كما في أيام الدعم والتضامن، كذلك في أيام «الاستياء»، أبى أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أن يؤثّر دور «حزب الله المؤكّد في خليّة العبدلي على علاقات الكويت التاريخية بلبنان، فحرص على إبداء حفاوة كبيرة خلال استقباله رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري الذي زاره أمس مستنكراً باسم اللبنانيين ما حصل، وطمأنه الى أنّ العلاقات مع لبنان «ثابتة ومستمرّة وكذلك المساعدات»، رغم ألم الأمير «الكبير جداً» من دور الحزب المشار إليه «مع أنّنا لم نُسئ إليه لا في الماضي ولا في الحاضر ولم نميّز بين فريق لبناني وآخر أو بين منطقة لبنانية وأخرى في كل ما قدّمناه للبنان، ومن دون منّة، كما حصل إثر العدوان الإسرائيلي العام 2006».

هذا الموقف الذي عبّر عن عتَب كويتي «على قدر المحبّة» للبنان، كشف النقاب عنه مصدر ديبلوماسي كويتي لـ«المستقبل»، مؤكداً أن أمير البلاد أكّد للرئيس الحريري أكثر من مرّة أنّه رغم ثبوت دور «حزب الله» في الخلية المذكورة فإنّ «لا إجراءات ستتّخذ ضدّ لبنان من جانب الكويت»، وأنّ خير دليل

على ذلك حركة السيّاح الكويتيين إلى لبنان التي لم تتوقّف. وأوضح المصدر أنّ التحقيقات وتسجيلات اعترافات الموقوفين في هذه القضية أظهرت دور «حزب الله» في أربع مراحل هي تشكيل الخلية وتنظيمها وتدريبها وتسليحها على الأراضي اللبنانية. أضاف أنّ الحكم مبرم في هذا الملف الذي بلغ قضائياً المراحل الثلاث من الابتدائي إلى التمييز مروراً بالاستئناف.

وكان أمير الكويت قد استقبل الرئيس الحريري بالديوان الأميري في قصر بيان في حضور رئيس الوزراء الكويتي الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح والنائب الأول لرئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ صباح خالد الحمد الصباح ونائب وزير الخارجية خالد الجارالله ورئيس بعثة الشرف المرافقة المستشار في ديوان رئيس الوزراء الشيخ سالم الجابر الأحمد الصباح ورئيسة الديوان الشيخة اعتماد خالد الأحمد الصباح وسفير الكويت في لبنان عبد العال القناعي وجرى خلال الاجتماع عرض آخر المستجدات في المنطقة والعلاقات الثنائية بين البلدين وخصوصاً ما يتعلق منها بملابسات خليّة العبدلي.

وبعد انتهاء المحادثات أوضح الحريري أنّه نقل إلى الأمير «تحيات الشعب اللبناني وفخامة رئيس الجمهورية وقلنا بصراحة إنّنا نُندّد بما حصل في خلية العبدلي وأن لبنان مستعد للتعاون بكل أجهزته لكي نتوصل إلى نهاية لهذا الموضوع»، وأضاف:«هناك استياء كويتي كبير جداً حياله وبالتأكيد أنّهم على حق»، مذكّراً بأنّ«الشعب الكويتي والدولة الكويتية وسموّ الأمير على رأسهم، لم يقصّروا يوماً حيال لبنان وتعاملوا معه كأنّهم يتعاملون مع الكويتيين، وإن شاء الله العلاقات تسير نحو الأفضل ونحن نقوم بهذه الزيارة لنقول لسموّ الأمير والشعب الكويتي إنّ لبنان بلدكم وإن الدولة والحكومة ضد أي عمل أمني، ونعتبر أنّ أمن الكويت من أمن لبنان».

وإذ طمأن إلى أنّه لن تكون هناك أيّة إجراءات كويتية ضد لبنان، أكد الحريري العمل على معالجة الأمور «بشكل واضح وجريء لأنّ ذلك واجبنا كدولة وكحكومة»، لافتاً إلى أنّه سيتابع شخصياً الموضوع وأنّ الاتصالات ستتواصل لإنهائه.

