لا يمكن أن يوصف هذا الفكر ودعاته إلا بالتحريض على الكراهية بين الناس، وبين مكونات المجتمع وخاصة عندما يكونون في وطن واحد. وكنا نأمل أن يكون هذا الخطاب المتشدد والمنفلت قد انحسر عن الساحة بعد أن اكتشف الجميع بأن دعوات التسامح والسلم الأهلي هما أساس تماسك المجتمعات وضمان وحدتها وأمنها بعد ما مرت في الدول المجاورة من ويلات وحروب.
لا يقر دعاة الكراهية هؤلاء للآخرين - أيا كانوا - الحق في الحياة ولا الرحمة بعد الموت، ولا دخول جنتهم التي فصلوها على مقاسهم، وقاموا بتوزيع صكوك الغفران لها على من يريدون فقط دون غيرهم. ولا يتحملون أن تذكر محاسن وحسنات غيرهم - أحياءا أو امواتا - باعتبار أنهم يحتكرون كل خير، وغيرهم شر مطلق.
لا يهمنا مايقولون في الأموات، بل أن الضرر الأكبر والأخطر يقع على من هم أحياء من المختلفين معهم، حيث أنهم لا يجيزون لهم التمتع بأي حق من حقوق الحياة والمواطنة المتساوية، ولا أي من حقوق الرأي والفكر والعبادة والتعبير. إن التحريض الذي يمارسه هؤلاء، وبعضهم أعضاء في مؤسسات أكاديمية، كتابة وخطابة يدفع بالكثير من الشباب المتحمس إلى مواجهة المختلفين معه بصورة عنفية، ويحول العلاقات البينية إلى حالة من التوتر والتشدد.
والأسوأ من كل ذلك هو الاستخدام السيئ والسلبي والمعكوس للمفاهيم الدينية بحيث يتحول التسامح إلى تشدد، والحب إلى كراهية، والسلم إلى عنف، والتعارف إلى تنافر، والتنوع إلى أحادية. يستغل هؤلاء منصة الدين والوطن لإبراز عفونة الأفكار وقبح الممارسات والسلوكيات، ويسوقون إلى شعارات تضرب أسس الوحدة الوطنية.
إذن فهذا الفكر والخطاب المتوحش لا يزال قائما وينخر في أسس العلاقات الاجتماعية، ويمارس سوءاته على مشهد من الجميع دون مواربة أو خوف، ولا ينبغي التغافل والسكوت عنه بسبب ما يخلفه من ضرر على سمعة الوطن وأبنائه. لذا لا بد من العمل على محاكمة أصحاب مثل هذا الخطاب المتوتر والحاض على الكراهية للأحياء والأموات، ورحم الله الفقيد وجميع موتى المسلمين والمسلمات، فرحمة الله وسعت كل شيئ.