مع قرب انعقاد الانتخابات التشريعية في العراق يحتدم التنافس بين الأحزاب العراقية الشيعية والسنية، وكشفت مواقف الساسة العراقيين الأخيرة عن حالة انقسام وتباينات في ما بينهم، فيما يسعى عمار الحكيم بانشقاقه عن البيت الشيعي لجذب أصوات الناخبين السنة، اتخذ العبادي خطوة مماثلة من خلال القيام بعدة جولات في المحافظات الشيعية في العراق لتحسين مكانته بين أفراد الطائفة. كما تحاول الأحزاب العراقية أن تنأى بنفسها عن أي مساعدات محتملة أن تتلقاها من الخارج في محاولة لمغالطة الرأي العام العراقي بالتزامها بمبدأ “القومية العراقية”
 

باتت السياسة الداخلية للعراق منذ الحرب الأميركية في العراق عام 2003 محور اهتمام وتنافس الدول الكبرى. وأصبح العراق ساحة للصراع الدولي وبوابة لتحقيق النفوذ العالمي.

واعتمدت القوى الإقليمية لتحقيق طموحها في السيطرة على الداخل العراقي على سياسة دعم الحلفاء في الداخل وخاصة الجانبين الإيراني والتركي الحالمين بامتداد إمبراطوريتهما القديمتين الفارسية والعثمانية على حد سواء.

وأصبحت القوى السنية والشيعية أدوات تحقق بها هاته القوى طموحها المقيت في التوسع مع كل ما رافق العراق من متغيرات سياسية أبرزها الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية في الموصل، ومحاولة تأسيس وجود لحضورها السياسي في مرحلة ما بعد داعش وإعمار العراق.

لكن مع اقتراب ميعاد الانتخابات الإقليمية والبرلمانية في العراق، المقرر عقدها مبدئيا في عام 2018، قد لا ترحب الحكومة العراقية بمساعدتها كما كان الوضع قبل ذلك.

وبعد أن استردت القوات العراقية الموصل من تنظيم داعش، تظهر الفرصة أمام الحكومة في بغداد لدفع البلاد إلى الأمام، دون تلك المشاكل الأمنية التي كانت تعوقها في السابق.

وكجزء من هذا التوجه، بات العديد من السياسيين يدافعون عن القومية ويدينون الفساد ويرفضون أي تدخل خارجي لتلبية المطالب الشعبية للجماعات الطائفية والعرقية. وبتطور السياسة العراقية، تتطور معها أيضا العلاقات بين القوى الأجنبية والأحزاب المحلية.


تغيير سياسة الولاء

بدا التحول السريع في المجتمع الشيعي جليا في العراق. وفي الشهر الماضي، خسر المجلس الأعلى الإسلامي في العراق، وهو حزب شيعي تأسس في عام 1982 متبعا نفس مبادئ الثورة الإيرانية، زعيمه عمار الحكيم.

حيث انشق الحكيم بشكل نهائي عن المجلس في يوليو، بعد سنوات من تصاعد الخلافات مع رؤساء الحزب الثلاثة الآخرين. ودون أن يهدر المزيد من الوقت، شكل حزبا جديدا وهو حزب “الحكمة الوطنية”.

هذا الانقسام كان جزءا من محاولة الحكيم للحفاظ على قدرة حزبه التنافسية قبل بدء الانتخابات القادمة من خلال حشد الناخبين من الشباب وكسب الأصوات في صفه. ولكن الجهد قد يؤتي ثماره! حيث أن الحكيم هو وريث لعائلة دينية شيعية قوية ومترابطة في العراق.

الأحزاب الشيعية تتمتع بنفوذ انتخابي كبير يفوق ذلك الذي تتمتع به أحزاب الأكراد والسنة في البرلمان العراقي
وكنتيجة لذلك، ستحاول إيران استغلال علاقتها الوطيدة بعائلة الحكيم لتواصل خدمة مصالحها البراغامتية فى العراق، حتى لو حاول حزب “الحكمة الوطنية” وزعيمه تقليص تلك العلاقات مع طهران في المستقبل.

