عكست خطبة لأحد الأئمة المحسوبين على التيار الصدري في العراق، إصرار التيار الذي يقوده رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر على الفكاك من أسر التبعية لإيران بإرساء علاقات متوازنة للعراق مع محيطه، بما في ذلك بلدان المحيط العربي التي شرع الصدر عمليا في التحرك صوبها بزيارته مؤخرا كلاّ من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وقد أكّدتا، باستقباله، فتحهما الباب لأي طرف عراقي معتدل وتعاملهما مع جميع العراقيين بعيدا أن أي اعتبارات طائفية أو غيرها.
ورفض إمام وخطيب الجمعة في مسجد الكوفة ضياء الشوكي أمس في خطبته أن يكون العراق “تابعا” لأي بلد في العالم، لافتا إلى أن زيارات الصدر إلى الدول العربية “ما هي إلا محطة أولية لتغليب إرادة العراق على إرادة العملاء”.
والشوكي أحد عشرة أشخاص كان مقتدى الصدر قد أعلن في 2016 أنّهم مخوّلون بإدارة أعمال التيار الصدري بكل تفاصيله الإدارية والمالية والسياسية، مشيرا إلى أن على جميع منتسبي التيار الرجوع إليهم وأنّ طاعتهم من طاعته.
وتتضمّن عبارة “العملاء” إشارة للخصوم السياسيين للصدر، وهم على وجه العموم بعض كبار قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية العراقية الأكثر ولاء لإيران، وفي مقدّمتهم رئيس الوزراء السابق زعيم حزب الدعوة الإسلامية نوري المالكي.
ويتابع مختصو الشؤون العراقية باهتمام حركة مقتدى الصدر الصاعد جماهيريا برفعه لواء الإصلاح وتجاوز الطائفية وإرساء علاقات متاوزنة للعراق بمحيطه. ويرون في محاولته التخفيف من حدّة ارتهان القرار العراقي لإيران نوعا من “الجسارة” تحمل إرهاصات ميلاد تيار سيادي ضمن الشيعة العرب.
ويرون أنّ الرجل يستفيد ببراعة من الأخطاء الجسيمة في العملية السياسية التي قادها خصوم له من زعماء الأحزاب الدينية، والتي آلت إلى وضع كارثي في العراق على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
وقال الشوكي في الخطبة المركزية لصلاة الجمعة بمسجد الكوفة والتي نقل أجزاء منها موقع السومرية الإخباري إن “حراك مقتدى الصّدر والاستجابة إلى دعوات زيارة السعودية والإمارات تأتي لخلق مناخ جديد ولتفكيك بؤر التوتر والقطيعة وفتح عهد جديد من العلاقات بين الشعب العراقي وشعوب المنطقة تقوم على الاحترام والصداقة والتعاون”.
خطاب ناري من قبل الصدريين يعكس الصراع المتصاعد بين الفرقاء السياسيين في العراق المقبل على مرحلة جديدة
ولا يبدو الصدر في محاولته الانفتاح على الدول العربية مفتقرا لتأييد في الداخل العراقي، حيث يبدو مستندا إلى دعم قوي من قبل رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي يشاركه ذات التوجّه.
ولمّح الشيخ صلاح العبيدي الناطق باسم زعيم التيار الصدري إلى أن زيارتي الصدر إلى كلّ من السعودية والإمارات تمّتا بموافقة العبادي وعلمه.
وقال في تصريح لـ”العرب” إنّ الصدر لن يمانع في زيارة مصر إذا ما وجّهت إليه دعوة بذلك.
وأضاف الشوكي، أن “الصدر حريص على أن يكون طرفا فاعلا في معادلة إطفاء الأزمات الطائفيّة التي أنهكت المنطقة، والتعاون من أجل نشر السلام والمحبّة بين الشعوب”، مبينا أن “هذه الزيارات ما هي إلا محطة أولية مهمة في تغليب إرادة العراق الأبيّ الحر على إرادة العملاء الأذلاء الذين باعوا العراق وأهله للأجنبي”.
ووصف إمام مسجد الكوفة، حراك مقتدى الصدر بأنه “يشكّل ضربة موجعة وقاصمة للتبعية والذل”، موضحا أن “الصّدر استطاع أن يكشف للعالم أجمع ولدول المحيط العربي ولأبناء الشعب العراقي في المناطق الغربية صدقه وتعامله الإنساني والوطني واعتداله”.
وأشار الشوكي إلى أنه “يأسف لأولئك الذين انطلت عليهم دعايات تجار الحروب وأمراء الفتن ودعاة تمزيق أبناء الأمة الواحدة، فالعراق موطن الأنبياء والأولياء والصالحين والمصلحين، وبالتالي فهو يستحق من أبنائه الأحرار، أقصى قدر من التضحية والتحمّل من اجل أمنه وإيمانه واستقراره ورفاه شعبه”.
وخاطب الشوكي العراقيين بالقول إنّ “الإصلاح والإفساد ضرتان متشاكستان، والتاريخ المعاصر ببابكم لتروا كيف روّج الفاسدون ضد الصدر الأوّل والصدر الثاني وموسى الصّدر اتهامات بالعمالة فقط لأنّهم تحرّكوا للإصلاح وخدمة العراق، ومن لم يتّعظ من التاريخ يقع فريسة سهلة للدعايات والإشاعات”.
وأشار إلى إننا “شعب العراق ظُلمنا واعْتُدي على كرامتنا وقتل من شبابنا العشرات من الآلاف ظلما وعدوانا، ودمرت مدننا وافتقد الناس أمنهم ونزحوا من ديارهم وحال الشعب من سيء إلى أسوأ وأغلب من تصدى للحكم فينا من سنة وشيعة لم ير الشعب منهم خيرا، بل إن فجورهم وظلمهم وسرقاتهم وإهمالهم أمور الرعية أشهر من إن يذكرها ذاكر وفوق الظلم الفادح تفننوا في إذكاء نار الطائفية، وأفسدوا علاقات العراق بكل دول العالم، وكل طرف يهارش الطرف الآخر في لعبة المحاور والاستقطابات التي صار العراق ميدانا لتصفية الحسابات”.
ويليق مثل هذا الخطاب “الناري” من قبل الصدريين بالصراع المتصاعد بين الفرقاء السياسيين في العراق المقبل بعد الحرب المرهقة التي خاضها ضدّ داعش، على مرحلة جديدة تتطلّب تغييرات جذرية مطلوبة بقوة من رجل الشارع ومن ضمنها تغيير الوجوه القديمة التي حكمت البلد منذ سنة 2003 وقادته إلى الوضع المعقّد الذي هو فيه الآن.
ولا تنفصل تحرّكات التيار الصدري عن طموحات سياسية، حيث يرى أتباع الصدر أنّهم همّشوا من قيادة البلد وتولّي مراكز تليق بمقام زعيمهم سليل أسرة آل الصدر المرموقة في مجال التدين الشيعي.
ولا يتردّد زعماء بالتيار في اتهام إيران بتهميشهم لحساب شخصيات أخرى موالية لها مثل نوري المالكي.