مع ساعات صباح اليوم الأولى، تكون قوات الجيش اللبناني والجيش السوري وحزب الله قد بدأت عملية متزامنة من الجانبين اللبناني والسوري ضدّ ما تبقى من إرهابيي تنظيم «داعش» في جرود رأس بعلبك والقاع وجرود بلدتي قارة والجراجير السوريتين.

وعلى الرغم من عدم وجود تنسيق رسمي معلن بين الجيشين، بسبب حسابات شخصية وسياسية لأطراف لبنانية لا تزال تنساق خلف أجندات خارجية ترفض التنسيق الطبيعي والمصلحة المشتركة بين الجيشين، إلّا أن انطلاق العمليات في توقيت واحد، يؤكّد وجود تنسيق الحدّ الأدنى الذي تتطلبه المعركة، حفاظاً على أرواح العسكريين من الجانبين، وضماناً لحسن سير العمليات القتالية وإحكام الطوق على إرهابيي «داعش» ومنعهم من إحداث أي خروقات على جانبي الحدود.
وبذلك ينطلق الجيش اللبناني في الساعة الصفر، فاتحاً المرحلة النهائية من معركة تحرير آخر الجرود الشرقية المحتلّة، وإنهاء وجود الإرهابيين الذين خطفوا جنوده وذبحوهم وأرسلوا السيارات المفخخة والانتحاريين إلى الهرمل والقاع والضاحية وغيرها من المناطق، ليستكمل بذلك عمليات التحرير التي نفّذتها المقاومة في المرحلة الماضية، لا سيّما تحرير جرود عرسال من إرهابيي «جبهة النصرة».
وحفلت الساعات الماضية بقصف مركّز من قبل الطائرات اللبنانية على مواقع «داعش» في الجرود، بعد «الاستطلاع بالنيران» الذي أجراه في اليومين الماضيين. وفي الوقت ذاته، كانت قوات الجيش السوري والمقاومة تخوض معارك عنيفة مع إرهابيي «داعش» في الجانب السوري، للسيطرة على مرتفعات استراتيجية تسهم في قطع خطوط إمداد الدواعش وتشتيت قواهم.
وبحسب المعلومات، فإن سيطرة الجيش السوري والمقاومة يوم أمس على عدة مرتفعات، ومنها «شعبة المحبس الأولى»، «حرف وادي الدب»، «شعبة يونس» و«حرف الحشيشات» و«قرنة الحشيشات»، المتداخلة بين لبنان وسوريا، سوف يكون لها مفاعيل إيجابية على تقدّم الجيش اللبناني، الذي تمركز بدوره على مرتفعات «ضهر الخنزير» و«حقاب خزعل» و«المنصرم»، حاجزاً نقاطاً مشرفة في الجهة الجنوبية لجرود رأس بعلبك، ليصبح بذلك مسيطراً بالوسائط النارية على مساحات واسعة من الأراضي التي يحتلها «داعش».
وفيما يصرّ السوريون والمقاومة على التقدّم بزخم من عدّة جبهات مع ساعات الهجوم الأولى، أنجز أمس جزء مهمّ من العمل، وصارت القوات تملك إشرافاً ناريّاً مهمّاً على معبر «الزمراني»، الذي كان يعدّ ممراً حيوياً لتنظيم «داعش» بين مناطق وجوده على الحدود اللبنانية ــ السورية، بالتزامن مع عشرات غارات الطائرات الحربية السورية على مواقع التنظيم. وبهجوم أمس، تمكّنت المقاومة من القضاء على فصيلٍ كامل من فصائل «داعش» في المنطقة يدعى «فصيل أسامة»، مكبّدة إياه خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد، قدّرت بعشرين قتيلاً وأكثر من 30 جريحاً، في وقت تمكّن فيه الجيش اللبناني، في هجوم أول من أمس، من قتل ما يزيد على 12 عنصراً من «داعش».



وبحسب مصادر عسكرية لبنانية، فإن قيام السوريين والمقاومة بضرب غرفة الاتصالات المركزية لـ«داعش» في الجرود جعل التنظيم يعاني نقصاً في الاتصال والتنسيق، ما ينعكس سلباً على قدرته على ربط المحاور. ولاحظت المصادر العسكرية أن التنظيم يتعمّد المراوغة في القتال حتى الآن، معتمداً بذلك على القناصين وأشراك المتفجرات، في منطقة تصل مساحتها إلى نحو 300 كلم مربّع، من الصعوبة السيطرة عليها في وجه هجوم من قوات متعدّدة ومن عدة محاور. ولاحظت المصادر أيضاً اعتماد التنظيم على القتال الفردي والمجموعات التي لا تزيد على شخصين، واستخدام متنوّع للأسلحة، بما يوهم المهاجمين بأن القوات المدافعة تملك أعداداً كبيرة من المقاتلين، بينما هي تقاتل بشكل فردي أو ثنائي.
وفي ظلّ إدراك «داعش» لحتمية خسارة المعركة، يعاني التنظيم من تعدّد مصادر القرار، ما انعكس سلباً على محاولات التواصل الأخيرة بين الأمن العام اللبناني وقيادة التنظيم في الجرود، إذ يسعى الأمن العام للحصول على معلومات عن العسكريين المخطوفين وجس نبض الإرهابيين بالرغبة في الوصول إلى تسوية، لم تتضح معالمها بعد. وللغاية، أوفد الجانب اللبناني يومي الخميس والجمعة وسيطين للبحث في إمكانية تسوية وللحصول على معلومات عن العسكريين المخطوفين، إلّا أن قيادة التنظيم وتعدّد الآراء جمّدا المفاوضات التي لم تبدأ بعد. وفي هروب إلى الأمام من التفاوض، أبلغ ممثّلو «التنظيم» الذي خطف العسكريين اللبنانيين وقتل جنوداً في هجومه على عرسال، المفاوضين، أنه «لا مشكلة لدينا مع الجيش اللبناني، بل مع السوريين وحزب الله، ونحن لم نكن نريد هذه المعركة، والجيش اللبناني كذلك، لكن فرضها السوريون والحزب علينا وعلى الجيش».
لكنّ مصادر معنيّة قالت لـ«الأخبار» إن «المفاوضات قد تبدأ لاحقاً بعد بدء المعركة، وبعد أن يفهم التنظيم أنه لا حلّ إلّا بالتفاوض وإلا الموت المحتّم لمن يريد المواجهة». ولم تشر المصادر إلى الوجهة المحتملة لإخراج الإرهابيين، في حال تمّ الحديث عن تسوية، لكنّها أكّدت أن «هذا الأمر أوّلاً يتوقّف عند طلب التنظيم، ولاحقاً يتمّ البحث مع السوريين إن كانوا يوافقون»، رافضةً تشبيه الأمر بتسوية إخراج «النصرة» التي كانت وجهتها معروفة مسبقاً إلى إدلب. وأكّدت أن «أيّ تسوية مقبلة تخضع لتجاذبات كثيرة وأمامها الكثير من العقبات، والأهم أن نحصل على معلومات عن العسكريين المختطفين».
على صعيد آخر، ضبطت مديرية المخابرات أمس مستودعاً كبيراً للأسلحة والذخائر يعود إلى إرهابيي «جبهة النصرة»، يحوي عدداً كبيراً من القذائف والصواريخ المضادة للدروع، وعدداً محدوداً من الصواريخ المضادة للطائرات، أثناء عمليات تفتيش في منطقة وادي حميّد في جرود عرسال
.