مهما بلغت الخلافات بين الوزراء حول الزيارات الى سوريا والاموال الى اوجيرو، ومناقصات الكهرباء والمعامل الجديدة بالاضافة الى مئات الملفات الخلافية، فان ذلك لن يؤثر على الحكومة واستمرارها حتى موعد الانتخابات النيابية. فالستاتيكو الحالي سيبقى قائماً، والتسوية التي انتجت الرئيس عون لرئاسة الجمهورية وسعد الحريري لرئاسة الحكومة قوية ومتينة، ولن تلفحها اي رياح ساخنة او باردة. وطالما التوافق صامد بين الرؤساء عون وبري والحريري وحزب الله على الحكومة، ستبقى الخلافات تحت السقف، رغم ان مشهدين متناقضين طبعا صورة البلد أمس، مشهد وحدوي وطني في جرود القاع ورأس بعلبك والفاكهة بقيادة الجيش اللبناني وبالتفاف شعبي ومشهد خلافي «احباطي» مأسوي للشعب اللبناني عبرت عنه خلافات الحكومة حول «صرف الاموال» والمشاريع والنفقات، فيما المطلوب هذه الايام وحدة حقيقية وراء الجيش اللبناني تعطيه دفعاً كبيراً على مشارف معركته ضد الارهاب في جرود القاع ورأس بعلبك والفاكهة والمتوقعة في كل لحظة.
واشارت مصادر متابعة لملف العملية العسكرية الى انه بمجرد اعلان قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون بدء العملية العسكرية لتحرير جرود رأس بعلبك والفاكهة والقاع عبر بيان رسمي من مديرية التوجيه في الجيش اللبناني، سيصدر بعد لحظات عن غرفة عمليات الجيش السوري وحزب الله بدء العملية العسكرية لتحرير جرود القلمون الغربي ومعبر الزمراني وجرود الجراجير، وتحديداً موقعي الحشيشات وابو حديج من ارهابيي «داعش» من الجهة السورية. وبالتالي فان قرار بدء العملية العسكرية وتحديد ساعة الصفر بيد الجيش اللبناني وحزب الله والجيش العربي السوري يلتزمان توقيت قيادة الجيش في ما يتعلق بتنظيف الجرود من «داعش».
وطوال الايام الماضية واصل الجيشان اللبناني والسوري وحزب الله دك مواقع الارهابيين واستنزافهم وشل قدراتهم، ومنع تحركاتهم، وقطع خطوط التواصل والامداد عبر قصف الجيش اللبناني لمواقع الارهابيين، كما حصل امس من خلال السيطرة على مرتفعات خصاب خزعل والمنصرم وضهر الخنزير، فيما شن الطيران السوري عشرات الغارات على جرود القلمون الغربي، وتحديداً مرتفعات الحشيشان وابو حديج ومعبر الزمراني، ودمر غرفة الاشارة المركزية في القلمون الغربي. اما مدفعية حزب الله فدكت مواقع الارهابيين بمختلف انواع الاسلحة الخفيفة والثقيلة.
عمليات استنزاف «داعش» متواصلة بانتظار ساعة «الصفر» التي باتت قريبة جداً جداً، وفي اي لحظة، وسط معنويات عسكرية مرتفعة سمحت للجيش بالسيطرة على مواقع «داعش» في ضهر الخنزير وحطاب خزعل والمنصرم ومقتل 6 عناصر من «داعش» بينهم قيادي بارز وسقط 5 جرحى من الجيش بينهم الضابط علي حوا، ودمر الجيش مربض هاون. وقد اعتمد الجيش اللبناني تكتيكات، ووسائل نقل، وعمليات تمويه، سمحت له بالسيطرة السريعة على اهم موقع استراتيجي لـ«داعش»: «ضهر الخنزير» وهو ممر الزامي للعناصر الارهابية ويربط مواقعها بعضها ببعض، والسيطرة عليه سمحت للجيش بكشف كل مواقع مسلحي «داعش» وتحركاتهم، وهذا الانجاز يسمح بالتمهيد لاعلان ساعة الصفر.
