عام 1948، فتح لبنان أبوابه أمام اللاجئين الفلسطينيين، الذين بدأوا بكفاحهم المسلّح لتصبح طرابلس تحت أمرتهم ويتحوّل لبنان الوطن البديل... فما المانع من أن ينسحب السيناريو نفسه على النازحين السوريين خصوصاً أنّ طرابلس باتت ترزح تحت عبئهم الثقيل.
 

كل المؤشرات تجزم بأنّ النازحين السوريين باتوا شركاء في الإنتاج الطرابلسي بعد استلامهم البسطات وإنشائهم المصانع وفتحهم المحال على اختلافها، ما ساهم في خطف العمل من أهالي المدينة الكادحين الذين هم بأمسّ الحاجة الى يد العون.

من هنا فإنّ ملفّ النازحين بدأ يكبر إلى حدّ مزاحمة الطرابلسيين بلقمة عيشهم بعدما صرفتهم المؤسسات واستبدلتهم بالسوريين لقلّة أجرهم، كما حصل مع أبو أحمد وهو معيل لعائلة من عشرة أشخاص: «كنت أعمل في شركة مواد عذائية وأتقاضى ما يقارب 500 دولار، منذ نحو الشهر تفاجأت وزملائي بقرار صرفنا من العمل بحجّة الركود الإقتصادي، ليتم استبدالنا بعمال سوريين».

وتكمن المفارقة في أنّ غالبية النازحين أضحوا أرباب عمل في ساحة الكورة والتل والتبانة وأبو سمرا في طرابلس وفق ما كشف التجار لـ«الجمهورية». فإذا بهم يسيطرون على السوق ويخنقونه بأسعارهم «حتى وصلت بهم الأمور إلى عرض منتوجات بأسعار زهيدة غالبيتها هرّبت عبر الحدود الشمالية».

من جهته يلقي أحد أعضاء بلدية طرابلس اللوم على الدولة، قائلاً: «نحن جزءٌ من هذه الدولة وسياستها، لا نستطيع فعل شيء خارج إطارها، كما أنه ليس بالامكان التغاضي عن حالات السرقة والانفلات الأخلاقي التي أدّت إلى عشرات الإصابات بمرض «الإيدز» جراء المجامعات الجنسية التي ظهرت في بعض جيوب طرابلس».

في المقلب الآخر، فإنّ تسارع حركة النزوح الكبيرة جعلت الإتجار بالسوريات وإرغامهن على الدعارة أمراً اعتيادياً. فالفتاة السورية أضحت سلعة لتأمين المكاسب تقول إليسار وتجهش بالبكاء.

هي ابنة الثانية والعشرين من عمرها جاءت من القلمون السورية واليوم تعمل بائعة هوى وتتنقل في طرابلس مع الشبان اليافعين... فيما السمّ القاتل يكمن في انتشار الأمراض والأوبئة والنفايات في طرابلس التي أصبحت أضعاف ما كانت عليه قبل استضافة النازحين.

أما المعضلة الأكبر فتتمثّل في عمّال الديليفري السوريين الذين باتوا عبئاً على الطرابلسيين ويشكّلون خطراً محدِقاً بهم لمعرفتهم أزقة المدينة وعائلاتها ما يعيد إلى أذهانهم زمن الجاسوسية المخابراتية.

محافظ الشمال

يُواجه محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا كلّ سوري مغتصب لحقوق الفقراء، جازماً بأنّ المحافظة لم تتقاعس يوماً عن القيام بمهماتها «وهي نسَّقت أخيراً مع وزارة العمل بإقفال كل المؤسّسات التي يُديرها سوريون، وعليه أرسلنا الأسماء الى قائد منطقة الشمال الإقليمية، لكنّ السوريّين قاموا بتسوية أوضاعهم واستعادوا نشاطهم».

فالقانون اللبناني وفق ما يوضح نهرا لـ»الجمهورية»، يتعاطى مع الأجنبي على أنّه عامل «إلّا أنّ المضاربة أضحت كبيرة على الطرابلسيّين أكانوا عمالاً أو أرباب عمل وأصبحوا في أمسّ الحاجة للقمة العيش التي يسلبهم إياها السوريون».

وفيما يعتبر نهرا أنّه لا توجد أرقام محدّدة لأعداد السوريّين في طرابلس، يطالب الدولة بمضافرة الجهود لمعالجة هذه الآفة خصوصاً أنّ عدد المفتشين في وزارة العمل إلى تضاؤل «لذلك نناشد الطرابلسيين أن يكونوا العين الساهرة ونطالبهم بأن يتقدّموا الينا بشكاوى للحدّ من هذه المشكلة لأنّ الوضع الإقتصادي الخانق في المدينة وصَل إلى عنق الزجاجة».

وقد عمَد نهرا إلى إقفال البسطات التابعة للسوريّين والمنتشرة على ضفّتي نهر أبو علي بعدما كانت تسبّب زحمةً خانقة ناهيك عن التلوّث الذي كانت تخلفه، «فأعداد البسطات كانت بالمئات واليوم تمكنّا بمساعدة فاعليات المدينة من سحبها ومنعها من العمل».

ويُحيّي نهرا «الذين يعملون بتواضع وحكمة في الخفي لمعالجة آفة عمالة السوريين خارج منطق الاستعراض وعرض العضلات، وهم لا يستخدمون الشعارات «المؤذية» للمعايير والقيَم»، مطمئناً في المقابل إلى الأوضاع الأمنية في طرابلس، موجّهاً التحية الى الجيش والقوى الأمنية.

ويوكّد نهرا «أننا نُشجّع اليد العاملة اللبنانية ونقف الى جانب الطرابلسي الكادح في وجه المزاحمة غير الشرعية. السراي لكم يا أبناء الفيحاء، كونوا العين الساهرة معنا لحماية اقتصادنا وشبابنا».

يبقى أنّ الجو في طرابلس ساخن جداً، وما يزيده حرارة مطالبة أهالي المدينة بترحيل النازحين السوريين ونسف المقولة الشهيرة «شعب واحد في بلدَين».