مرة جديدة، يتدخّل رجال دين لبنانيون في ما لا يعنيهم، ويفرضون وصاية دينية على المواطنين. ففي اللحظة التي كانت تستعد ١٦ صالة لبنانية لإطلاق "أنابل ٢: الخلق" (٢٠١٧)، فيلم رعب أميركي من إخراج ديفيد ساندبرغ، طُلب من إدارة تلك الصالات تأجيل عرضه والتريّث، لتتم مناقشته والنظر في "وضعه" الخطير. الأب اثناسيوس شهوان، وفق مصادر من داخل السينما التي عرضت الفيلم على الرقباء، قرّر أن ثمة مشاهد في الفيلم "لا تقطع"، فلا بدّ من ممارسة الوصاية على المُشاهد في هذه الحال والتفكير عنه. ما هي المَشاهد التي يُشكل عرضها خطراً على إيمان المتلقي؟
الأمر ييدو أنّه سر. حتى الرقابة اللبنانية التابعة للأمن العام تتكتّم، فلا يحق لها الكشف عن التفاصيل مذ سُلِّمت صلاحياتها لممثلين من سبع وزارات وعليها مراجعتهم في كلّ شاردة وواردة. ولأنّ في الفيلم تفصيلاً معيناً يتعلق بالدين المسيحي، تمّ أمس الأربعاء استدعاء رئيس المجلس الكاثوليكي للإعلام الأب عبدو أبو كسم والأب شهوان لمشاهدة الفيلم والأخذ برأيهما، فضلاً عن باقي الأعضاء. كان رأي شهوان سلبياً: "أوقفوا الفيلم حالاً".
لا يهمّ أن تكون الأفيشات قد رُفعت فوق الصالات والأموال نُفقت للدعاية. هكذا، من دون تقديم أيّ حجة متماسكة، سُحب الفليم. فلا قدرة لأحد أن يجادل الاكليروس في رأيه، كونه الطرف المهيمن. النتيجة: تم تأجيل عرض الفيلم المفترض أن يبدأ اليوم، علماً أنّه يشق طريقه بشكل عادي الى الصالات في باقي الدول العربية، وهذا يجعل من البلد الصغير المنكوب سياسياً والمنهك اقتصادياً الوحيد في الشرق الأوسط الذي يأخذ مثل هذا الإجراء.
عُرض "أنابل ٢: الخلق" قبل ثلاثة أشهر في الولايات المتحدة، وهو جزء ثانٍ لـ "أنابل"، لكنه يعود بالحوادث إلى ما قبل الجزء الأول، لندخل في عالم صانع دمى وزوجته فقدا ابنتهما الصغيرة، وسنراهما يستضيفان راهبة وأيتاماً، فتكون الدمية أنابل المسكونة بالشيطان في المرصاد.
يقول بسّام عيد من شركة "أمبير" أنّ ثمة مشهداً لقتل الراهبة قد يكون خلف سحب الفيلم. ولكن ماذا إذا طُلب حذف المشهد وما تأثير هذا في المتفرّج الذي ينبذ عادة الأفلام التي تمّ العبث بها؟ الجواب في ما ألمح إليه عيد في منشور له على صفحته "الفايسبوكية": الرقابة تشجّع على القرصنة!