ولا يواجه “المجلس الأعلى الإسلامي” في العراق وحده خطر نشوب الصراعات والانقسامات، حيث يواجه حزب “الدعوة” المنافس أيضا صراعا داخليا يمكن أن يهدد فرصة فوزه في انتخابات عام 2018.

منذ عام 2006، قاد نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي آنذاك، حزب “الدعوة” الذي كان يتمتع بقوة كبيرة في ذلك الوقت، بيد أن موقفه المؤيد لإيران، والمعادي للولايات المتحدة، أدى إلى انقسام الحزب.

فعلى سبيل المثال، أراد العبادي رئيس الوزراء العراقي أن ينشق عن حزب الدعوة لتشكيل ما يسمى “حزب التحرير والبناء”، الذي سيوجه من خلاله رسالة حادة إلى دولة القانون، وللائتلاف الذي شكله المالكي في عام 2009.

وعلى الرغم من أن العبادي نفى شائعات تشكيل ذلك الحزب الجديد، فإن التنافس بينه وبين المالكي سوف يتطور ويحتدم مع اقتراب انتخابات عام 2018، حيث قام العبادي فعلا بالقيام بعدة جولات في المحافظات الشيعية في العراق لتحسين مكانته بين أفراد الطائفة، بينما يقوم في نفس الوقت بعمل رحلات خارجية، على سبيل المثال لروسيا.

ولاقى العبادي انتقادات لاذعة من المالكي خلال سفره، متهما إياه بالتحريض على الفساد وعمل الكثير من المخالفات. وفي الوقت نفسه، لا يستطيع المالكي أن يجازف بفقدان عضوية العبادي في حزب “الدعوة”، بسبب الدعم الذي يلقاه مع رئيس الوزراء السابق للحزب.

وإذا كان العبادي يخطط للانسحاب من الحزب تزامنا مع الانتخابات المقبلة، فإن الانشقاق سيكون محاولة صريحة ينأى بها عن المالكي والنفوذ الإيراني الذي يمثله.

وعلى الرغم من الصراع القائم بين الحزبين، يبقى “تحالف الائتلاف الوطني الشيعي” هو المسيطر على المشهد السياسي، والذي سيبدأ في جذب أكبر عدد من الأصوات باقتراب الانتخابات.

وأعلن الزعيم الشيعي المتشدد مقتدى الصدر مؤخرا عن اتفاق عقد بين حزبه الصدري وتحالف “الوطنية” بقيادة إياد علاوي، رئيس الوزراء العراقي السابق ونائب الرئيس العراقي الحالي.

كما هو الحال، يتمتع الشيعة بنفوذ انتخابي كبير يفوق ذلك الذي تتمتع به أحزاب الأكراد والسنة في البرلمان العراقي. ولكن ذلك لم يمنعهم من محاولة بناء تحالفات مع هذه الأحزاب من أجل تعزيز سلطتهم التشريعية. وقدم زعماء الشيعة، بداية من الحكيم والمالكي والعبادي إلى الصدر، مقترحات للأحزاب السنية والكردية العربية على أمل إقامة علاقات أعمق معهم.

وأظهر الصدر حرصه على الاستفادة من قاعدة الناخبين السنة مؤخرا بقبول دعوات لزيارة ولي عهد السعودية وأبوظبي. كما أن الحركة الصدرية ليست قريبة من إيران مثل مثيلاتها من الحركات الشيعية الأخرى، مما سيتيح الفرصة أمام الرياض للتدخل بشكل أعمق في المشهد السياسي العراقي وتقويض تأثير طهران المتزايد على البلاد.

بالإضافة إلى ذلك، فإن إقامة علاقات مع الحركة الصدرية يمكن أن تقدم للحكومة السعودية وسيلة لبناء علاقة بناءة أكثر مع الطائفة الشيعية الأكبر في الشرق الأوسط.