في المقابل، كشفت مصادر عسكرية ان زيارة قائد الجيش الى واشنطن ارجئت لاشعار اخر، وان الجيش بات جاهزاً من كل الجوانب، وزيارة «القائد» الى مقر القيادة لعمليات الجرود وضعت اللمسات الاخيرة، واشرف بنفسه على اكتمال كل ما تحتاج اليه المعركة، واعطت زيارته مزيداً من الدفع والمعنويات للضباط والجنود.

 الزيارة الى سوريا 

وفيما كان الجيش اللبناني يخوض معركته ضد الارهابيين، كان مجلس الوزراء وفي التوقيت نفسه يشهد خلافات اعتادها اللبنانيون واصبحت من «يومياتهم». ورغم تجاهل مجلس الوزراء لزيارة الوزراء حسين الحاج حسن وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس الى سوريا، وتأكيد الرئيس الحريري ان الزيارات غير رسمية، فإن الوقائع على الارض خالفت كلام الحريري بعد عقد الوزيرين حسين الحاج حسن وغازي زغيتر اجتماعاً مع رئيس الحكومة السورية عماد خميس تطرق الى مختلف الملفات وما تعانيه الصناعة اللبنانية والسورية والقطاع الزراعي. وبحث الحاج حسن وزعيتر تصدير المزروعات والصناعات اللبنانية عبر الاراضي السورية، بعد سيطرة الحكومة السورية على معبر النصيب على الحدود الاردنية ورفع العلم السوري عليه، وكيفية مرور الشاحنات اللبنانية. وسيكون لهذا الاجراء تطور ايجابي على صعيد تصدير المزروعات اللبنانية، التفاح والموز، بأسعار تنافسية الى دول الخليج العربي، والذي سيبدأ قريبا. كما ابدى رئيس الحكومة السورية للوزيرين الحاج حسين وزعيتر استعداد سوريا تزويد لبنان بـ500 ميغاوات اضافية من التيار الكهربائي بأقل كلفة من البواخر، علماً ان سوريا ما زالت تزود لبنان بـ400 ميغاوات للبقاع، وان وزير المال علي حسن خليل صرف الاعتمادات الاسبوع الماضي وبمواقفة الرئيسين عون والحريري والوزراء المختصين.
كما تم البحث في تعديل الاتفاقات بين الدولتين، علما ان الوزيرين اصطحبا معهما الى سوريا رجال اعمال وشركات زراعية وصناعية ستشارك في معرض دمشق الدولي الى جانب 40 دولة، بينهم الجمهورية العربية المصرية. كما سيشارك فنانون لبنانيون باحتفالات معرض دمشق الدولي الذي افتتح عصر أمس. كما قام الوفد اللبناني بجولة في الاسواق السورية، وقد استقبل بحفاوة شعبية. ونقل التلفزيون السوري وقائع جولات الوفد اللبناني على الهواء مباشرة. واكد الحاج حسن انه بصفته الرسمية يهنئ القيادة والجيش والشعب السوري كما نهنئ انفسنا والدولة اللبنانية والجيش والمقاومة على انتصار سوريا على الارهاب التكفيري.
وعلم ان الوفد اللبناني سيمهد لتوقيع اتفاقيات مشتركة في القريب العاجل. واعتبرت مصادر مقربة من دمشق ان «ضجة البعض حول الزيارة بلا طعمة» واتفاق الطائف اعطى الوزير حق التصرف بوزارته.
وقد حصل سجال حاد بين الوزير يوسف فنيانوس والنائب عقاب صقر حول الزيارات الى دمشق، وكلام الوزير يوسف فنيانوس، بعد ان سأله وزير الاعلام ملحم رياشي «ماذا ستحضر معك من دمشق؟ فرد فنيانوس قائلا: «صور  الرئيس بشار الاسد، فسأله الرياشي «ولمن ستعطيهما» فكان جواب فنيانوس للرئيس سعد الحريري.
وقد رد صقر على كلام فنيانوس بالقول: «لا داعي لهذه الهدية الملوثة فسلال المهملات ممتلئة». اضاف: «الفت نظر الوزير فنيانوس الى عدم قبول اي هدية اخرى من الاسد خصوصا اذا استلمها من بثينة شعبان او علي مملوك».
ورد فنيانوس على صقر «سلة المهملات لأمثالك».

