ما إن انتهت "نجاح" من تناول التبّولة، حتّى قدّمت لها صديقتها "سلوانا" كأساً من الويسكي لتحتسيه. ارتشفت القليل منه وسرعان ما شعرت بانقباض شديد في معدتها وغشي في بصرها وفقدت وعيها.
حالت العناية الإلهيّة دون وفاة تلك السيّدة، فاستفاقت في المستشفى بعدما جرى إسعافها من قبل فريق طبّي، وعندما غادرت مكان العلاج لترتاح في منزلها، لحظت فقدان مبلغ تسعماية دولار أميركي من محفظتها وأنّ أواني الطعام والشراب قد جرى غسلها!
أثيرت الشبهات نحو "سلوانا" فاستدعيت للتحقيق، ليتبيّن أنّ حادثة مماثلة كانت وقعت قبل عام واحد في محلّة المعاملتين مع امرأة ثانية هي "دفينا. ش" من التابعية الموريسيّة (جزيرة في أفريقيا) لكنّ الأخيرة قد فارقت الحياة في ظروف غامضة.
ما آلت إليه التحقيقات التي استمرّت لأعوام طوال، أدانت بالأدلّة المشتبه بها "سلوانا. ي" (لبنانيّة، مواليد العام 1957) فجرى توقيفها والإدّعاء عليها بجرم القتل عمداً ومحاولة القتل تمهيداً للسرقة والتخطيط بهدوء وعزم على تنفيذ جرائمها.
وقائع الحكم القضائي الصادر عن محكمة الجنايات في جبل لبنان برئاسة القاضي فيصل حيدر (الحكم صدر بعد 14 عاماً على وقوع الجرم وبعد 13 عاماً من توقيف المتهمة) أوردت ما يلي:
كانت المرحومة "دفينا. ش" تقيم في شاليه بمحلّة المعاملتين مع زوجها "جاك. ب" الذي يعمل في الكويت ويتردّد إلى لبنان كلّما سنحت له الفرصة. بتاريخ 7 آذار 2003، حاول الزوج الإتصال بزوجته من الخارج على رقم هاتفها الخلوي فلم يفلح كون الهاتف مقفلاً. أعاد الكرّة مراراً وتكراراً ولمّا باءت كلّ محاولاته بالفشل، إتّصل بصديقه "أ.ي" وأبلغه بالأمر. توجّه الأخير إلى الشاليه وطلب من المُؤجّر أن يفتح بابه وكان ما لم يكن بالحسبان.. الزوجة جثة هامدة على سريرها.
تكثّفت التحقيقات، فبيّنت أنّ "سلوانا. ي" كانت حضرت صباح يوم الحادث إلى منزل المجني عليها وتناولت طعام الفطور معها في الشاليه، وأنّه فُقد من المكان مبلغ من المال ومصاغ وهاتف خلويّ ومواد غذائيّة. كما تبيّن أنّ علاقة صداقة كانت تربط المتهمة بالشاهدة "نجاح.ع" (تعرّضت لاحقاً لمحاولة قتل) وأنّها طلبت منها (أي من نجاح) تأمين محل لها لتستأجره وتستثمره في بيع المناقيش. بالفعل، وُفّقت "نجاح" بمحل في محلّة برج حمود ولمّا أبلغت "سلوانا" بالأمر، طلبت الأخيرة من صديقتها "دفينا" إقراضها مبلغ 300 دولار فوافقت، ودعتها للحضور في اليوم التالي لتناول طعام الفطور واستلام المبلغ، ليتم العثور بعدها على جثّة المغدورة دون أن يجزم الطبيب الشرعي ما إذا كانت الوفاة قد تمّت بصورة طبيعية أو مفتعلة لأنّ الكريات البيضاء العالية التي أظهرتها الفحوصات يمكن أن يكون أحد أسبابها تناول السمّ أو ربما يكون ذلك لأسباب طبيّة أخرى.
وقد عرضت المشتبه بها على "نجاح" شراء الهاتف الخلوي الذي سرقته من المغدورة فتمّت البيعة. لكنّ الشارية عادت وباعته إلى محل لبيع الهواتف الخلوية في الشمال بعد أن وجدته معقّد الإستعمال وبعد أن رفضت "البائعة" إستعادته.
سنة مرّت على تلك الواقعة، قبل أن تحضر "سلوانا" إلى منزل "نجاح" في محلّة أدونيس لزيارتها. كانت الأخيرة يومها تتأهّب لاصطحاب ابنها إلى الطبيب، فطلبت من صديقتها أن تبقى بانتظارها في المنزل ريثما تعود. وما لبث أن حضر صديق العائلة "ج.ط"، فطلبت منه أيضا البقاء على أن تعود وتجلس مع ضيفيها. ما إن وصلت، حتّى تناول الجميع التبّولة التي كانت أعدّتها مسبقاً، فيما حضّرت "سلوانا" كؤوس الويسكي للجميع وطلبت من "نجاح" إحتساء كأسها، ولمّا رفضت أصرّت عليها ما جعلها تحتسي رشفة منه، وما لبثت أن أحسّت بانقباضٍ شديد في معدتها وغشاوة في بصرها (هذا ما أكّده الشاهد "ج.ط" في إفادته).
اتصل صديق العائلة فوراً بالصليب الأحمر فتمّ نقلها الى المستشفى. بعد أن طلبت "نجاح" من صديقتها إحضار حقيبة يدها ثمّ فقدت وعيها، ليتم اسعافها في مستشفى "سيّدة لبنان" التي مكثت فيه بضعة أيام. وعادت "نجاح" إلى بيتها ولمّا تفقّدت حقيبة يدها وجدت أن مبلغ 900 دولار أميركي قد فُقد منها.
التحقيقات أشارت إلى أنّ الجانية عملت، بعدما تمّ نقل "نجاح" إلى المستشفى، على تنظيف أواني الطعام والشراب، ولدى مواجهتها بأمر السرقة من قبل صديقتها توسّلت اليها بعدم تقديم شكوى ضدّها واعترفت أمامها بسرقة المبلغ، كما أقرّت بسرقة هاتف المغدورة "دفينا" الخلوي، ما استتبع التوسّع بالتحقيق لجهة وفاتها.
"سلوانا" أنكرت أمام المحكمة الجرم المسند إليها، وزعمت أنّ المغدورة أعطتها هاتفها الخلوي كونه معطّلا وطلبت منها إصلاحه، لكنّ التحقيق بيّن انّ الهاتف المذكور جرى استعماله مراراً بعد فقدانه، ما يدحض مزاعم المتهمة ويؤكّد أن المتهمة أقدمت عمداً على قتل "دفينا" ومحاولة قتل "نجاح" تمهيداً للسرقة بعد التخطيط بهدوء لأفعالها.
وقد أصدرت محكمة الجنايات في جبل لبنان برئاسة القاضي فيصل حيدر، حكمها بالإجماع على المتهمة فأنزلت بها عقوبة الإعدام وخفّضتها إلى الأشغال الشاقّة المؤبّدة مع إلزامها بتسديد مبلغ 200 مليون ليرة لورثة المغدورة.