في الوقت نفسه، لا تزال الأحزاب السنية العراقية تلهث للحاق بالسباق مع المنافسين الشيعة الذين يتمتعون بثقل وبقوة انتخابية أكبر. وتحقيقا لهذه الغاية، كشفت مجموعة من الأحزاب السنية النقاب عن تشكيل تحالف “القوى الوطنية العراقية” في يوليو الماضي.


تحالفات سياسية تتزامن مع استمرار تدهور الوضع الأمني

حملة انتخابية

يضم الائتلاف الجديد 300 عضو سني، من بينهم نواب وزعماء قبليون من المحافظات التي كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، ويقود الحزب سليم الجبوري، زعيم سني بارز ورئيس مجلس النواب العراقي.

ويحظى كل حزب من أحزاب الائتلاف السني بدعم محلي قوي وأيضا بدعم خارجي من قبل القوى السنية في الشرق الأوسط مثل تركيا ودول الخليج العربي.

ومع اقتراب موعد الانتخابات، تحاول العديد من الأحزاب أن تنأى بنفسها عن أي مساعدات من المحتمل أن تتلقاها من الخارج في محاولة للتمويه بمبدأ “القومية العراقية”.

ويهدف التحالف السني الجديد إلى إعطاء السنة العراقية بداية سياسية جديدة منذ محاولة عقد مؤتمر لمناقشة مستقبلهم ومستقبل بلادهم، ولا سيما بعد الجدل الذي أُثير حول القوى الخارجية الداعمة للأحزاب السنية.

أما بالنسبة للجالية الكردية في العراق، وهي دائرة انتخابية سنية يتطابق وجودها في البرلمان تقريبا مع وجود السنة، فإن علاقاتها مع الحكومات الخارجية تثير العديد من النزاعات والمشاكل. وتتوحد القوى الكردية لعمل استفتاء وشيك لتقرير استقلالية كردستان العراق عن العراق من عدمها.

بالإضافة إلى ذلك، زادت دولة الإمارات مؤخرا من دعمها المالي والسياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني، وهو ليس فقط الحزب الحاكم في كردستان العراق، وأكبر حزب كردستاني في البرلمان، ولكن أيضا المؤيد الرئيسي لإجراء الاستفتاء.

ويأتي دعم دولة الإمارات للاستفتاء القادم، الذي من المتوقع عقده يوم 25 سبتمبر، بمثابة ضربة توجهها لإيران وتركيا، اللتين تعارضان بشدة إقامة دولة كردية مستقلة.

بينما يستعد العراقيون للانتخابات التشريعية الرابعة منذ عام 2003، فإن الوضع الأمني في العراق مازال غير مستقر، فقد اعتبرت “المفوضية العليا المستقلة للانتخابات” العشرات من المناطق في العراق، ومعظمها في الأراضي السنية، غير مستقرة وغير مستعدة أيضا لإجراء الانتخابات.

وظلت المخاوف الأمنية هي السبب الرئيسي الذي سيتم على أساسه عقد الانتخابات الإقليمية والبرلمانية في نفس الوقت. علاوة على ذلك، لا يزال المشرعون في مجلس النواب في العراق بحاجة إلى وضع قانون انتخابي جديد قبل إجراء التصويت، لتأخذ بعده اللجنة حوالي ستة أشهر لوضع اللمسات الأخيرة على الخطط الانتخابية.

وفي الوقت نفسه، ستتم مواصلة جهود بناء الائتلاف، الذي سيشكل التحالفات التي ستظهر بعد الانتخابات، وذلك عندما يبدأ الصراع الحقيقي على السلطة بين المالكي والعبادي والحكيم لاقتناص منصب رئيس الوزراء السياسي لمرشحهم المختار.

وطبقا للدستور العراقى، فإن البرلمان المنتخب هو المسؤول عن اختيار مجلس الرئاسة الذي يختار بدوره رئيس وزراء الدولة. وسيتم تفويض الحزب الذي يفوز بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات التشريعية لاختيار رئيس الوزراء. ومن حين إلى آخر، تحاول الأحزاب العراقية بكل أطيافها السياسية والعرقية والطائفية تحقيق التوازن بين إرضاء الناخبين والداعمين من الدول الخارجية.