يقف أمين عام "حزب الله" حسن نصرالله متفرجاً على رئيس الحكومة سعد الحريري متوجهاً إلى الكويت لمحاولة إزالة آثار عدوانه على أمنها من خلال ما بات يُعرف بخلية العبدلي ، غير آبهٍ بحجم الإحراج الذي يسبـّبه للحكومة ، بل إنه على الأرجح يراهن على اضطرار الحريري السعي لتغطية أفعاله ، باعتبار أن تلك التسوية لن تعني تراجعاً منه ، بل ترسيخاً لأمر واقع يمتد من لبنان إلى الكويت.
مشهد سياسي مشبع بالتناقضات. ضغوط متتابعة على حكومة لبنان للتطبيع مع نظام الأسد المجرم ، وضغوط متقابلة على الحكومة لتطبيع إرهاب "حزب الله" في الكويت وتجاوز إنشائه خلية مسلحة تستهدف تخريب إستقرار هذا البلد الذي لطالما تعامل مع إيران بدبلوماسية قلّ نظيرُها من الصبر والإستيعاب ، وكان أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح من المبادرين إلى زيارة طهران والسعي لتنفيس الإحتقانات الناجمة عن الجموح الإيراني في المنطقة ، بالتوازي مع مبادراته الدائمة للمّ الشمل العربي ، ومع ذلك ، لم يوفر جنود ولاية الفقيه في لبنان هذا البلد المسالم الحافظ لتوازنات العلاقات السنية – الشيعية داخله ، من الإستهداف الأمني.
إتبعت الحكومة اللبنانية سياسة التجاهل في بداية الأزمة وعدم التعاطي مع رسالة الاحتجاج الكويتية التي جاء فيها أن "حكومة دولة الكويت تعتبر هذه التصرفات من قبل "حزب الله" اللبناني تهديداً لأمن البلاد واستقرارها وتدخلا خطيرا في الشأن الداخلي لدولة الكويت" ، وبعد صمت الخارجية اللبنانية صدر عن الرئيس الحريري في جلسة لمجلس الوزراء تصريح أكّد فيه أن لبنان الرسمي يستنكر ما يقوم به "حزب الله" ونشاطاته في دول الخليج العربي.
ومقابل التبريد والتجاهل اللبناني ، فإن الموقف الكويتي كان صارماً وحازماً ، ووصل التوتر إلى حدّ التداول في إستدعاء سفير الكويت في لبنان عبد العال القناعي والبدء في إتخاذ إجراءات دبلوماسية حادة على عكس التصريحات التي أطلقها الرئيس بري واعتبر فيها أن المسألة "إنحلت".
الأسوأ من هذا أن الإحتجاج الكويتي قد تحوّل بشكل تلقائي إلى موقف خليجي شامل ، أي أنه في حال فشل لبنان في التوصل إلى تفاهم يرضي دولة الكويت ، فإن الأمور يمكن أن تتدحرج سلباً بشكل متسارع.
• بري: تشريع "حزب الله" في سوريا
ومن عناصر عرقلة مبادرة الرئيس الحريري ما قدّمه الرئيس بري بين يدي زيارة الوفد اللبناني إلى الكويت من مقاربة غير موفقة ، حيث أصرّ على تشريع زيارة الوزيرين حسين الحاج حسن ورائد خوري إلى سوريا بالقول: "لا يريدون ذهاب وزير.. وكل "حزب الله" في سوريا"، وبهذا الموقف والتوقيت ، يعيد بري طرح إشكالية مشاركة الحزب في الحروب والأعمال الأمنية خارج حدود لبنان ، معلناً تأييد ما يفعله في سوريا من مشاركة في قتل الشعب السوري ، وهو أمر لا يختلف عملياً عن ما يفعله في اليمن وعن ما فعله في الكويت من خلال خلية العبدلي. فكيف سيفسر الكويتيون هذا الموقف الداعي إلى تشريع قتال "حزب الله" خارج الحدود وإلزام الحكومة اللبنانية بهذا الرأي كأمر واقع؟
• تساؤلات جوهرية
كيف سيفاوض الرئيس الحريري المسؤولين في الكويت إذا كان رئيس مجلس النواب والممثّل في الحكومة يأخذ هذا المنحى في مقاربة سلوك "حزب الله" في حين أنه كان سابقاً يعتمد صيغة الصمت والتغاضي عن مثل هذه الملفات الحساسة.
