مبادرة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز بشأن الحجاج القطريين لا تفتح باب التأويل عن انفراج الأزمة مع الدوحة
 

اعتبرت مصادر خليجية استقبال الأمير محمّد بن سلمان وليّ العهد السعودي الشيخ عبدالله بن علي بن عبدالله آل ثاني بمثابة نقطة تحوّل في الأزمة بين الدول الأربع المقاطعة وقطر.

وقالت إن مجرّد حصول الاستقبال الذي تلاه إعلان السعودية عن فتح أبواب الحج أمام المواطنين القطريين على نفقة الملك سلمان، يشير إلى سحب الرياض اعترافها بالأمير تميم بن حمد آل ثاني واعتمادها الشيخ عبدالله بن علي صلة الوصل بينها وبين الشعب القطري.

وتكتسي الخطوة السعودية أهمّية خاصة من منطلق أنّ الشيخ عبدالله بن علي ينتمي إلى الفرع الأكثر شرعية وأحقّية في الحكم في عائلة آل ثاني، ذلك أنّه الابن التاسع لحاكم قطر الراحل علي بن عبدالله وحفيد حاكم قطر عبدالله بن جاسم آل ثاني. إلى ذلك، أن الشيخ عبدالله هو أخ الشيخ أحمد بن علي الذي أطاح به ابن عمّه خليفة بن حمد آل ثاني، جدّ الأمير تميم، في العام 1972.

ويشير ذلك إلى أن الفرع الأهمّ في عائلة آل ثاني استعاد المبادرة ويطالب حاليا باستعادة موقع الأمير الذي فقده نتيجة انقلاب قام به خليفة بن حمد في العام 1972 والذي ما لبث أن انقلب عليه ابنه حمد في العام 1995 إثر تحالف قام بينه وبين الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني.

وينتمي الشيخ حمد بن جاسم إلى فرع في العائلة أقلّ أهمّية من فرع الشيخ عبدالله بن علي. وهذا السبب هو الذي يدفعه إلى التفرد بين أبناء العائلة في ذكر اسم جدّه جبر في محاولة منه لربط نفسه بشخص، يعتقد شخصيا أنّه كان له موقع مهمّ في العائلة.

ويأتي هذا التطور الذي تصرّ المصادر الخليجية على اعتباره “نقطة تحوّل في الأزمة” ليؤكد معلومات نقلها مصدر تركي رفيع المستوى عن اللقاء الذي جمع الملك سلمان أواخر الشهر الماضي مع الرئيس رجب طيب أردوغان الذي حضر إلى السعودية للتوسط في الأزمة بين قطر والدول المقاطعة لها. ففي الزيارة التي سبقت بساعات انتقال الملك سلمان إلى مدينة طنجة المغربية، أظهرت السعودية عدم اكتراثها الكبير بالنقاط الـ13 التي طرحتها الدول الأربع المقاطعة لقطر. في المقابل، دعت السعودية أردوغان إلى البحث معها في ثلاثة أو أربعة أسماء، من أبناء العائلة، يمكن أن تحلّ مكان تميم وذلك في إشارة واضحة إلى فقدان الثقة بشكل كامل بالأمير الحالي.

وكان أردوغان فوجئ بطريقة تعاطي السعودية مع وساطتها ودخولها مباشرة في موضوع التغيير في قطر ولكن من داخل العائلة وليس من خارجها. ودعا موقف السعودية إلى اختصار زيارة أردوغان للمملكة بعدما وجد أن لا مجال لوساطة مع قطر، بل إن السعودية حسمت أمرها.

وقالت المصادر الخليجية إن أردوغان اكتشف أن السعودية لا تقبل بأقلّ من حصول تغيير يتناول الأمير تميم الواقع كلّيا تحت سطوة والده الشيخ حمد بن خليفة المعروف بعدائه الشديد للمملكة ولكلّ ما يتصل بها من قريب أو بعيد.

أردوغان فوجئ بطريقة تعاطي السعودية مع وساطتها ودخولها مباشرة في موضوع التغيير في قطر ولكن من داخل العائلة وليس من خارجها
وأوضحت المصادر الخليجية أنّ استقبال الأمير محمد بن سلمان، بصفة كونه نائبا للملك، للشيخ عبدالله بن علي بن عبدالله آل ثاني يشير إلى أن السعودية اختارت الشخص الذي تستطيع التعامل معه مُستقبلا في قطر.

وقالت إن قبول الشيخ عبدالله لعب دور الوسيط بين القطريين والمملكة العربية السعودية يشير إلى شجاعة كبيرة أبداها الرجل، وهو النجل التاسع لحاكم قطر الراحل، الذي لم يعد يخفي طموحه إلى لعب دور في مجال إصلاح الوضع في الدولة وإعادة الأمور إلى نصابها.