 مجلس الوزراء 

وبالتزامن مع الخلافات حول الزيارات الى سوريا، كان مجلس الوزراء يشهد خلافا بشأن طلب سلفة لوزارة الاتصالات واعتبار وزراء التيار الوطني ان الامر مخالفة للدستور. فماذا جرى في مجلس الوزراء الذي شهد اول مواجهة بين وزراء التيار والمستقبل بشأن سلفة الخزينة «لاوجيرو»؟ المعلومات تؤكد ان «القضية ليست رمانة بل قلوب مليانة». وتؤكد ان الخلاف بدأ  في جلسة لجنة المال والموازنة النيابية لدرس موازنة وزارة الاتصالات، وطرح الوزير الجراح خطة للوزارة كلفتها 750 مليار ليرة لبنانية. وحصل نقاش حاد على بنودها، واضطر الوزير الجراح الى تخفيضها. لكن النقاشات لم تنته بشأنها، مما دفع مستشار الوزير الجراح نبيل يموت الى القول للصحافيين «اذا لم يمر قانون برنامج وزارة الاتصالات كما ورد، فان الموازنة لن تمر ايضا». علما ان يموت من المقربين جداً للرئيس الحريري.
هذا الكلام التهديدي وصل الى المسؤولين والى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وترك استياء، وقبل ايام رفع الوزير الجراح كتابا الى مجلس الوزراء طالب فيه بسلفة خزينة مقدارها 225 مليار ليرة لبنانية لتحسين خطوط الهاتف الثابتة وتطبيق مشروع الفايبر اوبتيك FTTC. علماً ان لجنة المال والموازنة لم تنته من النقاش في موزانة وزارة الاتصالات، وبالتالي فان طلب السلفة مخالف للقانون والدستور، لان الحصول على اي سلفة لا يمكن ان يتم الا بقانون صادر عن مجلس النواب. وبالتالي مشروع السلفة مخالف للمادة 88 من الدستور الذي ينص على استحالة عقد اي اتفاق مالي الا بموجب قانون.
ورغم هذه المخالفة، رفع الوزير الجراح كتاب السلفة الى مجلس الوزراء وحصل نقاش حاد، وتحديداً بين الجراح مدعوما من الوزير المستقبلي معين المرعبي ووزراء التيار الوطني الحر الذين اتهموا الجراح بمحاولة فرض طريقة الصرف الذي اعتمدت في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. واكد رئيس الجمهورية ان «الصرف» لا يتم الا بعد اقرار الموازنة، فعندما تقر الموازنة في مجلس النواب يصبح قرار الصرف نافذاً. وغير ذلك مخالف للقانون والدستور. واصر الجراح على موقفه بمواجهة وزراء التيار الوطني مستنداً الى المادة 32 من قانون الوزارة، فيما أكد وزراء التيار ان النقاش في القانون لم ينته بعد في لجنة الموازنة والمال ولم يصبح نافذاً، واصر الجراح على موقفه وانسحب من الجلسة وتضامن معه معين المرعبي، ولحق بهما من اجل التفاوض الوزراء المشنوق، فنيانوس وعلي خليل واوغاسبيان، وانضم اليهم مدير القصر الجمهوري الذي طلب منهم العودة الى داخل قاعة مجلس الوزراء بطلب من رئيس الجمهورية. وهكذا حصل، وتم ربط اقرار السلفة بانجاز الموازنة، كما اراد الرئيس ميشال عون الحريص على الدستور وتطبيق القانون. وهذا لا يعني موقفا من الوزير الجراح وغيره بل التزام بالقانون، وعلم ان الرئيس الحريري وقف على «الحياد».
لكن السؤال هل يتجرأ الجراح والمرعبي على مغادرة الجلسة ولو لوقت قصير بدون علم الرئيس الحريري الذي ربما ارادها رسالة لا اكثر في ظل حرصه على العلاقة مع الرئيس عون.
واللافت ان مجلس الوزراء الغى مناقصة الكهرباء القديمة، وتم الاتفاق على وضع دفتر شروط جديد من خلال ادارة المناقصات. لكن النائب وليد جنبلاط كتب عبر تويتر «ان بناء معمل انتاج كهرباء حتى لو استغرق بعض الوقت اوفر على الخزينة من استئجار سفن وما يشوبها من سمسرة».
وتابع «آن الأوان لمناقصة شفافة لمصنع جديد مع «نفضة» ادارية لكهرباء لبنان التي كانت في الماضي مثال الانتاجية والادارة الفاعلة».