أولاً: عهد الخليفة عثمان وتكدُّس الثروات...
أكمل الخليفة الثالث عثمان بن عفان سيرة عمر بن الخطاب في استكمال الفتوحات، الفتوحات التي ارتبطت بتدفُّق الثروات، اجتاح المسلمون في عهده خراسان واذربيجان، وكانت الثروات تجد طريقها نحو كل من استطاع الوصول إليها وأجاد التقاطها. كان بيت المال يغصّ بالمال بعد عشر سنوات من الفتح والغنائم، كما كان يتغذى من صدقات الجزيرة العربية، ومن ضرائب الزكاة المفروضة على الماشية، ملايين من الدراهم والدنانير، كان التجار يقتفون آثار الجيوش، فيشترون عبيداً، وحجارة كريمة، وأشياء ثمينة يبيعونها بارباحٍ فاحشة، وذهب البعض إلى القول بأنّ الغنائم كانت محرّك اتساع الفتوحات.
كانت خلافة عثمان قد خرجت عن سيرة عمر بن الخطاب، كان عمر يُرهب عُمّاله بالعدل والتقشف، فكان يتقاسم الأموال مع عمّاله، للحدّ من السرقات، في حين أباح عثمان لنفسه اقتراض مال الخزينة العامة، وربما تاجر بها أو قرضها أو وهبها، وفي أوساط قرابته تكونت ثروات ضخمة، وذكر المسعودي أنّ أمواله بلغت حين مقتله: مائة وخمسون ألف دينار ومليون درهم، عدا الأملاك والقطعان، وكان طلحة مع الزبير من أكثر الصحابة ثراءً ونعمة، وقدّرت ثروته بثلاثين مليون درهم، وكان يملك داراً في الكوفة وأخرى في المدينة، أمّا عبدالرحمن بن عوف، وهو صحابي لعب دوراً حاسماً في الشورى، فقد ترك بعد وفاته ألف جمل، وثلاثة آلاف رأس غنم، ومئة حصان، وسبائك ذهبية، هذا الذي دخل الشام راكباً على حمار خلف عمر، الذي كان راكباً هو الآخر على حمار، أمّا الزبير فكان أغنى الجميع، كان يلعب دور مصرف ودائع، وكان يقترض من بيت المال، وقدّرت ثروته بحوالي خمسين مليون درهم وغابات وأراضٍ وأحد عشر داراً في المدينة، وداران في البصرة وأخرى في الكوفة وأخرى في مصر، وعقارات في الكوفة والفسطاط والإسكندرية. ويذكر المسعودي أنّ صحابةً غير قرشيّين حصّلوا ثروات أيضاً، منهم زيد بن ثابت، عالم المدينة، خلّف من الذهب والفضة ما كان يُكسّر بالفؤوس، غير ما خلّف من الأموال والضياع بقيمة مائة ألف دينار،، ومات يعلى بن منية وخلّف خمسمائة ألف دينار، وحتى عبدالله بن مسعود، خلّف وراءه تسعين ألف درهم.
ثانياً: الشيخ عودة ينفخ في نارٍ هامدة...
ينفخ الشيخ عودة هذه الأيام في نار "الإسلام" الهامدة، فقد خبا وهجها وانطفأت شوكتُها منذ خلافة عثمان وحروب الجمل والنهروان وصفين ومصرع الإمام علي بن أبي طالب وخلافة الأمويين والعباسيين والعثمانيّين،، ذهب عصر الذين عاشوا مختلف المغامرة النبوية البطولية، عصر المهاجرين والأنصار، الذين عاشوا حياةً إسلامية أصيلة، بعد أن اندمجوا فيه اندماجاً كاملاً، والشيخ عودة يحاول اليوم عبثاً، إحياء اللحظة النبوية العابقة بالطُّهر والزهد وطرح الدنيا وطلب النجاة في الدار الآخرة.
ليس من المستغرب أن يُكفّر كل مُصلح وربّاني وطاهر، ويُنبذ خارج المؤسسات، ويُرمى بكلّ شنيعة، لتبقى الساحّ ملعباً للتُّجار والمشعوذين.