ماذا سيقول الرئيس الحريري للمسؤولين في الكويت: كيف يمكن نفي تورّط "حزب الله" في الكويت ، وهو الذي أعلن أن مقاتليه سيتواجدون حيث يجب أن يتواجدوا ، وقد دفعهم الولي الفقيه إلى أقطار كثيرة ساهموا في تخريبها من اليمن إلى العراق مروراً بمئات الخلايا المنتشرة عبر العالم ، وليس إنتهاءً بالبحرين وسوريا..
وهل يملك الرئيس الحريري أن يتعهد بأن "حزب الله" لن يكرّر فعلته الشنعاء ضد الكويت؟
الواقع أنه لا يمكن إعطاء تفاسير تـُخفـّف من وطأة جريمة إستهداف الأمن الكويتي خاصة بعد أن وصلت القضية إلى مراحلها النهائية أمام القضاء وبات مؤكداً إدانة "حزب الله" قضائياً ، مما يجعله حزباً ينطلق من لبنان ليمارس الإرهاب على الكويت ، ولا يبقى أمام الحريري إلا المراهنة على حرص الكويت على لبنان وعلى رصيده لدى أميرها ، من دون أي ضمانة بأن هذه القضية ستكون الأخيرة.
• إستفزاز إضافي
مارس الثلاثي "حزب الله" وحركة "أمل" والتيار الوطني الحر محاولة بائسة لتجاهل الموقف الكويتي وعمدوا إلى فرض تعيين سفير لبناني لدى الكويت ينتمي مذهبياً وسياسياً إلى الثنائي الشيعي في محاولة لتوسيع الحصة الشيعية من السفراء في دول الخليج ، مما أحدث ردة فعل شديدة السلبية ، فرفض المسؤولون الكويتيون قبول إعتماد سفير لـ"حزب الله" علاقة بتعيينه ، حيث تراجع موقع حركة "أمل" في الكويت بعد انكشاف جريمة "العبدلي" وإصرار الرئيس بري على تغطية ممارسات الحزب عبر تصريح عام لم يحمل أي بـُعـدٍ عملي عندما إعتبر أن الأزمة قد حـُلّت.
• خلل في التعيينات
يتحدث المتابعون أن الخلل بات كبيراً في وزارة الخارجية ، وأن وجود المسلمين السنة خصوصاً بات نادراً في الفئتين الثانية والثالثة ، وتغييب عكار نموذج واضح عن التغييب ، مما يعرّض التوازن الوطني لخلل كبير ، بانتظار مبارة مقررة قريباً لتعيين موظفين
فهل سيتم تصحيح الخلل في هذه المباراة أم سيتم ترحيل هذا الملف إلى حكومات قادمة لا نعرف إذا كانت ستطبق التوازن ، ومن المسؤول في الخارجية وفي غيرها.
وفي ضوء الأزمة الراهنة ، تبرز ضرورة العودة إلى العرف القائم على أساس تعيين سفير سنـّي لدى الكويت ، والكفّ عن التلاعب واختبار صبر الخليج على لبنان ، لأن الإصرار على سفير الثنائي الشيعي سيزيد الطين بـِلّـة ، والعودة عن الخطأ واحبة ، وخاصة في مثل هذه الأزمات.
• حق عكار المستحق
يبلغ ملاك الفئة الأولى في وزارة الخارجية والمغتربين (سفراء ومدراء عامون) ما يزيد عن 115 موقع ، وحصة محافظة عكار من أصل 7 محافظات هو 7/115=16 ولا يوجد من الكفاءات العكارية سوى 2 فقط .!!
وإذا أردنا الإكتفاء بمنطق التسوية ، فإنه يجب أن يكون لعكار 8 سفراء على الأقل ، مع الإشارة إلى أن الظلم اللاحق بعكار في المجال الدبلوماسي شامل لكل الطوائف ، لأن التمييز بين مسلمي ومسيحيي بيروت والجبل ونظرائهم من "الأطراف" يجعل التهميش "متوازنا".
تمتلك عكار التي كانت حصتها تعيين سفير واحد (محمد حسن – من الطائفة العلوية) ، الكثير من الكفاءات ، ومنهم من تقدموا وأجريت معهم مقابلات ، وهم من وجوه عكار الشابة والفاعلة والمساهمة في التنمية وفي الدفاع عن صورة عكار الوطنية المشرقة.
في الكويت جالية عكارية فاعلة ستحتضن وتدعم عمل السفارة بشكل كبير إذا وصل إلى منصب السفير أحد أبنائها ، وهي خطوة تسهم في تقارب الرئيس الحريري مع أهالي عكار ، وفي إنصاف منطقة لطالما شكلت خزان الدولة من الطاقات العسكرية والمدنية المعطاءة.
* أمين عام التحالف المدني الإسلامي