لم تنم جرود القاع ورأس بعلبك. القصف العنيف استمر طوال ليل الثلاثاء- الأربعاء. ما مهّد لتقدّم ميداني أحرزه الجيش، إذ عمل على استرجاع نقاط استراتيجية من شأنها تضييق الخناق على مجموعات تنظيم داعش في الجرود. وسيطر الفوج المجوقل خلال هذه العملية على مجموعة مرتفعات منها قنزوحة مراح الشيخ، خابية الصغير، طلعة الخنزير وشميس خزعل. وتلاها هجوم مؤلّل لفوج التدخل الأول سيطر فيها على خربة خزعل، عقاب خزعل ومرتفع ضهور الخنزير.
يرتكز الجيش في قصفه وتقدّمه على مبدأ القضم السريع، تمهيداً لفتح المعركة الشاملة والواسعة. لكن المعركة المرتقبة، تفتح المجال أمام الأسئلة، عن إمكانية وجود مقاتلين لبنانيين في صفوف تنظيم داعش، قد يشاركون في هذه الاشتباكات ضد الجيش اللبناني، أو يلجأون إلى تنفيذ عمليات إنتحارية تستهدف الجيش. هؤلاء، مغرر بهم بالنسبة إلى اللبنانيين، لكنهم من منطلقهم العقائدي، يعتبرون أنهم يؤدون دوراً سماوياً دفاعاً عن دينهم. وأمام العقيدة والإنتماء الديني، يسقط الانتماء الوطني.
منذ بداية الثورة السورية، تحمّس كثير من اللبنانيين للانخراط في صفوف المعارضة السورية. توزّع المتحمّسون اللبنانيون على فصائل متعددّة، منها معتدلة كالجيش الحرّ، وأخرى متطرفة كجبهة النصرة وتنظيم داعش. والأكيد، أن كثيرين من اللبنانيين غادروا إلى سوريا، أو إلى العراق للانخراط في صفوف هذه التنظيمات. منهم من قتل وقد أعلن تنظيم داعش عن مقتله، ومنهم من لا يزال على قيد الحياة، وينخرط في القتال.
لا أرقام لبنانية دقيقة أو احصاءات معلومة لهؤلاء. وبعض الذين قتلوا لم يعلن عنهم. بالتالي، هم في عداد مجهولي المصير. تنقّل هؤلاء في أكثر من منطقة سورية، منهم من توجه إلى القلمون قبل دخول حزب الله إلى مدنه وقراه، وآخرون التحقوا بتنظيمي النصرة وداعش. وبعد أحداث آب 2014، ذهب كثيرون إلى الشمال السوري، وتحديداً حلب وإدلب، فيما البعض وصل إلى الرقة.
دخل المتحمسون اللبنانيون بداية إلى حمص، مع اشتعال المعارك فيها، أول من يذكرهم اللبنانيون من هؤلاء، هم من عرفوا بخلية تلكلخ، والذين وقعوا بكمين للجيش السوري في العام 2012. توجه هؤلاء من الشمال اللبناني عبر تلكلخ إلى حمص، للمشاركة في القتال ضد النظام السوري. ويروي مقربون من هؤلاء حين كانوا في لبنان، أنهم ذهبوا إلى هناك لقتال الجيش السوري من خلفية سياسية، وللثأر منه عما اقترفه في طرابلس من مجازر في ثمانينيات القرن الماضي. وآخرون ذهبوا لقتال حزب الله. وهناك من ذهب ليقاتله من منطلق ديني، دفاعاً عن الدين.
بعض الأرقام تتحدث عن مقتل أكثر من 150 شاباً طرابلسياً خلال القتال في سوريا. لم يقتصر وجود اللبنانيين للقتال في صفوف هذه التنظيمات على الذاهبين من لبنان، بل بعضهم كان في الخارج، وقد ذهب إلى سوريا، كأبي عبيدة اللبناني، وهو أحد القياديين البارزين في تنظيم القاعدة، وكان في أفغانستان، لكنه ما لبث أن بايع تنظيم الدولة الإسلامية. وبعض المعلومات تفيد بأنه أحد المقربين البارزين من دوائر القرار في التنظيم. والأمر نفسه ينطبق على أبي جرير الشمالي، الذي كان يقاتل في صفوف تنظيم القاعدة في العراق.
خلال معارك آب 2014 في عرسال، كان ثمة مشاركة للعديد من اللبنانيين في صفوف تنظيمي داعش والنصرة، ضد حزب الله والجيش اللبناني. بعض هؤلاء عمل على تحريض بعض اللبنانيين للإلتحاق بهم للدفاع عن دينهم، ولمواجهة حزب الله وسيطرته على لبنان. وقد عمل هؤلاء على تحريض عدد من العسكريين على الإنشقاق، وقد حصلت في تلك الفترة حالات انشقاق فردية من قبل بعض العناصر في الجيش، لكن قُبض عليهم فيما بعد.
عدد من هؤلاء اللبنانيين شارك في عمليات خطف العسكريين اللبنانيين الذين اختطفهم تنظيم داعش من حاجز الحصن. واثنان من هؤلاء من آل ميقاتي من طرابلس، ليس معلوماً مصيرهما، لكن بعد توقيف الجيش اللبناني أحمد سليم ميقاتي، الذي اعتبر أحد أخطر المطلوبين، جرى التأكد من أن قريبيه موجودين في الجرود، وهما عملا على خطف العسكريين وتوجيه تهديدات إلى مسؤولين لبنانيين. معظم هؤلاء انتقلوا إلى هناك إما إلى حمص خلال معركة القصير، أو عبر مرفأ طرابلس إلى تركيا ومنها دخلوا إلى سوريا، فيما هناك من توجه إلى سوريا عبر عرسال ومحيطها من خلال طرق غير شرعية.
تشير بعض الملعومات إلى وجود العديد من اللبنانين الذين يقاتلون في صفوف التنظيم اليوم في جرود رأس بعلبك والقاع، لكن لا أرقام دقيقة لعددهم، ولا حتى اسماء حقيقية لهم. أحدهم ملقب بأبي البراء، وآخر بأبي طلحة، وثالث بأبي حمزة، ورابع بأبي العمر. إلا أن بعض المشايخ في الشمال، الذين كانوا يعرفون هؤلاء في فترة سابقة، يؤكدون وجود لبنانيين في صفوف داعش، لكنهم يستبعدون إمكانية وجود هؤلاء في جرود رأس بعلبك والقاع، ويرجّحون أن يكونوا إنتقلوا إلى الداخل السوري العميق. وفيما انخرط بعض العراسلة في صفوف جبهة النصرة، يؤكد عراسلة أن لا جود لأي عرسالي في صفوف تنظيم الدولة. وبعض الأشخاص الذين ربطتهم صلات بهذا التنظيم، لم يكونوا مقاتلين إنما يساعدون من الناحية اللوجستية. وهؤلاء معظمهم قتل، وآخرهم كان بلال الحجيري.