الرياض تعمل على إزاحة ما علق بصورتها من اتهامات الميليشيات العراقية الموالية لإيران
 

لم تتردد السعودية في الإعلان عن تأسيس مجلس للتنسيق مع العراق في القضايا الاقتصادية في خطوة تؤكد أن الرياض تنظر إلى خيار استقطاب العراق عربيا ومنع إيران من الهيمنة عليه كخيار استراتيجي عاجل، وأن عليها أن تخرج به من دائرة الوعود والتعهدات العامة إلى بناء مؤسسات تقوّيه.

وأعلن مجلس الوزراء السعودي إنشاء مجلس التنسيق السعودي العراقي. وقال مصدر سياسي خليجي إن هذا المجلس لن يكون لجنة تقليدية تختص بدراسة حالات محدودة وتتخذ قرارات وتتركها على الرفوف، بل إن دوره سيكون وضع الخطط التفصيلية لتعميق التعاون الاقتصادي.

وأشار المصدر إلى أن القرار سياسي بالدرجة الأولى، ويرسل بإشارات جدية إلى رئيس الوزراء العراقي والكتل البرلمانية والشخصيات العراقية البارزة، خاصة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، والتي تتطلع إلى أن يتحول الانفتاح على العمق العربي إلى مشاريع وبرامج وألا يقف عند مجرد التمنيات، أو التعبير عن حسن النوايا.

واعتبر مراقبون أن السعودية تنظر إلى التقارب مع العراق بجدية وتريد أن تتجاوز أخطاء تجارب مشابهة مثل لجنة العلاقات السعودية اليمنية، وأن الهدف هو منع الانقطاع الذي طالما شاب العلاقة وفقا لمتغيرات السياسة والمواقف.

وسيكون على الدول العربية التي تريد استعادة العراق، وخاصة دول الخليج، أن تدخل بقوة لتقدر على مجاراة التدخل الإيراني في مرحلة أولى والتغلب عليه من خلال المساهمة الفعالة في إعادة الإعمار، والمساعدة على بناء عراق جديد عابر للطائفية عكس المشروع الذي تعمل على تثبيته إيران ووكلاؤها في العراق.

وحذر مراقب عراقي في تصريح لـ”العرب” من أن تنفيذ المشاريع المشتركة لن يكون أمرا سهلا بالمرة، خاصة أن الفنيين من الجهتين لديهم فجوات في الخبرة بسبب انقطاع العلاقات الثنائية منذ ما قبل غزو 2003، فضلا عن أن المشهد يعتمد على علاقات قبلية معقدة.

وأشار المراقب إلى أن التيارات المتشددة الشيعية والسنية نجحت في تلغيم المشهد العراقي بالحقد الطائفي، وأنه سيكون على السعودية أن تعمل على إزاحة ما علق بصورتها من اتهامات برع إعلام الميليشيات الموالية لإيران في تضخيمها، لافتا إلى أن إيران ستفعل المستحيل لتسميم التوجه نحو استعادة العراق ومحاولة إجهاضه.

ولا يحتاج تعميق التعاون الثنائي إلى التصريحات والاستثمار السياسي، وهو يحتاج بشكل محوري إلى خطوات عملية مثل فتح معبر عرعر.

وأعلن مجلس محافظة الأنبار بغرب العراق عن فتح منفذ عرعر الحدودي مع المملكة العربية السعودية أمام حركة التبادل التجاري بشكل دائم وذلك بعد إغلاقه في وجهها طيلة ما يقارب الثلاثة عقود من الزمن والاقتصار على فتحه بشكل استثنائي أمام حركة الحجيج.


مجلس للتنسيق الثنائي وفتح معبر عرعر أولى رسائل الرياض لدعم العبادي
ويمكن اعتبار فتح المعبر أبرز تجسيد على أرض الواقع للتحسّن الملحوظ في العلاقات بين السعودية والعراق والذي عكسه تبادل الزيارات بين كبار المسؤولين في البلدين.

وذكرت تقارير إعلامية أن مسؤولين من السعودية والعراق تفقدوا الموقع الاثنين وتحدثوا مع الحجّاج الذين كان المعبر يفتح لهم مرة واحدة سنويا على مدى 27 عاما في موسم الحج.

وقال مصدر في محافظة الأنبار في جنوب غرب العراق إن الحكومة العراقية نشرت قوات لحماية الطريق الصحراوي الذي يصل إلى عرعر.

ووصف فتح المعبر بأنه “خطوة مهمة” وقال إن ذلك يمثل “بداية كبيرة لتعاون مستقبلي أكثر بين العراق والسعودية”.

وكانت السعودية بدأت منذ شهور أعمال ترميم وصيانة للطريق المؤدي إلى منفذ عرعر تمهيدا لافتتاحه.

واستقبلت المملكة مؤخرا كلاّ من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ووزير الداخلية قاسم الأعرجي، ثمّ زعيم التيار الصدري رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، وذلك بعد أن كانت بغداد قد استقبلت في شهر فبراير الماضي وزير الخارجية السعودي عادل الجبير.

واعتبرت مراجع خليجية أن زيارة الصدر إلى السعودية ولقاءه وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، ثم زيارته إلى الإمارات ولقاؤه بوليّ عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد كانت نقطة فاصلة لوزن الزعيم الشيعي السياسي والمذهبي في العراق، وأن الزيارة يمكن اعتبارها نقلة نوعية في تغير المزاج العام في العراق لفائدة العودة إلى الحضن العربي بعدما خبر العراقيون الدور التخريبي لإيران في بلادهم.

وللصدر الكثير من الأتباع بين فقراء الحضر في بغداد وجنوب العراق وهو من قلة من زعماء شيعة العراق الذين يبقون على مسافة في التعامل مع طهران.

وقال مكتب الزعيم الشيعي البارز إن اجتماعه مع وليّ العهد السعودي أسفر عن اتفاق على أن تقدم السعودية مساعدات بقيمة عشرة ملايين دولار للحكومة العراقية وأن تدرس استثمارات محتملة في المناطق الشيعية في جنوب العراق.

وكان فتح المعابر الحدودية أمام التجارة على قائمة الأهداف كذلك في المحادثات التي نشر مكتب الصدر تغطية لها.

وترجع مساعي التقارب بين السعودية والعراق إلى عام 2015 عندما أعادت السعودية فتح سفارتها في بغداد التي ظلت مغلقة 25 عاما.

وزار وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بغداد في فبراير وأعلن البلدان في يونيو أنهما سيشكلان مجلس تنسيق لتعزيز العلاقات بينهما.

وبحسب مراقبين، فإن الارتفاع المفاجئ في وتيرة التواصل السياسي بين الرياض وبغداد، جاء بدفع من المملكة العربية السعودية التي تقود جهودا خليجية وعربية لاستعادة العراق إلى الصفّ العربي والتخفيف من حدّة انحيازه للمحور الإيراني بدفع من الأحزاب والقوى السياسية الشيعية العراقية والتي بدأ عدد من قادتها يبدون رغبتهم في الفكاك من أسر التبعية لإيران ويراهنون على إرساء علاقات متوازنة للبلد بمحيطه الإقليمي.