة الوحيدة في طريق العملية العسكرية المزعومة.
وسيكون على تركيا الدخول في نقاش موسع مع إيران حول علاقات ميليشيات الحشد العشبي بفصائل حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.
وتقيم ميليشيات الحشد الشعبي الموالية لإيران علاقات متينة، تقترب من التحالف، مع القوات التابعة للحزب الكردي المحظور في منطقة سنجار.
وتسعي ميليشيات الحشد الشعبي حاليا إلى استغلال معركة قضاء تلعفر، التي انطلقت فجر الأحد، للحصول على موطئ قدم قرب الحدود التركية، بهدف تحقيق تماس ميداني مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني الحليف من جهة، وتهديد ممر التواصل الوحيد بين مدينة أربيل وقوات البيشمركة المنتشرة في تخوم جبل سنجار معقل الطائفة الإيزيدية، من جهة ثانية.
واستغربت أوساط مطلعة قيام طهران بمجاراة أردوغان في القيام بعملية مشتركة ضد الأكراد، في ظل مصالح إيرانية دقيقة لا تتيح تفريطا بالعلاقة مع الأكراد التابعين لحزب العمال الكردستاني في الميدان العراقي المحيط بتلعفر.