تيار الحكمة والمجلس الأعلى مطالبان بدفع ثمن هروب ماجد النصراوي وليس التنافس على ترشيح خليفته
 

سلط ملف ماجد النصراوي محافظ البصرة، المستقيل، والهارب إلى جهة مجهولة، الضوء على الكثير من خبايا المنهج الذي تتّبعه أحزاب الإسلام السياسي في العراق.

وبمجرد رفع الغطاء السياسي عن محافظ البصرة المستقيل من قبل رئيس المجلس الأعلى السابق عمار الحكيم انكشفت الكثير من المخالفات الإدارية والمالية في هذه المحافظة الغنية بالنفط، التي تمثل إطلالة العراق الوحيدة على البحر.

وقالت مصادر سياسية مطلعة إن النصراوي تمرّد على قيادته السياسية، ولم يف بالتزامات مالية وعد بها.

وهرب النصراوي، إلى إيران، أو الكويت، أو السعودية، نهاية الأسبوع الماضي، بعد ساعات من إعلانه استقالته من منصبه.

وعزا مصدر سياسي عراقي هروب النصراوي إلى تضارب المصالح في ما بين رموز سياسية فاسدة وليس خوفا من العدالة.

وقال في تصريح لـ”العرب”، “بعدما تحولت الرئاسات الثلاث والوزارات والسفارات إلى إقطاعيات عائلية وقبلية صار تضارب المصالح سمة معلنة يجري القفز عليها عن طريق صفقات غالبا ما تجري تحت أعين موظفي النزاهة الذين تورط الكثير منهم في تمرير تلك الصفقات والسكوت عنها”.

وفشلت جميع محاولات الأحزاب السياسية، في البصرة، طوال الأعوام الثلاثة الماضية، لمحاسبة النصراوي، أو إقالته، بسبب الحماية التي وفّرها له المجلس الأعلى، وفقا لمصادر سياسية.

ولا تستبعد مصادر سياسية، أن تكون زعامة تيار الحكمة برئاسة عمار الحكيم، سربت وثائق تدين النصراوي للتخلص منه، بعد أن استحوذ على مبالغ كبيرة دون أن يقدم النسبة المتفق عليها لهم.

وجاءت استقالة المحافظ، بعد جدل واسع، بشأن دوره ونجله محمد، في صفقات مشبوهة، تسببت في إهدار ملايين الدولارات.

ولم يتم الكشف عن دور نجل النصراوي في العقود المشبوهة، إلا بعد تشكيل تيار الحكمة برئاسة عمار الحكيم.

وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أحال ملف تعاقد محافظة البصرة مع شركات أجنبية لتزويدها بالكهرباء إلى هيئة النزاهة الشهر الماضي.

وتفجرت قضية تنظيف المحافظة الشهر الجاري، إذ كشف النقاب عن دفع البصرة نحو 5 ملايين دولار شهريا لشركة تنظيف كويتية.

وقبل استقالته بيوم واحد دهمت قوة أمنية خاصة منزل المحافظ بحثا عن نجله محمد الذي كشفت وثائق رسمية تورطه في صفقات فاسدة حصل بسببها على عمولات كبيرة، مستغلا منصب والده.

وذكرت مصادر مطلعة لـ”العرب” في البصرة أن “محمد، نجل النصراوي، كان الوسيط الوحيد بين والده وتجار ومقاولين ينفذون عقودا حصلوا عليها من الحكومة”.

وقالت المصادر إن نجل النصراوي متورط في استحصال ملايين الدولارات لصالح والده في قضيتي الكهرباء وشركة التنظيف.

وبرّر النصراوي هربه بتعرض موظفين اعتقلوا للتحقيق في ملفات فساد تخص المحافظ إلى التعذيب.

وأضافت المصادر أن المحافظ استخدم جواز سفر أستراليا، لمغادرة العراق ضاربا عرض الحائط قرارا من هيئة النزاهة بمنعه من السفر. ولكن الأنباء تضاربت بشأن وجهته بين إيران والكويت والسعودية.

وأكدت أن النصراوي استصدر من وزارة الداخلية العراقية وثيقة “عدم محكومية”، تبرّئ ساحته من أيّ جنحة أو جناية. لكن المحافظ سارع إلى استصدار هذه الوثيقة بعدما تبين له وجود ملف متكامل سيؤدي إلى إدانته سريعا. ويمكن للمحافظ استخدام هذه الوثيقة في الدفع ببراءته في حال تعرض للمساءلة في أيّ دولة غير العراق.

