سبقت المشهدية التي أظهرها حزب الله في الذكرى الحادية عشرة لانتهاء حرب تمّوز، الرسائل السياسية والمواقف التي أطلقها الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله. أصرّ حزب الله من خلال المشهدية، الإشارة إلى تعاظم قوّته، ليس العسكرية فحسب إنما السياسية، التي تجلّت بنصب صواريخ كورنيت وقواعدها في سهل الخيام. وهذا ما يعتبر تحديّاً للقرار الدولي 1701 الذي يمنع امتلاك حزب الله الأسلحة جنوب نهر الليطاني. للخطوة توقيتها، الذي يأتي قبل تصويت مجلس الأمن الدولي على تطبيق القرار 1701، وكلام أميركي عن توسيع صلاحيات هذا القرار وقواته الدولية، والتصعيد الكلامي للسفيرة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هايلي ضد حزب الله وسلاحه.
ليست الرسالة موجهة إلى المجتمع الدولي وإسرائيل والولايات المتّحدة فحسب، بل موجهة أيضاً إلى الحكومة اللبنانية، ربطاً بكلام نصرالله عن تحرير جرود عرسال، ومعركة جرود راس بعلبك والقاع، وضرورة استثمار نتائج هذه المعارك على الصعيد الوطني كما قال، ويتجلّى ذلك في التنسيق مع سوريا لأن المصلحة اللبنانية تقتضي ذلك، ولأن من راهن على مشروع آخر قد سقط رهانه أو هو آيل للسقوط. قال نصرالله إنه حين يتوجه إلى العدو في الخارج، فهذا لا يعني أنه يوجه الرسائل في اتجاه الداخل اللبناني، لكن السياق السياسي لخطابه، كان يصبّ في خانة توجيه الرسائل الداخلية، لا في ما يتعلق بالقرارات الدولية فحسب، إنما في الاملاءات التي فرضها على الحكومة بشأن وجوب التنسيق مع النظام السوري، لأنه حين يريد الجيش الإنتشار في الجرود المحررة، فلن يتمكن من ذلك، بدون التنسيق مع الجيش السوري.
في ثلاثة اتجاهات، ركّز نصرالله خطابه ورسائله. الأول تجاه الإسرائيليين، في تأكيد معادلة الردع التي دخلها عامل الأسلحة، وتهديد المفاعل النووية. والثاني إلى الأميركيين حين اعتبر أن الإدارة الأميركية تريد الضغط على حزب الله لمصلحة إسرائيل، من خلال العقوبات التي ستفرض على الحزب، معتبراً أن إسرائيل تراهن على ذلك للضغط على الحزب. ولفت إلى عدم استطاعة الإدارة الأميركية بكل وسائلها المتاحة والممكنة أن تمس قوّة المقاومة وتعاظم قوتها. ووضع ذلك في سياق التهويل والتهديد على المسؤولين اللبنانيين في الغرف المغلقة والدوائر الديبلوماسية.
الرسالة الأخرى الموجهة إلى الأميركيين هي حين قال إن حزب الله ليس إرهابياً، بل هو قوة تحارب الإرهاب والمشروع الإسرائيلي، معتبراً أن ترامب جاهل في السياسة لأنه لا يعلم أن حزب الله موجود في الحكومة التي تعتبرها الإدراة الأميركية شريكة في محاربة الإرهاب. بالتالي، فإن نصرالله أراد تقديم نفسه على أنه شريك للأميركيين في محاربة الإرهاب، ولا يمكن للإدارة الأميركية التعاطي معه على أنه إرهابي، خصوصاً أن الهدف المشترك لهما هو مواجهة داعش.
أما الرسائل الموجهة إلى الداخل اللبناني، فبدأها نصرالله في الإشارة إلى أن حزب الله لا يسيطر على الحكومة. وقد حرص نصرالله على تقديم صورة مفادها أن هناك أفرقاء على خصومة مع الحزب داخل الحكومة. وهذا ما يستثمره الحزب، في أكثر من مجال. الأول كي لا يقال إنه مستأثر بالسلطة وقراراتها، وما يتم تقريره توافق عليه قوى أخرى. والثاني ليثبّت الحزب انتصاره وفائض قوته، حين يستطيع استدراج الجميع إلى التطبيع والسير في ما يريده. وهذا ما أراد تكريسه أكثر، حين تحدّث عن التكامل في معادلة الجيش والشعب والمقاومة، التي وضعها في خانة زيادة عامل الخوف عند إسرائيل، التي ستفرض احترام العالم للبنان، لأن العالم الذي "نعيش فيه، هو عالم الذئاب".