واستمرت مع موجة ما كان يُعرف بـ«الربيع العربي» التي طاولت أكثر من بلد، وأزاحت أنظمة حكمت بلادها لعقود. وصولاً إلى المشهد السوري الذي انعكست أحداثه مباشرة على الساحة اللبنانية، من نزوح ملايين السوريين إلى أراضيه، وتسلّل مجموعات إرهابية اليه، وتمركزها في جرود جباله، وفي الداخل على شكل خلايا نائمة.يشهد الواقع الإقليمي متغيرات مهمة، على صعيد التبدّل في أحداثه المرتبطة بمشروع فرض النفوذ على المنطقة، بما يتناسب مع مصالح القوى الإقليمية اللاعبة على أراضيه.
فبين السياسة الغربية وحلفائها من العرب بقيادة الولايات المتحدة، وبين محور دول الممانعة بزعامة المايسترو الروسي الذي يمدّ شباكه داخل العمق العربي عبر جماعاته المقاتلة في أكثر من بلد، تقع المنطقة العربية أسيرة الأحداث المتسارعة وتعيش حالة الإنتظار المتغيرة.
أحداث كثيرة حصلت في المنطقة، فسرّعت في وضع لبنان أمام استحقاقات جديدة، أبرزها:
- توتر العلاقة بين الدول العربية ودولة قطر على سبيل المثال، على خلفية اتهام الأخيرة بدعم المشروع الإرهابي وتمويله، هو جزء من النزاع الإقليمي، الذي انعكس سلباً على الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق وجرود عرسال والقاع اللبنانية.
- تزايد العمليات الإرهابية في العالم، خصوصاً في أوروبا، وتبنّي تنظيم «داعش» المسؤولية، حفّز دول العالم لتوحيد الجهود في ما بينها، في سبيل ضرب الإرهاب أينما وجد، ومعاقبة مموّليه. لذا، تزايد الضعط الدولي على الدول الداعمة له، فدفع بكثير من الدول إلى التعديل في سياساتها الخارجية في موضوع دعم الجماعات الإرهابية.
- تراجع القرار الدولي في إسقاط نظام الأسد من الحكم في سوريا، لدى قادة الدول الغربية، وتقاطعه مع تعاظم دور دول الممانعة في المنطقة، بعدما فرض اللاعب الروسي واقعاً تغييرياً في إعادة رسم خريطة الطريق الأميركية.
هذه التغييرات الإقليمية، إضافة إلى موقع لبنان الجغرافي جعل منه على مرّ السنين بلداً يمتصّ الصدمات المحيطة به ويتفاعل معها، وبالطبع يتأثر بها. ولهذا السبب، لم يشهد لبنان سياسة واضحة مبدئية، ولم تستطع حكوماته منذ بداية الأزمة السورية اتخاذ مواقف رسمية جادّة تجاه هذه الأزمة، إلّا سياسة «النأي بالنفس» التي أقرّتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
فرض المشهد الإقليمي الجديد هذا على الحكومة اللبنانية التعاطي بجدية، حيث بدأت آثاره تظهر في حدّة النقاشات الدائرة داخل مجلس الوزراء، حول موضوع التنسيق مع الجانب السوري، الأمر الذي دفع بالرئيس سعد الحريري إلى وضع قراءة جديدة لسياسة حكومته.
قراءة انعكست تنسيقاً مُحدثاً بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، بهدف تجنيب البلاد ارتدادات المرحلة المقبلة. فأتى بولادة حلف إنتخابي جديد بين تيار «المستقبل» و«التيار الوطني الحرّ»، قد تطول جذوره إلى ما بعد العملية الإنتخابية.
أخيراً، لا يبنى الموقف السياسي الذي يخصّ المصلحة العليا للبلاد انطلاقاً من المشاعر العدائية، أو العدوانية للطرف الآخر، بل عبر قراءة منطقية وعقلانية للأحداث الدائرة في المنطقة، والتغييرات التي تفرضها مسارات الحروب ومصالح الدول الكبرى.
لذلك، فرضت التغييرات الإقليمية على الأطراف اللبنانية:
- التنسيق والتناغم المباشر بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة من جهة، ورئيس الحكومة و«حزب الله» بشكل غير مباشر، مردّه إلى التموضع الجديد للحكومة اللبنانية في ظلّ ما يحصل في المنطقة، ولا سيما موضوعي سوريا، وضرب الإرهاب.
- إشكالية التنسيق بين الحكومة اللبنانية والسورية حول معالجة القضايا العالقة بين البلدين، والتي تثقل الواقع اللبناني، أكثر ممّا تعطي الشرعية للنظام السوري. فهل ستشهد العلاقات تنسيقاً رسمياً لعودة النازحين وضبط الحدود والقضاء على الإرهاب، طالما أنه لم يكن هناك مشكلة في استيراد الطاقة من سوريا؟