ما زالت كرة السّلسة والسّلّة في ملعبِ رئيس الجمهورية ميشال عون، والجدال ما زال مُستمراً كما الحديث عن تعديلاتٍ تتلاءم مع بعض المطالب، مثل ما يتعلّق ببعضِ مطالب القُضاة، تجارة المواد الكحولية، الازدواج الضريبيّ للمهن الحرّة، واستثناء أولاد الشهداء من تقسيطِ السّلسلة. ويرى متابعون أنّ هذه التعديلات لا تتجاوز كونها تحسينات تُخفّفُ من الضغطِ الاجتماعي وتُعيدُ ولو قليلاً من العدالة المفقودة في هذا الإطار. بينما إعادة النظر بالازدواج الضريبيّ للمِهنِ الحرّة فهو يرفعُ الضررَ عن المصارف لا عن الناس.
أمّا اقتصاديّاً ومع هذه التعديلات التي لا نعلم مستوى حظوظِ تنفيذها، فما يزال لبنان مُسيَّر نحو المجهول على حد تعبير الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة، على اعتبار أنّ البلد سيقعُ في مشكلةٍ اجتماعيّةٍ معيشيّةٍ، فـ"حتّى اليوم لا قدرةَ للدولةِ على السيطرةِ على الأسعار، أقساط المدارس سترتفعُ أقلّه 30 في المئة، أمّا أسعار البضائع فسترتفعُ من 10 إلى 15 في المِئة، ما يُضعّف القدرة الشرائيّة للمواطن، وبالتالي الاستهلاك ما يؤثّر حتماً على النمو الاقتصاديّ". وما يصعّب الوضعَ ويؤزّمهُ أكثر أنّ المُستفيدين من السلسلة هم فقط 250 ألف موظّف من أصل مليون و250 ألف موظّف، ما يعني أنّ مليون موظّف سيُعانون من ارتفاع الأسعار وزيادة الضرائب من دونِ أيّ تصحيحٍ للأجورِ حتّى إنّ المُستفيدين سيقبضون بيدٍ ويدفعونَ بالأُخرى.
وبالأرقام حاول عجاقة في حديثه لـ"ليبانون ديبايت" أن يشرحَ تأثيرات السّلّة الضريبيّة على النمو الاقتصاديّ، العجز، والدَّين العام. ففي السنوات الماضية كان النموّ الاقتصاديّ ضعيف جداً وكانت تتراوح نسبته 1 في المئة فقط، والآتي أسوأ، على اعتبار أنّ الحكومة أرسلت موازنة 2017 بعجز 4,8 مليار دولار، وهذا بالشكلِ جيّد، إذاً شكليّاً يمكننا القول إنّ الحكومة قامت بتقليصِ العجز من 5 مليار في العام الماضي إلى 4,8 مليار، ولكن في المضمون فإنّ المُوازنة لم تتضمّن سلسلة الرُّتب والرواتب وهي بكلفة 1773 مليار ليرة، أي مليار و200 ألف مليون دولار، ما يزيد من العجز ليصبحَ 6 مليار دولار، كما أنّ المُوازنة لم تشتمل على خطّةِ الكهرباء الإنقاذيّة وكلفتها مليار دولار ما يزيد العجزَ ليصلَ إلى 7 مليار، علماً أنّ المشاريع التي أقرّها لقاء بعبدا التشاوري أيضاً لم تشتمل عليها الموازنة وهي بكلفةِ نصف مليار دولار، ليصبحَ العجز الحقيقي 7,5 مليار دولار. يمكن أن يتقلّص إلى 6,5 مليار دولار إذا أدخلت السّلّة الضريبيّة بأحسنِ الأحوال مليار و200 ألف دولار على خزينة الدولة، و(هذا غير مضمونٍ بسبب مُشكلةِ الجباية فهناك 4,5 مليار دولار فواتير مع الناس لا تستطيع الدولة تحصيلها). لـ"نكون أضعف الإيمان أمام 6,5 أو 7 مليار عجز وهو الذي يتحوّل إلى دَينٍ عامّ، ما يرفعُ الدَّين العامّ من 77 مليار دولار إلى 83,5 مليار دولار، وهو الرقم المُتوقّع أن يحصل بعد سنةٍ واحدةٍ من تنفيذ قراري السّلسة والضرائب".
فلماذا أخفت الدولة حقيقةَ العجز الذي يزدادُ سنويّاً بمعدل 3,1 مليار في موازنتها الجديدة، هل هي خائفة من أن تكشفَ الغطاءَ عن العجز الفعليّ الذي أغرقت وتُغرق لبنان واللّبنانيّين فيه، والذي ينبئ بكارثةٍ اقتصاديّةٍ، فهي خجلة من عدم قدرتها على السّيطرةِ على العجز، أم أنّها تحاول إخفاء الحقيقة تخوفاً من كسرِ الجرّةِ نهائيّاً بينها وبين قاعدتها الشعبيّة قبل الورود إلى الانتخاباتِ النيابيّة المُقبلة؟!
ليبانون ديبايت