لم يُثن الإنجاز الأمني الذي حقّقته وزارة الداخلية الكويتية بالقبض على عدد كبير من عناصر خليّة العبدلي الفارّين، نوابا بالبرلمان الكويتي عن المطالبة بعدم إقفال القضية التي تجاوزت بعدها الأمني إلى بعد دبلوماسي وسياسي طال علاقة الكويت بكل من لبنان وإيران، لكون الخلية المتورّطة في تهريب وتخزين أسلحة والتخطيط لأعمال إرهابية، على صلة وثيقة مثبتة بالأدلّة الدامغة بكل من حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني.
ودعا كلّ من النائبين رياض العدساني وخالد العتيبي وزارة الداخلية إلى عدم طي ملف الخلية المذكورة قبل أن يتم التوصل إلى كامل الشبكة المرتبطة بها والتي يدلّ الكمّ الهائل من الأسلحة المضبوطة في المخبأ الذي تم اكتشافه في منطقة العبدلي بشمال البلاد صيف سنة 2015 على أنّها أكبر بكثير مما تم الكشف عنه، وأنّ هناك أشخاصا غير المقبوض عليهم كانوا بانتظار “ساعة الصفر” للبدء بتنفيذ مخطط يناسب حجم الترسانة التي عثر عليها.
وشبّه النائب خالد العتيبي، في تصريح صحافي، الكميات المضبوطة من الأسلحة والمتفجّرات بترسانة عسكرية، حيث وصلت إلى 19 طنا من الذخيرة، و144 كيلوغراما من مادتي “تي أن تي” و”سي فور” شديدتي الانفجار، و65 قطعة سلاح متنوعة و65 قاذف “آر بي جي”، و204 قنابل يدوية وصواعق كهربائية، إضافة إلى كمّ من المعدّات المتنوّعة.
وشدّد العتيبي في تصريحه على أنّ المهم “من لم يُستَدَلّ عليهم حتى الآن، وليس المقبوض عليهم”.
وأكد أن الإشادة المستحقّة بوزارة الداخلية لقبضها على الفارين من المدانين في القضية ليس معناها إقفال الملف، مضيفا “يجب التوصل إلى الأشخاص الذين كانوا ينتظرون ساعة الصفر لتنفيذ أعمال إرهابية في الكويت بناء على هذه الكميات من الأسلحة”.
وطالب النائب وزير الداخلية بعدم طي ملف الخلية، معتبرا أنّ “العمل الحقيقي للوزارة بدأ الآن، ويجب حل طلاسم هذه القضية، وكشف من نوى أو كان ينوي المشاركة فيها”.
وشدّد النائب رياض العدساني من جانبه على عدم التردّد “باستخدام الأدوات الدستورية وتفعيل الرقابة في شأن كل القضايا المهمة وعلى رأسها القضايا المتعلقة بالأمن، ومنها قضية خلية العبدلي التي تخابرت مع حزب الله والجمهورية الإيرانية، وبحوزتها كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والمتفجرات”.
خالد العتيبي: من لم يقبض عليهم من عناصر الخلية أهم ممن تم القبض عليهم
وقال إنّ “قضية بهذا الحجم والخطورة لا يمكن السكوت عنها، خاصة وأن من أهداف الخلية الإرهابية ارتكاب أفعال من شأنها المساس بوحدة وسلامة أراضي دولة الكويت والقيام بأعمال عدائية”.
وكانت وزارة الداخلية الكويتية قد أعلنت قبل أيام عن تمكّنها من إلقاء القبض على 13 فردا من عناصر خلية العبدلي الفارّين.
وتتعلّق القضية بخلية إرهابية على صلة بالحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني تورّطت في تهريب وتخزين أسلحة إلى الكويت والتخطيط لأعمال إرهابية. وكان من ضمن المدانين موظّف في السفارة الإيرانية بالكويت.
وقد أخذت القضية بعدا سياسيا بإقدام السلطات الكويتية على تخفيض عدد أفراد البعثة الدبلوماسية الإيرانية إلى سفير وثلاثة موظّفين وإغلاق المكاتب الفنية التابعة لسفارة طهران وتجميد نشاطات اللجنة المشتركة بين البلدين. بينما تبذل الحكومة اللبنانية مساعي لتطويق الأزمة مع الكويت بفعل تورّط حزب الله، الذي هو جزء من الحكومة ذاتها في القضية، الأمر الذي قد تكون له تداعيات على الاقتصاد اللبناني.
وفي هذا الإطار تمّ تصنيف زيارة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إلى الكويت السبت الماضي ولقائه الأمير الشيخ صباح الأحمد.
ولم تخل قضية هروب المدانين في القضية من حرج للسلطات الكويتية أمام رأيها العام، وأمام أعضاء مجلس الأمّة المتحفّزين بطبعهم لمساءلة الحكومة ومؤاخذتها على قضايا أقلّ خطورة من قضية الخلية الإرهابية التي وصفت من قبلِ نواب بأنها قضية أمن قومي، لا يسمح فيها بأي خطأ أو تقصير.
وكان أعضاء الخلية قد استغلّوا نقض أحكام صادرة بحقّهم من قبل محكمة الاستئناف، وإطلاق سراحهم، بانتظار إعادة محاكمتهم من قبلِ محكمة التمييز، للفرار. وقد راجت عندها إشاعات قوية بشأن مغادرتهم تراب الكويت تهريبا عبر البحر بمساعدة إيرانية، وهو ما تفنّده إلى حدّ الآن عملية القبض على عدد كبير منهم بالداخل الكويتي.
وتلمّح بعض الأصوات الإعلامية الكويتية وكذلك تصريحات بعض نواب مجلس الأمّة، إلى مخاوف من إغلاق ملف قضية العبدلّي لأسباب وحسابات سياسية.
ويلفت البعض إلى أنّ اكتفاء الكويت بتخفيض حجم التمثيل الدبلوماسي الإيراني، وكذلك الإحجام إلى حدّ الآن عن اتخاذ إجراءات واضحة ضدّ الحكومة اللبنانية على اعتبار حزب الله المتورّط في قضية العبدلي جزءا من تلك الحكومة، قد يعكسان حرصا كويتيا على الحفاظ على حدّ أدنى من العلاقة مع طهران.
وقال نائب سابق بالبرلمان الكويتي طلب عدم الكشف عن هويته إنّ خطورة القضية من حيث تعلّقها بالأمن القومي كانت ستدفع بحكومة أي بلد إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع أي بلد آخر يثبت تورّطه فيها، مستدركا بالقول “إن الرغبة الكويتية في الحفاظ على توازنات معيّنة هي ما تجعل الكويت تتجّنب الوصول إلى نقطة القطيعة مع طهران وبيروت”.