ووافقت السعودية على وساطة الشيخ عبدالله لفتح الحدود للحجاج القطريين وقررت إرسال طائرات الخطوط السعودية لنقلهم ووفرت لهم الحج على نفقة الملك سلمان مما أفقد قطر ورقة سياسية واجتماعية حاولت اللعب بها خلال الفترة الماضية ولا تستطيع أن ترفضها.

واستقبل ولي العهد السعودي في قصر السلام في جدة الشيخ عبدالله بن علي، وأكد له “عمق العلاقات التاريخية التي تجمع بين الشعب السعودي وشقيقه الشعب القطري وبين القيادة في السعودية والأسرة المالكة في قطر”، وفق ما نقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية.

وقدم الشيخ عبدالله “وساطته لفتح منفذ سلوى الحدودي لدخول الحجاج القطريين إلى الأراضي السعودية”، وفق المصدر نفسه.

وعلى إثر ذلك، أفادت وكالة الأنباء السعودية أن الملك سلمان “وافق على ما رفعه إليه” ولي العهد “بخصوص دخول الحجاج القطريين إلى المملكة العربية السعودية عبر منفذ سلوى الحدودي لأداء مناسك الحج.

كما أمر “بالموافقة على إرسال طائرات خاصة تابعة للخطوط السعودية إلى مطار الدوحة لنقل كافة الحجاج القطريين على نفقته الخاصة لمدينة جدة، واستضافتهم بالكامل على نفقة خادم الحرمين الشريفين”.

وكانت الرياض أكدت أنها ستسمح للقطريّين الراغبين في أداء مناسك الحج لهذا العام بدخول أراضيها، مرفقة ذلك ببعض القيود، أبرزها عدم السماح بقدومهم مباشرة من الدوحة في رحلات لشركة الخطوط الجوية القطرية التي يحظر عليها دخول المجال الجوي السعودي.

وقالت مراجع خليجية إن قطر ستقف حائرة أمام مبادرة الملك سلمان التي تشير إلى أن السعودية تميز بين علاقتها مع الشعب القطري وعلاقتها مع الفرع “المشاغب” من الأسرة الحاكمة، وأنها أيضا منفتحة على فرع أساسي في الأسرة الحاكمة لديه كامل الشرعية في تمثيل قطر.

قطر ستقف حائرة أمام مبادرة الملك سلمان التي تشير إلى أن السعودية تميز بين علاقتها مع الشعب القطري وعلاقتها مع الفرع “المشاغب” من الأسرة الحاكمة
وأضافت المراجع أن الخطوة السعودية أثبتت أن الرياض تمنع الخلاف السياسي من التأثير سلبا في حياة القطريين الذين لا يمكن أن يتحملوا تبعات أجندات الأسرة الحاكمة، مشيرة إلى أن القيادة السعودية أثبتت بهذه الخطوة أنها تعزل شعائر الحج عن الحسابات السياسية عكس اتهامات قطر ومن ورائها إيران.

وسقطت الدوحة في الاختبار بسرعة وبشكل مكشوف عندما تعاملت بموقف مسبق مع المبادرة السعودية الهادفة إلى تسهيل وصول الحجاج القطريين، ووصفتها بأنها توظيف سياسي ليصبح منع تسييس الحج الذي تنادي به الدوحة تسييسا، وهو ما يكشف إحساس قطر بأن المبادرة سحبت منها البساط وأفقدتها ورقة من أوراق المزايدة بيدها.

وقال وزير خارجية قطر محمد بن عبدالرحمن آل ثاني في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيرته السويدية مارغوت وولستروم في ستوكهولم “بغض النظر عن الطريقة التي منع فيها الحج عن أهل قطر والمقيمين فيها، والذي كان بدوافع سياسية (…) فإن دولة قطر ترحب بمثل هذا القرار”.

ورحبت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر بقرار الرياض، داعية المملكة إلى توضيح آلية تنفيذه.

لكن متابعين لشؤون الخليج شددوا على أن الخطوة لا تخرج عن البعد الإنساني، أي تسهيل أداء مناسك الحج على القطريين، وتأكيد أن مشكلة الرياض مع مواقف القيادة وليست مع المواطنين، لافتين إلى أن قطر ستكون مخطئة لو قرأت الأمر على أنه انفراج للأزمة أو أنه بداية تشقق في جدار المقاطعة.

وقال مدير “المؤسسة العربية للأبحاث” في واشنطن علي الشهابي إن هذا القرار مجرد “بادرة حسن نية” من السعودية حيال الشعب القطري.