وعلمت «المستقبل» أن الرئيس الحريري أبلغ أمير الكويت أنّ لبنان رئيساً وحكومةً وشعباً «لا يمكن أن يرضى الأذى للكويت الشقيقة»، مؤكداً الاستعداد للتعاون الأمني والقضائي في هذا الملف بين البلدين، وهو سيوفد وزير الداخلية نهاد المشنوق إلى الكويت«قريباً»لمتابعته. فيما أوضح المصدر الديبلوماسي الكويتي أنّ التعاون الأمني والقضائي يمكن أن يترجم بزيارات متبادلة لمسؤولين أمنيين وقضائيين بين البلدين، أو بتشكيل لجان مشتركة.

وفي سياق متطابق مع ما أكده السفير القناعي لـ«المستقبل» سواءً عبر وصفه المحادثات بـ«الإيجابية جداً» أو من خلال إشارته إلى أنّ «سموّ الأمير أكّد لدولة الرئيس الحريري أنّ العلاقات المميّزة بين البلدَين لن تتأثر بما حصل»، شدد نائب رئيس الوزراء الكويتي وزير الخارجية في حديث تلفزيوني أمس حرص بلاده على استمرار العلاقات الجيدة التي تربط الكويت بلبنان. وقال: «الزيارة المهمّة للرئيس الحريري إلى الكويت، واللقاءات التي أجراها مع صاحب السمو أمير البلاد ورئيس الوزراء تؤكد العلاقة المتينة والقويّة التي يحرص عليها الجانبان الكويتي واللبناني. في كل الظروف، في الشدّة والرخاء، نحن مع أشقائنا في لبنان، فنحن أرسلنا رسالة احتجاج إلى الحكومة اللبنانية بشأن الحكم الذي صدر مؤخراً في دولة الكويت عن ارتباط«حزب الله»بتدريب بعض الكويتيين للقيام بأعمال تضرّ بأمن الدولة، ونأمل أن تتم معالجة الأمر في إطار العلاقة المميّزة بين الكويت ولبنان، وهناك تأكيد من صاحب السمو ورئيس الوزراء بأنّ العلاقات مع لبنان لم تتأثر بهذه الأمور ولكننا شدّدنا على أشقائنا في لبنان على ضرورة أن نعمل سوياً على تعزيز أمن البلدين ونمو العلاقات في مختلف جوانبها، ونحن في الكويت سنبقى ندعم أشقاءنا في لبنان»، معرباً عن تطلّع بلاده إلى أن تتلقى «جواباً على مذكّرة الكويت» مع تأكيد لبنان «على عدم المساس بأمنها واستقرارها».

وعن نفي «حزب الله» علاقته بخلية العبدلي، أجاب: «نحن نقدّم الأدلّة الموجودة لدينا، وليردّوا علينا بالحجّة مقابل الحجّة. لدينا اعترافات، والاعتراف هو سيّد الأدلّة، وننتظر من إخواننا في لبنان بعد تزويدهم بحيثيات الحكم وارتباط «حزب الله» بهذه الخليّة ونوعية المساعدة التي يقدّمها أفراد من الحزب لها، عليهم أن يقدّموا الحجة مقابل الحجّة وأن يطّلعوا على ما لدينا من أدلّة»، مضيفاً: «سنعمل على كل القنوات والوسائل بحيث تتّضح الصورة ويتحمّل المسؤولية مَن يقوم بهذا العمل، ونحن في كل الظروف حريصون على العلاقة مع لبنان الشقيق».

وكان الحريري التقى صباحاً نظيره الكويتي الشيخ جابر مبارك الحمد الصباح، وناقشا معاً العلاقات الثنائية، ثم أولم الصباح على شرفه فأقام مأدبة غداء حضرها عدد من المسؤولين الكويتيين