وترشح النصراوي عن المجلس الأعلى الإسلامي المدعوم من إيران ليشغل منصب المحافظ في البصرة. لكن العام 2017 شهد خلافات حادة بينه وبين زعامة المجلس.

وعندما خرج عمار الحكيم من المجلس الأعلى مشكلا تيار الحكمة لم يلتحق به النصراوي لكنه لم يلتحق أيضا بالمجلس الأعلى.

وبمجرد إعلان استقالة النصراوي قال قياديون من تيار الحكمة إن منصب محافظ البصرة من حصتهم، فيما رد المجلس الأعلى بأن ترشيح خليفة النصراوي من حقه.

ويقول نشطاء في البصرة إن الأطراف التي رشحت النصراوي ودعمته يجب أن تدفع ثمن هروبه لا أن تنشغل بترشيح خليفته.

واعتماد المسؤولين على أبنائهم في إدارة صفقاتهم المالية، أمر شائع في العراق.

ويذكر العراقيون كيف ظهر رئيس الوزراء السابق نوري المالكي متحدثا عبر شاشة إحدى المحطات الفضائية عن دور نجله أحمد في ملاحقة رجل أعمال بارز صدرت بحقه أوامر قبض بسبب ملف فساد.

ولم يكن لأحمد، نجل المالكي، صفة رسمية آنذاك. لكن الجدل الذي أثاره حديث المالكي دفع إلى تكليف نجله بمنصب المعاون الخاص لمدير مكتب رئيس الوزراء، وهي الوظيفة التي استمر فيها حتى الإطاحة بوالده العام 2014.

ويعتمد الوزراء والمحافظون وكبار المسؤولين في الدولة على أبنائهم وأشقائهم وأقاربهم من درجات عليا في إدارة مكاتبهم الخاصة ومراجعة العقود المالية وتعيين الموظفين. كما يهتم هؤلاء بإدارة عوالم المال السرية للمسؤولين وأملاكهم في الخارج.

وعادة ما يكون لدى المسؤول، وقريبه الذي يعتمد عليه، جوازات سفر أجنبية تساعدهم في الفرار سريعا بمجرد افتضاح أمرهم.

وقالت مصادر سياسية في بغداد إن معظم الأحزاب تختار مرشحين للمناصب المهمة من حملة الجنسيات المزدوجة.

وأضافت أن الكتل تريد ضمان عدم تعرض ممثليها في السلطة التنفيذية إلى الاعتقال والتحقيق لأن ذلك سيكشف الكثير من أسرار تورط أحزاب الإسلام السياسي في قضايا فساد.

وهرب وزراء ومسؤولون عراقيون كثيرون منذ 2003 بعد إدانتهم بالفساد بينهم وزير الكهرباء الأسبق أيهم السامرائي ووزير الدفاع الأسبق حازم الشعلان ووزير التجارة الأسبق فلاح السوداني ووزير التجارة السابق ملاس الكسنزاني، وغيرهم. واستغل هؤلاء جميعا جوازاتهم الأجنبية للخروج من العراق بسهولة.

ولا يصعب إثبات تهمة الفساد المالي على أيّ مسؤول عراقي عندما تتوفر النية للقيام بذلك. وقد لا يستغرق الأمر زمنا طويلا، فلجميع المسؤولين، صغارا كانوا أم كبارا، ملفات ضخمة في هيئات النزاهة. كما أن الحصول على وثائق الإدانة أمر يسير بسبب النزاعات المستمرة بين الكتل والأحزاب السياسية التي صار بعضها يفضح البعض الآخر.

واعتبر مراقب سياسي عراقي أنّ ما فعله محافظ البصرة الهارب ليس سوى عيّنة صغيرة من المشهد الذي عبّر عنه ذات مرة أحد النواب صراحة بقوله على شاشة إحدى الفضائيات “كلنا فاسدون”.

وقال المراقب في تصريح لـ”العرب”، “الفساد هو العقيدة الوحيدة التي يجتمع حولها العراقيون، بغض النظر عن توجهاتهم السياسية التي غالبا ما تأخذ طابعا طائفيا”، مشددا على أن الفساد ليست له عقيدة. هو عقيدة في حدّ ذاته.

ووصف الكلام عن عجز حكومة العبادي وضعفها في محاربة الفساد بـ”القول الذي فيه الكثير من المغالطة. ذلك لأن حكومة العبادي هي سليلة حكومة المالكي وقد ورثت منها كل آليات الفساد التي تعمل على تشغيل ماكنتها”. واتهم الحكومة في بغداد برعاية الفساد والتستر على رموزه بطريقة أو بأخرى.