لم تنته صفقة إعادة مسلّحي سرايا أهل الشام وعائلاتهم وعدد من المدنيين من جرود عرسال إلى الرحيبة في القلمون الشرقي، كما كان مخططاً لها. عوامل عديدة دخلت على خطّ عرقلة تنفيذ الصفقة. نفّذت الصفقة جزئياً بعدما طرأت عليها شروط وشروط مضادة كادت تنهيها وتعيدها إلى النقطة الصفر. فيما كان الظاهر أن الخلاف الذي أخّر الإنجاز وعرقل جزءه الآخر، هو آلية إنتقال المسلحين والمدنيين إلى القلمون الشرقي، إن كانت بالحافلات أم بسياراتهم، إلا أن الخلفية الأساسية لذلك، مسألة أخرى، هي أن النظام السوري سعى إلى تطويع هؤلاء للقتال في صفوفه، أو ليتحولوا إلى سرايا للدفاع عنه. وهذا ما رفضوه.
يتحدث أحد قادة سرايا أهل الشام لـ"المدن" عن تراجع الجانب اللبناني، وخصوصاً حزب الله، عن الإلتزامات التي قدّمها بموجب الإتفاق، وذلك نزولاً عن رغبة النظام السوري، الذي أراد الضغط على هؤلاء بهدف تطويعهم، في مقابل تساهل كبير واستجابة لكامل الشروط التي فرضتها النصرة للقبول بتنفيذ الصفقة. ويبدي القيادي استغرابه أمام هذا الأمر، خصوصاً أنه يتحدّث عن العديد من الشروط الخفيّة التي لم تظهر بعد من الصفقة مع جبهة النصرة، والتي ظهرت إحدى بوادرها مع إطلاق النظام السوري أكثر من مئة معتقل من سجونه.
يعتبر القيادي أن التعاطي معهم غير مفهوم، علماً أنهم التزموا بكامل بنود الإتفاقية، ولم يخرقوها، كما كانت تفعل النصرة دوماً، وبأنهم لم يوجهوا أسلحتهم إلى الجانب اللبناني وضد الجيش اللبناني بخلاف النصرة. كما أنهم واجهوا تنظيم داعش في أكثر من مكان. وهذا ما صب في خانة الجيش اللبناني. ويشير إلى أن هناك جهات عدة أبرزها النظام السوري حاولت تعطيل حصول الإتفاق وإعادتهم إلى القلمون الشرقي، إذ طالبت بداية بترحيلهم إلى الشمال السوري، لكنهم رفضوا ذلك للبقاء في مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة المعتدلة والقريبة من قراهم في القلمون الغربي.
وأبرز العوامل المعرقلة، محاولات النظام السوري وبعض التابعين له، الإشارة إلى أن سرايا أهل الشام عملت على تفكيك مناشير الحجر التابعة للعراسلة لسرقتها. وهذا كان العامل الذي أراد النظام استثماره، لمنع المدنيين والمسلحين من العودة بسياراتهم إلى هناك. ما ادى إلى رفض أكثر من 1500 مدني استكمال تنفيذ الإتفاق، وفضّلوا العودة إلى داخل عرسال، على الذهاب بالحافلات وترك سياراتهم التي لا يمتلكون غيرها محجوزة في وادي حميد. وقد ردّت السرايا على هذه الإتهامات، بإصدارها بيان دعت فيه العراسلة إلى تفقدّ أراضيهم وممتلكاتهم ومقالعهم قبل مغادرة عناصرها، وأبدت السرايا استعداداً للتعويض على من تضرر أو فقد أي شيء، مع تأكيدها أن هذه الأفعال ليست من شيمها، وأنها ليست قادرة على سرقة هذه المعدات، لأن ليس لديها آليات لنقلها، وليس هناك مكان يستطيعون نقلها إليه. فيما هناك من يعتبر أن السرقات إن حصلت، فمعروف من فعلها، كجبهة النصرة التي قد تكون باعت هذه الآليات إلى النظام السوري.
لكن الأخطر من ذلك بالنسبة إلى البعض، هو الإشارة المتعمّدة من بعض الجهات إلى إلقاء نحو 100 مسلّح من سرايا أهل الشام أسلحتهم وتسليمها إلى الجيش اللبناني والعودة إلى عرسال، إذ رفضوا الذهاب إلى القلمون الشرقي بالحافلات وبدون سياراتهم، التي باتت محجوزة. فيما نفت المصادر هذا الكلام بشكل قاطع، مؤكدة أن من دخل عرسال هم من المدنيين فحسب. لكن الإشارة إلى ذلك قد تنطوي على ما هو أخطر مما حصل، وفق مصادر تعتبر أن المرحلة المقبلة، وحين يحتاج حزب الله أو النظام السوري، إلى الضغط بهدف إعادة اللاجئين السوريين إلى القلمون أو إلى أي منطقة في الداخل السوري، وتنفيذاً لأي مسعى سياسي في هذا الصعيد، فقد يتم استعادة التذكير بوجود هؤلاء المسلّحين داخل المخيمات. بالتالي، يجب اجراء عمليات أمنية ومداهمات داخل المخيمات، تهدف إلى زيادة الضغط على اللاجئين لدفعهم إلى العودة، تحقيقاً لأهداف سياسياً وتعميقاً للتنسيق اللبناني السوري. فيما هناك من يتخوف من أن يتحول هؤلاء إلى عامل ضغط على عرسال والعراسلة، لدفعهم إلى المغادرة أيضاً.
لكن مصادر أخرى تنفي ذلك قطعاً، وتشير إلى أن الأمور ستعود قريباً على ما كانت عليه سابقاً قبل الأزمة. وهذا ما تجلى في اجتماع عُقد بين بلدية عرسال وفعالياتها مع قائد الجيش، إذ جرى البحث في كيفية انتشار الجيش على كامل أراضي البلدة وجرودها، وخروج حزب الله منها. وهذا ما سيسمح للعراسلة بالتوجه إلى أرزاقهم وأراضيهم في الجرود.