اللقاء الذي عُقد أمس في قصر بعبدا، كان أقرب إلى جلسة استماع منه إلى حوار، إذ خُصص كل مدعو بـ10 دقائق للتعبير عن موقفه من السلسلة والضرائب أمام كبار مسؤولي الدولة: رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير المال وحاكم مصرف لبنان ونحو عشرة وزراء. لم يناقش أحدٌ أحداً، ولم تكن هناك أي مفاجآت على صعيد المواقف المعروفة مسبقاً، إذ إن غالبية المدعوّين من معارضي السلسلة والضرائب. ولولا موقف وزير المال علي حسن خليل، المدافع عن فرض الضرائب على المصارف، لما كان هناك أي موقف مغاير لموقف المصارف وتجار العقارات والمدارس الخاصة

محمد وهبة
 

خرج عدد من المدعوين باعتقاد مفاده «أن الدعوة التي وجّهت من القصر الجمهوري للقاء الحواري كانت مجرّد منصّة اتكأ عليها رئيس الجمهورية ميشال عون، لتبرير قراره الذي سيعلنه لاحقاً». يقول أحد المدعوين إن «توقيت الدعوة ونوعية الحضور ومسار الجلسة، تعزّز الاعتقاد أن موقف الرئيس عون متخذ مسبقاً، وأن إعلانه كان يتطلب حدثاً أكبر من بيان صحافي، أو حتى من مؤتمر صحافي أو رسالة إلى مجلس النواب».

فاللقاء لم يحصل فيه أي حوار من أي نوع كان، على الرغم من أن أفكاراً عدّة طرحت. ما حصل كان تكراراً لمواقف معلنة منذ البداية.
هذا الاعتقاد الذي خرج به المجتمعون ناتج من الهمس المتداول، وهو أن الرئيس، بعدما سمع مواقف المعترضين أو المتضررين الذين تدفقوا إليه في الأيام الماضية، يتجه إلى توقيع قانوني السلسلة والضرائب، على أن يترافق هذا الأمر مع الإيعاز إلى كتلة التغيير والإصلاح بتقديم اقتراحات قوانين معجّلة مكرّرة لإجراء تعديلات تتلاءم مع بعض المطالب، وأبرزها ما يتعلق ببعض مطالب القضاة، وتجارة المواد الكحولية، والازدواج الضريبي للمهن الحرّة، واستثناء أولاد الشهداء من تقسيط السلسلة. وبحسب مصادر مطلعة، فإن النائب ابراهيم كنعان ووزير المال علي حسن خليل يعكفان على انهاء اقتراحات القوانين بتكليف من رئيس الجمهورية وأنه ربما تدرج هذه الاقتراحات في جلسة المجلس النيابي غداً الاربعاء.

الهدف جمع الآراء ودراستها

بدأ اللقاء عند الحادية عشرة من قبل ظهر أمس برئاسة رئيس الجمهورية، وحضره رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، وعدد من الوزراء المعنيين، ورئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وممثلون عن نقابات المهن الحرة والهيئات الاقتصادية واتحاد المؤسسات التربوية وهيئات صناعية واجتماعية والاتحاد العمالي العام وأساتذة الجامعة اللبنانية. وبحسب بيان صادر عن القصر الجمهوري، فإن الهدف من الاجتماع هو «البحث في أوجه الخلاف والتناقض واختلاف الآراء بعد تصديق مجلس النواب على قانوني سلسلة الرتب والرواتب في القطاع العام واستحداث بعض الضرائب لغاية تمويل السلسلة المذكورة». وقال عون: «سوف نجمع الآراء وندرسها بالتفصيل لاتخاذ الموقف المناسب من القانونين»، مشيراً إلى أن «هناك مطالب محقّة سوف تحترم، وما نسعى إليه هو تعديل لبعض الأخطاء التي وقعت. إن الإمكانات محدودة، والوضع الاقتصادي دقيق، مع وجود عجز في الميزان التجاري، لذلك لا بد من معالجة مسؤولة وشاملة، وإننا جاهزون لنستمع إليكم بانفتاح ونقيم حواراً حقيقياً يبرز القواسم المشتركة بين الأفرقاء المعنيين».
أما الحريري، بحسب مصادر الحاضرين في اللقاء، فقد التزم تقديم مشروع موازنة 2018 في الموعد الدستوري، مشيراً إلى «أننا نعمل على Capital Investement Plan (خطّة الاستثمار الرأسمالي) التي ستُقام لها جولة على بعض الدول لإطلاقها». وتقول المصادر إن هذه الخطّة هي عبارة عن مؤتمر جوّال يطلب فيه لبنان ضخّ استثمارات رأسمالية من الدول المانحة، أي إنه أحدث نسخة من مؤتمرات باريس، أو بديل من مؤتمر باريس 4. أما موقفه من السلسلة والضرائب، فكان على النحو الآتي: «صحيح أن هناك انقساماً حيال سلسلة الرتب والرواتب، لكن هي المرة الأولى التي تصدر فيها السلسلة مع إصلاحات وعدد من الضرائب».

رياض سلامة

تحدث سلامة عن مؤشرات ارتفاع أسعار الفائدة في الخارج، وقال إن مصرف لبنان «سيتابع السياسات نفسها التي أمّنت الاستقرار سابقاً، ويهمنا استقرار سعر الصرف واستقرار الفوائد. هناك اتجاه خارجي لرفع أسعار الفوائد العالمية وسط منافسة على اجتذاب الودائع في منطقة الشرق الأوسط من ثلاثة مصادر أساسية، هي: تركيا، مصر، قطر». ولفت إلى وجود «أثر سلبي لارتفاع أسعار الفوائد على قطاع السكن، فيما الطلب على القطاع العقاري في أدنى مستوياته لانعدام السيولة الناتجة من انخفاض أسعار البترول في الدول التي يعمل فيها لبنانيون، ولا سيما الخليج وأفريقيا». وقال إن «الوضع الاقتصادي دقيق»، لذلك إن «المقاربة في موضوع السلسلة هي لإبقاء الثقة لدى القطاع المصرفي».

موقف المصارف

لم يخرج كلام طربيه عن موقف جمعية المصارف المعلن مما تسمّيه «ازدواجاً ضريبياً». وقال طربيه: «لسنا ضدّ السلسلة. نحن قطاع مصرفي خاص، ولدينا ودائع بقيمة 180 مليار دولار، لكننا ندير أموال القطاع العام». وأضاف: «نحن ضد الازدواج الضريبي الوارد في الضرائب، وضدّ أن تقرّ الضريبة بمفعول رجعي». ما يقصده طربيه، هو تلك العبارة التي وردت في المادة المتعلقة بزيادة الضريبة على الفوائد ووقف حسمها من ضريبة الدخل. المصارف ترى أن إخضاع المصارف لضريبة الفوائد وإلغاء حسمها من ضريبة الدخل هو ازدواج ضريبي، وأنه لا يجب أن تفرض الضريبة على الالتزامات السابقة للمصارف، بل على الالتزامات الجديدة.
وتكرّر الموقف ضدّ الازدواج الضريبي على لسان نقيب المحامين أنطونيو الهاشم، الذي تحدث أيضاً عن موقف معارض لإبقاء مرور الزمن مفتوحاً لتحصيل الضرائب من الشركات.

المدارس الخاصة

ظهرت الشراسة ضدّ السلسلة عندما طالب الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب بطرس عازار بردّها وضرائبها «ردّاً كاملاً وشاملاً»، مشيراً إلى وجود تناقض مع القانون 515 الذي يحدّد تمويل رواتب الأساتذة من الأقساط المدرسية. ولفت إلى أن «السلسلة وضرائبها ليس فيهما أي إصلاح»، علماً بأن تطبيق السلسلة يعني أن «كل مدرسة فيها أقل من 600 تلميذ ستقفل».


طالب رئيس المجلس الوطني للاقتصاديين اللبنانيين صلاح عسيران، بوقف التهرّب الضريبي وعدم تعميم صورة الفساد على التجار بسبب اكتشاف تاجر فاسد، وضرورة وجود مركزية في الجباية لدى الدولة، بالإضافة إلى ضرورة تنفيذ دراسة اكتوارية عن المتقاعدين في القطاع العام لمعرفة قدرة هذا النظام على الاحتمال والاستمرار، مشيراً إلى ضرورة إحياء لجنة المؤشر وتفعيلها.
وطالب رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس، بردّ السلسلة وضرائبها، فيما رفض رئيس جمعية تراخيص الامتياز شارل عربيد زيادة ضريبة القيمة المضافة إلى 11%، وشاركه في هذا الموقف رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر، الذي أعلن موقفاً مماثلاً لعربيد. وفي المقابل، طالب رئيس نقابة المعلمين في المدارس الخاصة رودولف عبود، بتوقيع السلسلة والضرائب، رافضاً كل ما من شأنه أن يؤدّي إلى فصل التشريع بين القطاع الخاص والقطاع العام.
أما الوزراء الحاضرون، فقد التزموا مواقف سريعة. وزير التربية مروان حمادة، قال: «صحيح أننا تحفظنا على السلسلة، لكنني قلباً وقالباً معها». وقال وزير الدفاع يعقوب الصراف: «نحن مع السلسلة، ومع تقسيط الديون للمتقاعدين، لأن الصيغة الحالية مسيئة للاقتصاد».

 

موقف وزير المال

في المقابل، كان هناك موقف من وزير المال علي حسن خليل للردّ على كل المواقف التي أُطلقت على السلسلة والضرائب المستحدثة لتمويلها، سواء تلك المواقف الحادة أو تلك المواقف المكرّرة. الحاضرون لحظوا حدّة خليل بالردّ على المصارف، قائلاً: «أنتم حققتم أرباحاً استثنائية، وما تدفعونه للخزينة من ضرائب ليس منّة من أحد». وقال: «لسنا في مواجهة مع أحد ونحن حريصون على القطاع الخاص، رغم أننا نختلف على بعض التفاصيل. القطاع الخاص يشمل 880 ألف موظف والقطاع العام 270 ألفاً، لكننا معنيون بموظفينا، أي موظفي القطاع العام». وأوضح خليل أنه يرفض «رفضاً كاملاً موضوع الحقوق المكتسبة التي أوصلت اليونان إلى الإفلاس، لكن في لبنان لم يجرِ أي إصلاح ضريبي منذ 15 سنة، والبنك الدولي وصندوق النقد وافقا على السلسلة والإجراءات الضريبية».

خلاصة عون

في النهاية ختم عون الاجتماع بالقول: «سنعمل معاً على إقرار خطّة تؤمن استقراراً اقتصادياً بموازاة الاستقرار الأمني والسياسي الذي تنعم به البلاد. كذلك سنسعى معاً إلى إنجاز الإصلاحات الضرورية والمضي في مكافحة الفساد. على هيئات المجتمع مسؤولية أيضاً في هذا المجال لإنهاء واقع مؤسف جعل من مجتمع الفساد يتغلب على مجتمع الإصلاح. القاعدة التي يُبنى عليها الإصلاح والاستثمار في لبنان، هي تطوير البنى التحتية المناسبة في مجالات الكهرباء والمواصلات والاتصالات والمياه والطرق، وهذه كلها تتكامل مع أمن مستقر وقضاء نزيه وعادل».